تأخر سن الزواج وصعوبة الاختيار
شابٌّ تأخرت به السن عن الزواج، ويرى أن عدم توفيقه بسبب ذنوب فعَلها في الماضي وتاب منها، ونظرًا لظروف عمله وسفره، فإن وقته في الاختيار ليس واسعًا، وهو الآن في حيرة بين فتاتين، ويسأل: ماذا يفعل؟
أنا شاب أبلغ من العمر الخامسة والثلاثين، أعمل مهندسًا في بلد غير بلدي، أنزل بلدي إجازة في كل سنة شهرًا، خطبت مرتين قبل ذلك ولم أُوفَّق، وأنا في إجازة الآن مرَّ منها ٢٥ يومًا ولم أوفَّق أيضًا، أمامي فتاتان؛ إحداهما سنها ٣٣ سنة، طبيبة متوسطة الجمال، ذات أخلاق حسنة وبسيطة، والأخرى سنها 27 سنة، وجميلة إلى حد كبير، لكنها ليست بنضج وأخلاق الأولى، خاصة وأنها تضع المكياج الصارخ، ولبسها لا يناسبني، ولم يبقَ لي إلا عشرة أيام، ولا أدري ماذا أفعل، أكاد أُجَنُّ من التفكير، ولا يمكنني تأجيل إجازتي؛ لأن مكاني في العمل مهددٌ؛ فإذا تأخرت بعض الوقت ربما أعود ولا أجد مكاني في العمل، دعوت الله ليلًا ونهارًا، وتصدَّقت كثيرًا، لكنَّ الله لم يستجب لي حتى الآن، لا أنام، وأشعر بأن الله غاضب عليَّ؛ فقد كان لي ذنوب في الماضي وتبتُ منها، لكن ما يحدث لي يجعلني أظن أن الله لم يقبل توبتي، أنا ملتزم إلى حد كبير، لكنني أعيش في تعب نفسي شديد من عدم التوفيق، وتقابلني مشاكل في عملي بسبب سوء حالتي النفسية، ماذا أفعل؟ أشيروا عليَّ.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأستطيع تلخيص مشكلتك في الآتي:
١- تضايقك من تأخُّر زواجك.
٢- تردُّدك بين الخطيبتين.
٣- إحباطٌ أصابك بسبب عدم قدرتك على البتِّ في أمرك، وبسبب ما يراودك بأن الله لم يستجب دعاءك، أو أنه سبحانه غاضب عليك بسبب ذنوب سابقة تبتَ منها.
٤- كل ما سبق حطَّم نفسيتك، وجعلك تعيش في دوامة التفكير والتردد المزعجة جدًّا.
وبعد التمعن في مشكلتك، أقول ومن الله التوفيق:
لعل علاج مشكلتك بإذن الله يكون في الآتي:
أولًا: الاستمرار في الدعاء دون أي يأس أو ملل؛ فالله سبحانه الذي أمرنا بالدعاء، وعدنا بالإجابة؛ قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
ثانيًا: إحساسك بأن الله لم يستجبْ لك أو غاضب عليك بسبب ذنوب تبتَ منها - غيرُ صحيح أبدًا، لسببين هما:
أ- أن الله وعد وعدًا لا يخلفه، وهو استجابة الدعاء، ولكن انظر في أسباب الإجابة: هل هي متوفرة لديك أو لا؟ فإن كانت متوفرة، فاحمد الله، وأبشر بالفرج، لكن تأخُّره قد يكون امتحانًا لك، ولتقوية إيمانك، وإن كانت مفقودة لديك، فاسْعَ في تحصيلها؛ ومنها:
قوة الثقة بالله سبحانه، وعدم اليأس، وعدم ترك الدعاء، وإطابة مكاسبك المالية.
ب- لأن الله سبحانه لا يعاقب العبد في الدنيا ولا في الآخرة على ذنوب تاب منها، بل يقبل سبحانه توبته، ويبدل سيئاته العظيمة في ميزانه إلى حسنات، واقرأ آخر سورة الفرقان تجد ذلك.
ثالثًا: تردُّدك لعله بسبب التعارض بين رغبتك ورغبة والديك، لذا أقول: استَخِرِ الله ثانية بتجرُّد كامل بعيدًا عن الهوى، أو رغبة والديك، ومع أني واثق أن والديك قد وجدا في الطبيبة دينًا وخُلُقًا، وعقلًا متميزًا عن الصيدلانية، ولذا اختارها والداك لك رغبة في الخير لك، ولكن نظرًا لأنك أنت الذي ستعيش مع المرأة زوجًا تنشد السعادة والسكن والمودة والاستعفاف، وليس والديك، فأكرِّر لك: أعِدِ الاستخارة بشرط قوة اليقين بإجابة دعائك، واستحضر بشكل عام أن صاحبة الدين والخلق مقدمة شرعًا على غيرها، بشرط الارتياح لها أثناء الاستخارة، وأثناء النظر لها.
رابعًا: انتبه، فلا يكون سببُ رغبة أهلك في الطبيبة سببًا ماديًّا بحتًا.
خامسًا: أما تضايقك الشديد من تأخُّر زواجك، فقد يكون له أسباب منك ومن أهلك بوضع شروط شديدة، وعمومًا مما يخفِّف عليك وطأة التأخر أن تعلم أنه قدرٌ كتبه الله عليك لِحِكَمٍ يعلمها الله سبحانه، ولعله خير عظيم لك، وأنت لا تدري؛ لقوله سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، ولقوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
حفِظك الله، ودلَّك على أرشد أمرك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
- التصنيف:
- المصدر: