أخاف من الحياة وحيدة بلا زوج
سيدة مُطَلَّقة مِن زوجها، وما زالتْ تُحِبُّه بالرغم مِن زواجه مِن أخرى، وتتمنى أن يطلقها ويعود إليها، تشكو هذه السيدة من الخوف من المستقبل والوحدة والحياة دون زوج.
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - استشارات نفسية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة في منتصف الثلاثين من عمري، طُلقتُ منذ مدة من زوجي، ولديَّ طفلٌ، المشكلة أني ما زلتُ أحبه بالرغم مِن زواجه من أخرى، وأتمنى أن يُطلقها ليعود إليَّ مرة أخرى.
أريد أن أنساه، لكني لا أستطيع، أخاف مِن المستقبل، أخاف أن أبقى وحيدةً، بالرغم مِن أن ظني بالله كبير.
لكن أريد أن أكسرَ حاجز الخوف والحزن.
فماذا أفعل؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
رسالتك كانتْ مختصرةً جدًّا، ولم تذْكُري لنا أي تفاصيل عن أسباب طلاقك، وهل كانت مِن طرفك، أو طرفه، أو مُشتركة بينكما؟
ما لمسته مِن رسالتك أنكِ تخافين كثيرًا مِن فكرة الحياة وحيدة بلا زوجٍ، وهذا يجعلنا نتوقَّع أمرًا مهمًّا؛ وهو أنكِ لا تحبينه هو لشخصه، ولكنكِ تحبين فكرة أنه كان زوجك، الزوج الذي يجعلك مُطمئنة للمستقبل، وآمنة مِن كلام الناس وشفقتهم ونظراتهم!
ولأنَّ نظرةَ المجتمع الغالبة مَليئة بالتشاؤم والشفَقة والحزن على أي مطلقة، مهما كان وضعُها أو أسباب طلاقها؛ لذا فهي تؤثر بشكل كبير في أفكارنا وتتحكم فيها، وهي تجعلكِ تعتقدين أنكِ لن تجدي زوجًا يقبلك؛ لأنكِ مُطلَّقة ولديكِ طفلٌ، وقد تميلين للاعتقاد بأن لديكِ فرصةً واحدةً للزواج استنفدتها مع زوجكِ السابق، وستقضين بقية حياتك وحيدة مسكينة، بلا زوجٍ وبلا أمانٍ!
ولكن كلُّ هذه مُعتَقَدات مَغلوطة، وأفكار ظالمة للمرأة التي أراد لها الله أن تَمُرَّ بهذه التجربة لحكمة يعلَمُها، هذه الأفكارُ تجعلنا ننسى تمامًا رحمة الله بنا وبقلوبنا، وتجعلنا نُرَكِّز تفكيرنا على الخوف مِن تحقُّق هذه الأفكار ومُحارَبة هذه النظرات!
عزيزتي، حياتُنا الآن اختلفتْ تمامًا عن الحياة قبل 20 سنة، فقديمًا كان الرجلُ يتحمَّل مسؤولية البحث عن الرزق والقوت وتوفير حاجات البيت، وكانت المرأةُ تتحمَّل مسؤولية كل ما يدور داخل المنزل، لذا كان من الصعب أن تجدَ امرأة وظيفة تُؤَمِّن لها رزقها، فكلُّ الوظائف هي للرجال فقط، ولهذا أيضًا كان مِن الصعب جدًّا أو المستحيل أن تعيشَ امرأةٌ وحدها تتحمَّل مسؤولية نفسها.
أما اليوم فالوضعُ أصبح كما ترين، فكثيرٌ من النساء المتزوِّجات يَقُمْنَ بمسؤوليات البيت الداخلية، ويعملْنَ في وظائفَ خارجيةٍ لتوفر لهنَّ رزقًا أوسع؛ ومن ثَم أصبحْنَ يتحمَّلن المسؤولية مثل الرجل تمامًا، بل وربما أكثر في بعض الحالات.
بالتأكيد نحن لا نحتاج المال فقط لنعيشَ حياةً هانئةً، نحن نحتاج الحبَّ والسكينةَ والتكامل الروحي الذي يُحَقِّقُه لنا الزواج، وهي كلُّها أمورٌ مِن حقكِ أن ترغبي فيها، ولا يمكن لشخصٍ أن يلومكِ حين تحزنين على فقدانها، ولكن الخوف الذي تعيشينه لن يساعدك لتجدي ما تريدينه، قد يكبلكِ وقد يحبسكِ في صورة طليقكِ وترفضين أي شخص سواه!
أو قد يجعلكِ الخوفُ مغيبة وغير واعية بما تريدينه فعلًا في الرجل، وتقبلين أي شخص يخطبك، وتعيشين في مشاكلَ وأزماتٍ مع زوج لا يُناسبك ولا تناسبينه!
وكلتا الحالتين قد تُعقّد حياتك ولن تحلها، لذا فإن ما تحتاجينه الآن هو أن تتحرَّري مِن هذا الخوف بداخلك، وتبدئي بتغيير نظرتك للأمر وتوقعاتك عنه، وهذا يكون بمُناقشة نفسك عن أفكارك، نعم ناقشي نفسَك وتحدَّثي معها؛ فأنتِ بحاجةٍ لسماع صوتكِ الداخلي، بحاجة لتفهميه، ومِن ثَمَّ توجهينه!
هل تريدين الزواج لمجرد الزواج؟ أو أن لديكِ أهدافًا نفسية وشخصية ودينية واجتماعية من الزواج؟
لا تستغربي سؤالي عزيزتي، هذا السؤال يجب أن نضعه لبناتنا وأخواتنا منذ بلوغهنَّ، حتى يكنَّ على وعيٍ ومعرفةٍ بالهدف مِن زواجهنَّ والغرَض منه!
مشكلتنا أننا نترك المجتمع يحكمنا ويتحكَّم فينا، فالمجتمعُ يَفْرِضُ علينا نحن النساء الزواج في سن معينة، ويفرض علينا أن الرجل لا يعيبه سوى جيبه، أما الفتاةُ فيجب أن تكونَ بمُواصفات معينة ودقيقة لتنال إعجاب الرجل، وعندما نتخطى سنًّا معينًا يبدأ المجتمع بالضغط علينا لنختصرَ شروطنا للربع أو نلغيها كاملة، ونقبل أي رجل حتى نحمي أنفسنا، وقد نقبل أي رجل، لكنه لا يناسبنا ولا يشبعنا، ولا يحقق لنا أي مودة أو رحمة لقلوبنا ونفوسنا، وهنا تبدأ المشاكل والقصص والمآسي التي نسمعها ونستغربها، ونتساءل: كيف حدثتْ؟ وننفي التهمة عن أنفسنا بأننا سمحنا للمجتمع أن يفرضَ ما يريده علينا وتبنينا نحن أفكاره ومعتقداته!
وبعد الزواج الخالي مِن الهدف، والذي تنتج عنه المشكلاتُ والأزماتُ ننتقل للمستوى التالي مِن الفرض بأن الأصيلة تتحمَّل، والأصيلة ترضى بقدَرِها، بغضِّ النظر عن نوع المشكلة، وبغَضِّ النظَر عما إذا كان هناك أطفالٌ سيتأثَّرون سلبًا بسبب المشاكل، فإن صَبَرَتْ كانتْ أصيلةً وبنت رجال، بِغَضِّ النظَر عن نفسيتها المحطَّمة، وإن حصل الطلاق نصل للمرحلة الثالثة وهي أن حياتك انتهتْ، وأنتِ الآن تعانين مِن أزمةٍ لن تحلَّ، ولن ترتاحي منها إلا إذا تزوجتِ، وحتى تتزوَّجي فيجب أن تقبلي أي شخصٍ مهما كان لأنكِ مطلقة، ولن تجدي مَن يقبلكِ.. وكأن الأرزاق بِيَدِهم ويتحكَّمون فيها!
كوني على يقينٍ بأن الأرزاق بيد الله، فهو القادرُ على أن يرزقكِ الزوج الذي تتمنينه تمامًا، فقط ادعيه بيقينٍ وإخلاصٍ وتوكلٍ تامٍّ، لكن لا تكتفي بالدعاء بلا عمل، فحتى تنجحي في زواجك عليكِ أن تعرفي لماذا تريدينه مِن الأساس!
اختلي مع نفسك، واكتبي ماذا تريدين؟ ولماذا تريدينه؟ وكيف تريدينه؟ كيف ستكون حياتك؟ وما الهدف من كل خطوة تخطينها فيها؟ هل هدفك رد كلام الناس؟ هل هدفك ستْر نفسك؟ هل هدفك تحسين صورتك الاجتماعية وإكمالها بزوج؟ أو شيء آخر بعيد ومختلف عن كل ذلك؟ اعرفي هدفك لتحددي خياراتك ورغباتك، وتكوني قادرةً على حَسْم قرارك ومعرفة ماذا تريدين؟ وكيف تحصلين عليه؟
الانغماسُ في الخوف لن يُوَصِّلك لأي مكانٍ، بل يغوص بكِ أكثر في أعماقه، ويجعل حياتك مظلمةً كئيبةً يائسةً، أما التفكيرُ والتخطيط للمستقبل، ومعرفة كيف تريدين أن تعيشيه سيجعلك متفائلةً، مليئةً بالأمل، ولديكِ أمورٌ محددة ودقيقة تطلبينها مِن الله سبحانه، وتضيفينها في دعواتك بينكِ وبين ربك.
أرجو أن أكونَ قد وفيتُ في إجابتي عليكِ