زوج أمي وأموال أبي
فتاة توفِّي أبوها وترك لهم ميراثًا، وقد تزوَّجت أُمُّها برجل تصرف في هذا الميراث، ولم يتبقَّ منه شيءٌ لهم، ثم تراكمتْ عليهم الديون، وتسأل عن حلٍّ.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
مشكلتي باختصار هي زوج والدتي، فقد توفِّي والدي وتزوجت والدتي شابًّا يصغرها بـ١١ سنة، وعندما توفي والدي رحمه الله ترك لنا سيارات وعددًا من الأراضي، وراتبًا شهريًّا يُصرف إلى الآن مع مرور ٢٥ سنة على وفاته رحمه الله، هذا الراتب في يد والدتي توزِّع منه علينا مبلغًا لأخواتي غير الموظفات، باعت والدتي كل الأراضي ولم يبقَ لنا إلا بيت واحد متهالك، وزوج والدتي يريد أن يبيع هذا البيت وأنا أرفض، وقد ألمحتُ لوالدتي أني أرفُض بيع هذا البيت، فما كان جوابها إلا أن قالت لي: لا شيء لكِ، البيت لي فقط، وضعنا المادي سيئ جدًّا؛ بسبب الديون والقروض، رغم أن حالتنا المادية كانت ممتازة جدًّا، هذا التغير في الوضع المادي أثر عليَّ وعلى أخواتي نفسيًّا؛ فقد أصبح شغلنا الشاغل التفكير في سداد الديون، وتوفير سكن مناسب؛ لأننا نسكن في منزل بالإيجار.
أكره زوج والدتي؛ لأنه دخل حياتنا ويسكن معنا في نفس البيت، وهو الآمر الناهي في كل شيء يخصنا، لديه وكالة عامة في الشراء والبيع والتصرف بكل ما يخصنا، وما يسكتني هو خوفي على والدتي؛ لأنها كبيرة في السن، وتُحبه كثيرًا، سبق أن تحدثت معه أني لن أسامحه إلى يوم القيامة، وأخبر والدتي، وحدثت بيني وبينها مشكلة، وأصبحت لا تكلمني ثلاثة أشهر، والآن أخاف أن أتصرف تصرفًا يغضبها، ويسبب لها التعب، ولا سيما أن كل بطاقات صراف والدتي وراتب أخواتي في جيبه، فما الحل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ الهداية والتوفيق والسداد والتيسير.
ثانيًا: لا شك أن أمكِ وقعت في خطأ عندما مكَّنت زوجها من مالكِ أنتِ وأخواتكِ، فليس لها الحق في التصرف في مال أبنائها، إلا في مقتضى المصلحة، فضلًا عن زوجها.
فإن للوالدين أن يأخذا من مال ولدهما عند الحاجة فقط، أما لغير حاجتهما فلا، وإن كان الحنابلة يرون أن للأب أن يأخذ من مال ولده ولو من غير حاجة، لكن بشرط ألا يجحف بمال الولد، وألا يأخذ من مال ولده، ويعطي ولدًا آخر، أما الأم فليس لها ذلك.
قال ابن قدامة: "وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملَّكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرًا كان الولد أو كبيرًا بشرطين:
أحدهما: ألَّا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.
الثاني: ألَّا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر ... وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته"؛ [المغني: (5/ 395)].
وقال الحجاوي: "وللأب فقط إذا كان حرًّا أن يتملك من مال ولده ما شاء، مع حاجة الأب وعدمها، في صغره وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغيره، دون أم وجد، وغيرهما"؛ [الإقناع: (3/ 38)].
وجاء في الموسوعة الفقهية (43/ 198): "ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه ليس للوصي أن يتبرَّع بمال الصغير، سواء أكان بالصدقة أم بالهبة بغير عوض؛ لأن التبرع بمال الصغير لا حظَّ له فيه، وأنه ينافي مقصود الوصاية من الحفاظ على المال وتنميته، والتصرف بما فيه نفع يعود على الصغير؛ مستندين في ذلك إلى قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]، فقد نهى عن قربان مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة له، والتبرع بالمال لا مصلحة لليتيم فيه، بل هو تصرف في ماله على غير الوجه الذي أمر الله به، فيكون ممنوعًا ومنهيًّا عنه".
وإذا غضِبت منكِ في منعها من التصرف في المال، فلا يُعد هذا الغضب عقوقًا؛ لأنها هي المفرطة، وليس لها الحق في ذلك، ومع ذلك ننصحكِ باللين والرِّفق معها، ولا مانع من توسيط أحد من أهلكِ للحفاظ على ما تبقى من حقوقكم.
وإذا كانت أمكِ تظن أن من حقها أن تأخذ من مالكم ما تشاء، فهذا غير صحيح، فإن الأم إذا كانت في كفاية، فإنها لا يحق لها أخذ شيء من مال أولادها بغير رضاهم، ولا سيما وهي متزوجة وفي كفالة رجل يجب أن يُنفق عليها، وعليه فيحق لكِ أن تطالبي أمكِ بمالكِ أنتِ وأخواتكِ ما دامت أخذته من غير رضاكم.
ونصيحتنا لكِ أن تجتهدي في بر أمكِ، والإحسان إليها، فإنه من أفضل القربات، ومن أحب الأعمال إلى الله.
هذا، وصلى الله علي محمد وعلى آله وصحبه وسلم.