حكم الحسد وتمني زوال النعمة

منذ 2020-11-29

سائل يسأل عن: هل الحسد وتمني الشر للناس داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل»؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سؤالي هو: هل تمنِّي الشر للناس حرامٌ، علمًا أنني قد قرأت فتواكم في ذلك، ولكنكم بَرْهَنْتُم في فتواكم بالحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ‏ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضكم على بَيْعِ بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا ‏يَحْقِره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على ‏المسلم حرامٌ؛ دَمُهُ، وماله، وعِرْضُهُ»؛ [رواه مسلم]، ولكن لم تأخذوا بالاعتبار الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تتكلم، أو تعمل به»، أرجو من حضراتكم الرد عاجلًا، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكم أخي الكريم.

قد ذمَّ الله تعالى الحسد في كتابه الكريم؛ فقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5]، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54].

 

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد، كما في الحديث الذي ذكرتَهُ.

 

وليس معنى ذلك أن صاحبَهُ مُعاقَب، فالحسد مرض، وفيه نوعُ اعتراضٍ على قدر الله تعالى، والحاسد يضر نفسَه؛ لأنه لن يشعر بالراحة؛ يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ولا ينبغي أن تطلب لحاسدك عقوبة أكثر مما فيه؛ فإنه في أمرٍ عظيم متصل، لا يرضيه إلا زوال نعمتك، وكلما امتدَّت، امتدَّ عذابه، فلا عيشَ له، وما طاب عيش أهل الجنة إلا حين نُزِع الحسد والغلُّ من صدورهم، ولولا أنه نُزِع، تحاسدوا، وتنغَّص عيشهم"[1].

 

والحاسد لا يُعاقَب في الآخرة لو اقتصر الأمر على ما في قلبه، وحاول هو مدافعته، ولا يأثم الحاسد إلا إذا تعدَّى بقول أو فعل.

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الحسد تمني الشخص زوالَ النعمة عن مستحقٍّ لها، أعم من أن يسعى في ذلك أو لا؛ فإن سعى كان باغيًا، وإن لم يَسْعَ في ذلك، ولا أظهره، ولا تسبَّب في تأكيد أسباب الكراهة التي نُهيَ المسلم عنها في حق المسلم - نُظِرَ؛ فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكَّن لَفَعَلَ، فهذا مأزُورٌ، وإن كان المانع له من ذلك التقوى، فقد يُعْذَرُ؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها ألَّا يعمل بها، ولا يَعْزِمَ على العمل بها"[2].

 

وقال الصنعاني رحمه الله: "ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد، فدفعه وجاهد نفسه في دَفْعِهِ، فلا إثمَ عليه، بل لعله مأجور في مدافعة نفسه، فإن سعى في زوال نعمة لمحسود فهو باغٍ، وإن لم يَسْعَ ولم يُظْهِرْه لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل، فهو مأزورٌ، وإلا فلا؛ أي: لا وزرَ عليه؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها ألَّا يعمل بها، ولا يعزم على العمل بها"[3].

 

نسأل الله تعالى أن يطهِّرَ قلوبنا جميعًا من الأمراض والأدران.

 


[1] صيد الخاطر، ص: 463.

[2] فتح الباري (10/ 482).

[3] سبل السلام (2/ 655).

  • 2
  • 0
  • 12,818

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً