رهاب أثناء إلقاء كلمةٍ أمام الناس أو عند الإمامة في الصلاة
- التصنيفات: استشارات نفسية - استشارات طبية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي تتلخص في حالةٍ من الرهاب تنتابني أثناء إلقاء كلمةٍ أمام الناس أو عند الإمامة في الصلاة؛ وذلك في البداية حيث أشعر بضيق النفس وسرعة نبضات القلب، ثم بعد فترةٍ بسيطة تتلاشى هذه المشكلة وأستعيد وضعي الطبيعي علماً بأني أحب مخاطبة الناس والجرأة أمامهم.
وشكراً لكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فهذه الدرجة بسيطة جداً مما يعرف بالخوف أو الرهاب الاجتماعي الذي لا يعتبر جبناً ولا يعتبر ضعفاً في الشخصية ولا قلةً في الإيمان، بل هو نوع من المخاوف المكتسبة.
وهنالك أمور لابد أن أنبه عليها لأنها سوف تساعدك كثيراً في العلاج:
أولاً: الأبحاث كلها تشير أن هنالك نوعاً من التضخيم والتجسيم والمبالغة في مشاعر الإنسان الذي لديه المخاوف الاجتماعية، فحين يكون في وضع وموقف اجتماعي يتصور أنه سوف يفشل أمام الآخرين أو أنه سوف يسقط أرضاً أو أنه مراقب أو أنه سوف يفقد السيطرة على الموقف ... وهكذا، فهذه الأبحاث تدل أن هذه المشاعر مبالغٌ فيها، فالناس لا يرصدونك ولا يراقبونك، وأؤكد لك أن أداءك من ناحية القراءة والتخاطب هو أفضل كثيراً مما تتصور، فأرجو أن تركز تركيزاً كبيراً وجاداً على هذه الحقيقة؛ لأني أعرف أن الكثير من الذين يعانون من مشاكل الرهاب الاجتماعي يعتبر هذا واحداً من الأشياء الأساسية جداً التي تزيد من حالتهم وتكون معيقة لهم في حياتهم كثيراً. إذن فتصحيح المفاهيم هو الشيء الأول.
ثانياً: عليك أن تعالج نفسك سلوكياً، فهنالك ما يُعرف بالتعرض والمواجهة في الخيال؛ فمثلاً أجلس في مكان هادئٍ وخصص لنفسك وقتاً ولنقل نصف ساعة من أجل العلاج السلوكي، وفي هذا الوقت تصور أنك أمام جمع ضخم من الناس أو أنك تصلي بالناس أو تخطب خطبة الجمعة .. تصور وعش هذا الموقف، عش هذا الموقف بكل تفاصيله ولا تختزل الأمور ولا تختصرها أبداً، فهذا التعرض الوجداني في الخيال يعتبر علاجاً ممتازاً.
ونصيحتي لك أن تجلس يومياً نصف ساعة، ويمكن أن تغير في المواضيع التي تتخيلها، كأن تتخيل يوماً أنك تخطب في الناس، ويوماً أنك تلقي محاضرة، ويوماً أنك تقود مجموعة من الناس لأمرٍ هام، ويوماً أنك ذهبت إلى حفل عرس، وعش هذه الخيالات وأنت مقتنع وموقن أنها هي علاج نفسي فعّال.
وأيضاً؛ فهنالك واحد من العلاجات التطبيقية التأهيلية؛ وهي التعرض غير المباشر أو المواجهة الاجتماعية غير المباشرة، وتتمثل هذه في مثل ممارسة الرياضة الجماعية ككرة القدم، فإنها تجعلك تتفاعل وتختلط مع الناس إرادياً وغير إرادي، وهذا بالطبع يؤدي إلى اضمحلال وانحصار هذه المخاوف، وبالطبع ما دمت أنت ولله الحمد تقوم بالإمامة في الصلاة فإني أتصور أنك أيضاً تحضر حلقات التلاوة التي بالطبع تؤدي إلى التمازج النفسي الجمعي مما يقلل كثيراً من الرهاب الاجتماعي.
كما أنك في حاجة أيضاً لتمارين الاسترخاء التي هي جيدة وفعّالة جداً، والتي في أبسطها بأن تستلقي في مكان هادئ وتغمض عينيك وتتأمل في شيء جميل وتأخذ نفساً عميقاً وبطيئاً وتملأ صدرك وبطنك منه، وهذا يكون عن طريق الأنف، ثم اقبض واحبس هذا الهواء في صدرك لمدة خمس ثوانٍ ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الزفير؛ وفيها تفرغ الهواء بنفس القوة والبطء والشدة، فكرر هذا التمرين من أربع إلى خمس مرات بمعدل مرتين أو ثلاثة في اليوم، وهذا بالطبع سيساعدك في علاج قلق الرهاب الجماعي.
ويمكنك أيضاً - حين تكون مقدماً على أي وضع وموقف اجتماعي كبير - أن تأخذ نفساً عميقاً، وسوف يجعلك تحس بالارتياح الداخلي.
والآلية الأخيرة في العلاج هي العلاج الدوائي، فإنه يعتقد بصورة كبيرة أن هنالك جانباً بيولوجي أو كيميائي فيما يخص الرهاب الاجتماعي، فيعتقد أن هنالك مادة تسمى بـ(سريتونين) وهي من الموصلات العصبية الرئيسية، ويعتقد أن هنالك نوعاً من الاضطراب البسيط أو عدم الإفراز المتوازن لهذه المادة مما ينتج عنه المخاوف في الأشخاص الذين لديهم الاستعداد لذلك أو الذين قد تعرضوا لمواقف اجتماعية بسيطة أحسوا فيها بالخوف، ومن هذه الأدوية المضادة لهذا الرهاب القلقي وهذا الرهاب الاجتماعي عقار يعرف باسم زيروكسات، فكل الأبحاث تدل على أنه دواء جيد وفعّال جداً، فابدأ بجرعة نصف حبة ليلاً واستمر عليها لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعها إلى حبة كاملة، وهي لا تعتبر جرعة كبيرة أبداً لأنه يمكن أن يعطى يومياً بمعدل ثلاثة إلى أربعة حبات في اليوم، ولكنك لا تحتاج لأكثر من حبة في نظري، واستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها إلى نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوم بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناوله.
وهنالك علاج آخر بسيط داعم للزيروكسات يعرف باسم إندرال ويساعد جداً في تقليل الأعراض الجسدية للرهاب والخوف وبخاصة ضربات القلب، فيمكن تناوله بجرعة 10 مليجرامات صباحاً ومساءً لمدة أسبوعين، ثم خفضها إلى 10 مليجرامات يومياً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك يمكن أن تتناوله عند اللزوم، وإني أعرف الكثير من الذين يتناولون هذا الدواء (إندرال) بجرعة 20 مليجراماً من أربع إلى خمس ساعات قبل المواجهة أو المهمة الاجتماعية.
وهذا المنهج لا بأس به ولكني لا أفضله كثيراً لأني أؤمن أن نقتلع الأمر من جذوره، والإرشادات التي ذكرتها لك والدواء الذي وصفته لك يقدمان لك خيراً كثيراً، وسوف تجد أنك – إن شاء الله – أصبحت أكثر جرأة وقدرة على المواجهة خاصة وأنك تعمل معلماً، وأعتقد منذ البداية أن حالتك من الحالات البسيطة جداً.
كما أن الزيروكسات توجد لها أدوية بديلة مثل الزولفت (لسترال) والسبراليكس، ولكن الزيروكسات سوف يظل هو الدواء الأفضل في نظري.
وأسأل الله لك العافية والتوفيق.
وبالله التوفيق.