الخوف من الزواج لانفصال الوالدين
فتاة تعزف عن الزواج؛ خوفًا من الفشل متأثرة في ذلك بتجربة والديها التي انتهت بالانفصال، لكنها على مر السنين استطاعت تغيير هذه الفكرة، وقد تقدم إليها شابٌّ حسن السيرة، فرفضته، ثم لما علمت من حسن سيرته، ندمت على رفضها له، وتسأل: هل تراسله وتقول له أنها تعجلَّت في الأمر أو ماذا؟
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - استشارات نفسية -
منذ ما يقارب ثلاثة أشهر خطبني شابٌّ ولم أقبَله، لكنه حاول معي كثيرًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليعرف أحدنا الآخر، وكي يحدثني برغبته في التقدم إليَّ، لكني لم أعطِهِ الفرصة لذلك لأسباب؛ منها: أنني أرفض الحديث مع الرجال ولم أفعل ذلك قط، ثم إن أباه جاء ليخطبني من جَدِّي، وكان ردِّي أني لا أريده، وأنا لم أسأل عن الشاب، لكني لم أكن راغبة في الأمر منذ البداية، رغم أن العائلة طلبت مني أن أُعطيَهُ الفرصة، لكني خفتُ كثيرًا، ولم أرغب في ذلك منذ سنوات، فقد كنت أقول بأنني لا أريد الزواج؛ لأنني أخشى الفشل؛ لأن أبي وأمي منفصلان، وقد عشتُ حياة ليست بالسهلة، ولكن بعد أن مرت السنون وتوالت عليَّ الأحداث الكثيرة، تغيرت رؤيتي للأمر، وبدأت أفكر فيه بجدية أكثر، لكن حينما أسمع أن أحدًا قد أتى لخِطبتي، يتملكني الخوف، ثم إنه بعد فترة أصابني فضولٌ كي أعرف عن هذا الشاب أكثر، وسمعت عنه وعن عائلته أمورًا طيبة جدًّا، وكذلك كانت رسالته التي كتبها لي ولم أردَّ عليها في الحدود الشرعية، فشعرت بالندم؛ إذ لم أمنحه الفرصة، ولا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل، هل من الصواب أن أتوجه له، وأقول له أني تعجَّلتُ في جوابي، أو أني كنت خائفة من الأمر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين؛ أما بعد:
فيا بنتي الغالية، وفَّقكِ الله للخير، ورزقكِ حياة أكثر اطمئنانًا ونجاحًا وسكينة من تجرِبَةِ والديكِ.
من الطبيعي أن تكون رؤى الإنسان صادرة عن موروثه وتجربته، ولكن ليس من الطبيعي أن تتطابق تجارِبُ الخلق؛ فلا تجعلي تجربة انفصال والديكِ تقف حائلًا بينكِ وبين فكرة الزواج، فالزواج من التطورات الأساسية في حياة الكائنات.
الحمد لله العليِّ أنكِ غيَّرتِ فكرتكِ، وراجعتِ نفسكِ، وانتصرتِ عليها، وتقبَّلتِ فكرة الزواج مستعينة بالله عز وجل، ومتخذة أسباب النجاح، ثم متوكلة عليه سبحانه أن يوفقكِ لزوجٍ تستقر معه الحياة وتستقيم.
أما بالنسبة للخاطب الذي رفضتِهِ دون قصور فيه، ولكن فقط خوفًا من تَكرار تجربة والديكِ، فلا تحزني على فقده، فإن قدَّرَ الله لكِ الزواج منه، فلن تمنع ذلك أيُّ قوة على الأرض؛ فقد قال المولى القدير: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
أما عن سؤالكِ: هل تتواصلين معه لتخبريه أنكِ غيرتِ رأيكِ، ومستعدة لقبوله الآن؟ فحذارِ حذارِ من هذه الخطوة، فهو حاول التواصل معكِ، وعندما رفضتِ الاستجابة له أتى لبيتِكِ خاطبًا، فأغلب الظن أنه كان يختبر أخلاقكِ، ولما اطمأنَّ إليها أتاكِ خاطبًا، فلا تخيِّبي ظنَّه فيكِ بهذه الخطوة.
ولكنكِ تستطيعين توصيل هذه الرسالة: (أنكِ عالجتِ الخوف الذي كان يسيطر عليكِ، وموافقة عليه)، تستطيعين ذلك من خلال وسيط من العائلة، سواء عائلتكم أو عائلته، لكن لا تَعْرِضي نفسَكِ عليه بشكل مباشر.
ولا تحزني سواء فقدتِهِ أم تزوَّجتِهِ، فمجرد كسر حاجز الخوف من الزواج في نفسكِ هو خطوة ممتازة، وسيرزقكِ الله بعلمه مَن يُسعِدكِ وتُسعِدينه، وتتعاونان على أمر دينكما ودنياكما.
اجعلي دومًا معيارَكِ الدينَ والخُلُقَ، فهما ثنائي لا ينفصلان، كما علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا خُطب إليكم مَن ترضَون دينه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض».
وفقكِ الله وجميع بنات المسلمين للخير.
دعيني أوجِّه نصيحة من خلالكِ للشباب: لا تعزفوا عن الزواج، فهو فطرة الله، ولئن يرزقكِ الله بطفل تعيش له، ويخدمك في كِبَرِك، وتعينه على الصلاح، فيكون من حسناتك الجارية - فوالله إن هذا لهو الخير المحض.
التوفيق من الله عز وجل، فإن كان حليفنا فالحمد لله، وإن لم يحالفنا، فلن نعدم الخير من تربية نفس مؤمنة، عودوا للفطرة، يُذهِبِ الله عنكم شرور أنفسكم.