التحذير من تحول الكره القلبي للإيذاء
التحذير من تحول الكره القلبي للأب للإيذاء
أستأذن حضرتك في أن تقرأ هذه الرسالة، وتقول لي كيف أتصرف؟
أبي متزوج على أمي منذ 3 سنوات، ولا ينفق على البيت. وأنا متزوج وعندي أخ وأخت، وأنا وأخي نصرف على البيت، وأختي عمرها 21 سنة.
أبي يستلف من ناس كثيرين فلوسا كثيرة؛ لكي يصرف على امرأته الثانية، ويسدد ديونها؛ لأنها مدينة، ولا يسدد للناس الذين يأخذ منهم، وهي فلوس كثيرة، والناس يطالبونني أنا وأخي، ونحن لا نملك ما نسدد به ديون أبي، وأبي قد أهان أمي، وهي طول عمرها واقفة إلى جانبه، وباعت ذهبها، وأعطته ميراثها، وهو لا ينفق عليها نهائيا، ولا على أختي.
عندنا محل، وقد كتبه أبي باسمي، وأنا غير راض أن أكتبه باسمه مرة أخرى؛ لأنه حقي وحق إخوتي، وقد مللنا منه، ومن مشاكله ومن كثرة الديون، ويهيننا أمام الناس، ولا نعرف ماذا نفعل؟
والله العظيم كرهناه نهائيا، جلب لنا ديونا أكثر من 200 ألف جنيه، ولا نستطيع سدادها، كلما قضينا شيئا، وجدنا شيئا آخر.
وأحيانا تكون عنده فلوس، ويعلم أن ظروفنا سيئة، فلا يخبرنا، ويعطيها كلها لزوجته الثانية؛ لأن عليها ديونا، وقد التزم لمن يطالبها بالقضاء.
أصبحنا نتشاجر معه، وتقع مشاكل دائما، لكن طبعا لا نشتمه، ولا نضربه، لكننا تعبنا، فأصبحنا ندعو عليه.
والدتي لا ترضى أن تحصل بينهما أي علاقة زوجية، وقالت له: طلقني، قال لها: حاضر، لكن عندنا بنت، قالت له: نحن نعتبر مطلقين، لكنها تخدمه في كل شيء، ونحن ندعو ربنا أن يأخذه.
فإن كان أبوك لا ينفق على أمك، ومن تجب عليه نفقته من أولاده؛ فهو مفرط. فنفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بقدر الكفاية، كما هو مبين في الفتوى:.
وقد جاء من الوعيد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عَمروِ بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كَفَى بالمرء ِإثْماً، أن يضيع منْ يَقوت».
ولا يلزم أباك شرعا أن يسدد ديون زوجته الثانية إن لم تكن قد استدانت في نفقة واجبة عليه، ولا يجب عليكم أنتم أيضا سداد ديون أبيكم.
وإن أمكنكم القيام بسداد ديونه برا به وإحسانا إليه، فهي قربة من أعظم القربات.
والكره القلبي للتصرفات السيئة لأبيكم، لا مؤاخذة عليكم فيه؛ لأن الأمور القلبية لا كسب للمرء فيها ولا اختيار، قال تعالى في دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:286]، ثبت في صحيح مسلم أن الله عز وجل قال:"قد فعلت".
ولكن يجب الحذر من أن يترتب على هذا الكره القلبي أي تصرف يؤذي الأب من قول أو فعل؛ لأن هذا موجب للعقوق، والذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب، وانظر الفتوى: 176053.
فتجب عليكم التوبة إن رفعتم صوتكم عليه، فإنه عقوق، وكذلك دعاؤكم عليه؛ فإنه منكر عظيم، تجب عليكم التوبة منه.
والإنكار على الأب وبذل النصح له مشروع، ولكن يجب أن يكون ذلك بمزيد من الرفق والحسنى، فالإنكار عليه ليس كالإنكار على غيره.
جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل: من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ.
ونوصيكم بالصبر عليه، وكثرة الدعاء له أن يهديه الله لأرشد أمره، فهذا من أعظم إحسانكم إليه، ولعل دعوة صالحة من قلب صادق تصادف وقت إجابة يصلح الله بها أمره، ولا تيأسوا من ذلك أبدا.
بقي أن نبين أنه لا يجوز لك منع أبيك حقه في ملكيته في هذا المحل الذي سجله باسمك، وراجع الفتوى: 111422.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: