حكم المازوخية في الشرع
فتاة تسأل عن حالة صديقتها، فهي مصابة بنوع من المازوخية؛ حيث تتلذَّذ بالشعور بالألم أو برؤية غيرها يتألم، وتسأل: هل هذا شرك؟ وما حُكمه؟
السلام عليكم، أود أن أسأل عن حكم المازوخية في الإسلام بشكل عام، فصديقتي تسأل عن ذلك؛ إذ لديها وسواس قهري، فهي تحب أن تُهان وتُضربَ، وتشعر بالذل وتستمتع بذلك، وتحب أن تتقمص مشاهد الضحية المظلوم الذي يتم إهانته، وتقول أيضًا أنها إذا رأت مشهدًا؛ مثلًا: أمٌّ تضرب ابنها، أو رئيسُ عملٍ يوبخ موظفة - تقول: إنها تشعر بشعور اللذة، وهي خائفة أن يكون ما تشعر به شركًا، فأفتوها، وجزاكم الله خيرًا: هل ما تفعله يُعَدُّ شركًا بالله أو لا؟ وما حكم ما تفعله؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره، وبسؤال أهل الاختصاص من الأطباء النفسانيين، وُجد أن مثل هذه الأمراض النفسية - نسأل الله العافية للجميع - تنقسم إلى قسمين: قسم يحتفظ المريض فيه بوعيه وإدراكه إلى حد ما، وقسم لا يحتفظ المريض فيه بعقله وإدراكه، والمازوخية والسادية تختلف حالاتها، لكن في الغالب هي من النوع الأول، والحكم على كل حالة بذاتها، وانطباق التكليف عليها، يحتاج إلى تشخيص دقيق للحالة ذاتها من طبيب مختص، ثم يحكم عليها المفتي أو المستشار الشرعي، وهل هذا المريض مكلف أو لا؟ وهل ما وقع باختياره أو لا؟
لكن الذي يتفق عليه العقلاء أن هذه الأعمال لو صدرت من مكلف، فهي لا تجوز ومحرمة شرعًا؛ لِما فيها من الإضرار بالنفس والإضرار بالآخرين، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك بالخزي في الدنيا والعذاب بالآخرة، وأمَّا وصولها للكفر والعياذ بالله، فلا، إلا إذا تطورت حالة الشخص، وصاحَبَ تلذُّذَ المكلف المعتدِي أو المعتدَى عليه اعتراضٌ على حكم الله، أو قضائه وقدره، أو استهزاء بالشريعة والذات الإلهية، ونحو ذلك من موجبات الكفر، فلا شك أن هذا كفر، نسأل الله العافية.
وأما حال مَن ذكرتِ في السؤال، فالذي يظهر أنها حالة مرضية اجتمع فيها أكثر من مرض نفسي، فلا تؤاخذ على الوساوس بالكفر ونحوه، بل يظهر أن لديها دواعيَ إيمانية؛ بدليل سؤالها وخوفها من الله تعالى، ولذلك فإني أنصحها بالآتي:
أولًا: ما وقع عليها ابتلاءٌ، والابتلاء لا يقدر على رفْعه إلا الله سبحانه وتعالى، فلتلزم التوبة والاستغفار، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، والتضرع والانطراح بين يديه، وتُكثِر من الدعاء والذكر، فإنه يطرد الشياطين التي تجلب لها مثل هذه الوساوس، وتطمئن به القلوب، ولتتصدق ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، فإن الصدقة ترفع البلاء بإذن الله؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه".
ثانيًا: أنصح صاحبة الحالة بمراجعة طبيب نفسي مشهود له بالخير؛ ليساعدها في حل هذه المشكلة؛ حتى لا تتطور معها الحالة، وتصل إلى ما لا تُحمَد عقباه.
أسأل الله تعالى أن يرفع البلاء عنها وعن كل مسلم؛ إنه سميع مجيب.
- التصنيف:
- المصدر:
مروان اسماعيل السمكي
منذمروان اسماعيل السمكي
منذ