الحديث بين الرجل والمرأة باب للشيطان
رجل متزوج أراد أن يواسيَ فتاة عزباءَ معه في العمل؛ بسبب مصابها بفِقدان والدها، ثم تطورت العلاقة بينهما إلى أن أحبَّتْهُ، ولما رأت زوجته محادثاته معها، غضبت، ولكنه استطاع أن يُقنِعَها بأنه سيترك الأمر، وبالفعل أصبح يتجاهلها، ويسأل: هل الطريقة المثلى التجاهل أو المواجهة؟
- التصنيفات: العلاقة بين الجنسين -
أنا رجل متزوج جاءت لعملي موظفة جديدة وهي عزباء، كان يبدو عليها علامات الهم والحزن، وكنت أريد أن أُخرِجَها مما هي فيه، فبدأت أسمع منها تفاصيل قصتها يومًا بعد يوم، وصِرْتُ أواسيها قدر المستطاع، وكنت أساعدها في كل مشاكلها في العمل؛ حتى تخرجَ من كآبتها وعُزلتها، فمُصابها كان عظيمًا بوفاة والدها منذ فترة ليست ببعيدة، ومع مرور الأيام والشهور ومع العِشرة، صارت العلاقة بيننا قوية، وأصبحنا نخوض في أحاديثَ أخرى غير العمل، أحاديث لا تخرج عن القيم الدينية ولا الآداب المعروفة، وكنت دائمًا أحاول أن أنبِّهَها إلى أنني متزوجٌ، وأدعو لها بزوج صالح؛ حتى لا تتعلق بي وتُحبني، وقد كان، وقد رأت زوجتي بعضًا من تلك المحادثات، فغضِبت بشدة، وكاد بيتي ينهار لولا رحمة من ربي، فأقنعتُ زوجتي بأنني لن أعود لمحادثة زميلتي، وبالفعل حظرتها من كل المواقع، وغيَّرت رقم هاتفي، ولكنها صارت تحاول الوصول إليَّ من خلال بعض أصدقائي، وإرسال بعض الملاحظات وأنا لا أقرأ تلك الملاحظات، وقد عزمتُ على تجاهلها، وكأن شيئًا لم يكن؛ حتى أعود لحياتي الطبيعية، وكنت قد بدأت بهذا في هذه الأيام، فما الطريقة المثلى لحل الأمر بشكل نهائي: هل هو التجاهل بشكل تام كما أفعل الآن، أو المواجهة الصريحة؟ علمًا بأنني أخشى المواجهة؛ لأنني أخاف أن يصيبها مكروهٌ إن كنت صريحًا معها.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فمرحبًا بك أخي الكريم، وفَّقك الله لما يحب ويرضى، وكفاك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، واضحٌ من أسلوب الرسالة أنك مثقَّف، ولديك قدر كبير من الالتزام الأخلاقي، ولكنَّ عدوَّنا الألَدَّ (الشيطان) أقسم بعزة وجلال الله أن يقْعُدَ لنا في كل طريق، فإن يَئِسَ من تكفيرنا أو إيقاعنا في الكبائر والصغائر، فلا يهدأ حتى نُسرف في المباحات.
المهم أن نقع تحت شباكه عياذًا بالله، فقد بدأتَ معها بالمواساة وهذا مباحٌ، حتى توسَّعْتَ في محادثتها في كل شاردة وواردة، ولا أستبعد أن حديثها أصبح عادةً مُحبَّبةً لديك؛ لِما يزيِّنه الشيطان في النفس، وأصبح لديها حبٌّ قد يكون جارفًا.
وكان الأجدر بكما الوقوف عند حدود الله عز وجل، واستحضار الترهيب القرآني والنبوي من مخالطة النساء، في النهاية نحمد الله عز وجل أن الأمر وقف عند هذا الحد، وتنبَّهتْ زوجتُك، وأيقظت بداخلك الحرص على أمان دينك أولًا، وبيتك واستقرارك ثانيًا.
للزمن عامل عظيم جدًّا في مداواة الأنفس وقهر العادات، علاج الأمر سيكون على مرحلتين:
الأولى: هي التجاهل، وقد بدأتَها أنت والحمد لله، فالْزَمْها، لا تفتح أيَّ قناة اتصال بينك وبينها، لا فيما يخص العمل ولا غيره.
بعد مرحلة التجاهل هذه، ستنمو لديها قناعة أنك انسحبت من حياتها، مع الوقت سوف تعتاد على ذلك، وتيأس من ملاحقتك.
ولا أحبِّذ المصارحة في هذه الحالات؛ لأن أثر الاعتياد عندك، والميل عندها ما زال حاضرًا، وسيكون العتاب بابًا لتقوية العلاقة لا بَتْرِها، فالتجاهل أنفع لا شكَّ.
المرحلة الثانية: تقترب من زوجك وأبنائك، وتخلق حوارًا معهم، والوقت الذي كنت تقضيه معها في الدردشة، والتشاور، وحل أزمة سد النهضة، وعلاج فيروس كورونا - تستبدله بجلسة مَرِحَةٍ مع أهل بيتك، ستجدد حبَّك لهم، وسوف تشعر بسعادة مضاعفة؛ لأن الحلال له بركةٌ تفوق لذة الحرام.
♦ إذا توصلتْ لك بطريقة ما، واضطُررتَ لحديث معها، فذكِّرْها بالله عز وجل، ووضِّح لها أنه لا رغبة لك في زوجة ثانية، ولا في معصية تختم حياتك عليها، وكن حاسمًا موجِزًا في حديثك، بلا إهانة لها، ولا عمومية في الكلام، بل بحسمٍ وإصرارٍ، وفَّقك الله للخير، وأدام عليك أمنك واستقرارك.
ملاحظة: أهمس في أذن كل زوجة، أوصيها على زوجها، نحن في زمن تتقاذف فيه الفتن على الرجال، مجتمع مختلط غالبًا، وشاشات ملتهبة، وصراع مادي شديد من أجل الرفاهيات قبل الأساسيات، فابذُلْنَ بعض الاهتمام وكثيرًا من الزينة لأزواجكنَّ، واستحضرْنَ أحاديث بعيدة عن المسؤولية التي تجعل الرجل معكنَّ دائمًا في موضع دفاع عن النفس، وكأنه يجلس مع محقق، لا مع زوجة يُفترَض أنها مصدر السكينة له، لا المحاكمة.
وللأزواج: احفظوا أمان بيوتكم، فالتحدي صعب وخطير، وما ترك العبد شيئًا لله إلا عوَّضه الله خيرًا منه حلالًا طيبًا، ارفق بها، لا تُهلِكْ عمرها وصحتها في الاهتمام بتفاصيل يمكن الحياة بدونها، وأعطِها مساحة من الحرية والأمان، تَفُزْ بها أنيسةً وحبيبةً.