لا أريد الزواج
شاب يرى الزواج أمرًا معقدًا وصعبًا ومبالغًا فيه؛ من حيث تحمُّل مسؤولية الغير، ومراجعات المستشفى والتسوق، ويرفض أي عرض للزواج، ويسأل: ما النصيحة؟
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
أنا شخص الحمد الله راتبي صافٍ لي، أرى الزواج أمرًا صعبًا جدًّا، وأمرًا مبالغًا فيه، وأكرهه لأن فيه أمورًا معقَّدة؛ مثل: تحمل مسؤولية غيري، ومراجعات المستشفى، وتحليل ما قبل الزواج، والذهاب للتسوق، ومن الممكن أن يكون مصير الحياة الجديدة الفشل، كما أن بنات اليوم لسْنَ على نفس طباعي، وليس لهنَّ نفس نظام وطريقة حياتي، وقد عرض أكثر من شخص عليَّ فكرة الزواج وقال بأنه سيساعدني بكل ما أوتي، لكنني رفضت، حتى إن شخصًا جاءني، وعرض عليَّ الزواج من أخته، لكنني رفضت وقلت له: رزقها الله بمن هو خير مني، أرجو نصيحتكم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخي الكريم، أنار الله بصرك وبصيرتك، وفتح على قلبك بما يحبه لعباده الصالحين.
مشاعرك هذه غالبة على معظم الشباب من الجنسين، ولكم الحقُّ في وجهٍ منها، وهو انتشار الفساد من حولنا، فحال المجتمعات أصبح مخيفًا بحق، ولكن دعني أطرح عليك بعض الأسئلة لنفكر معًا:
هل تضمن أنك لا تراجع الطبيب بدون زواج؟
هل تضمن بقاءك فردًا في أسرة كبيرة تحمل عنك أعباء حياتك (بيت عائلة)؟
ماذا ستفعل بعد العمر الطويل للوالدين؟ ألن تتحمل مسؤولية نفسك من طعام وشراب، وسكن ودواء؟
هل رأيت في حياتك رجلًا ظلَّ قويًّا مدى حياته، ولم تأخذ منه الشيخوخة مأخذها؟
هل فكرت كيف ستقضي ليلك بعدما يضعف بصرك، ولا تأنس بهاتفك؟
هل جرَّبت أن يتحاشاك أخوك أن تدخل بيته؛ لأنك عَزَبٌ؟
هل جربت أن تفتح أحضانك لابن أخيك، فيتركك ويركض إلى حِضنِ أبيه؟
وألفُ "هل" لن أذكرها، ولتفهمها أنت ضمنًا!
الزواج فطرة الله في خِلْقَتِنا، والإعراض عن الفطرة يجلب الانتكاس، تخيل لو أن كل قبيلة أعرض فيها عشرة شباب عن الزواج بنفس حجتك، فما المآل؟
ربما تقول: غيري يفعل، وأنا أبحث عن راحتي لا عن القبيلة، فلنفرض ذلك، فإن راحتك في الزواج، فالوالدة - بارك الله بعمرها - لن تخلُدَ لك، وبيت العائلة سيفرغ عليك، حتى الخادمة، فالقانون لن يسمح لك بها ولا الشرع، إلا إن كنت متزوجًا.
مخاوفك هذه بسيطة جدًّا، كيف تكون إنسانًا مسؤولًا، ولديك عمل ومعاش خالص بلا قروض وغيره كشباب بلدك، وكلُّ همِّك الذهاب للطبيب أو شراء مستلزمات البيت؟
سائق يكفيك غالب متطلبات البيت، وخادمة تكفي زوجتك، واستغِلَّا وقتكما في العبادة والعمل، والإنجاب وتربية جيل مسلم يعبد الله عز وجل، وما أدراك لعل الله يرزقك بنسل صالح، يكون لك عملًا صالحًا بعد وفاتك؟ وإن قلت: الزمن فاسد، وكيف سأربيهم؟ فسأقول لك: حسبك أنك قمتَ بواجبك تجاه ربك، والصلاح من عنده سبحانه وتعالى.
الزواج من سنة الأنبياء، ومن أعرَض عن السُّنة، فليس من المسلمين في طريقتهم ومنهج حياتهم؛ كما ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم: «فمن أعرض عن سنتي فليس مني».
سأفترض أن استشارتك بعنوان آخر وهو: كيف أتزوج؟
أول خطوة هي أن تجعل أمرك بيد الله عز وجل، وأن تبوح له بمخاوفك، وتذهب لبيته، وتدعوه بإخلاص أن يرزُقك مَن تعينك على أمر دينك ودنياك.
وتصلح من نفسك ما تعلمه من خَلَلٍ فيها؛ لأن الصالحين للصالحات، ثم تطلب من أمك وأخواتك أو عماتك أن يبحثْنَ لك عن ذات دين، لا تتقيد بالقبيلة، بل تقيَّدْ بالدين، وأخْلِصِ النية لله عز وجل أن تتقيَه فيها، وتوكَّل على الله وتزوَّج، عاملها بالحسنى، سيكون تعاملها معك ردَّ فعلٍ لسلوكك معها، لقِّنْها طبعك مرة ومرتين وثلاثًا؛ مثل: أنك لا تحب الأسواق، ولا التبرج، ولا الاختلاط، وغيره...
أكْثِرْ من الطاعات، وخذ بيدها للخير، حتى تُرزقا ذريةً تشغلكما، وتملأ عليكما الحياة، وأحسنوا تربيتهم على الكتاب والسنة، ثم الصلاح من الله وحده، وحسبنا بذل الأسباب.
أسمع شيطانك يقول لك: وماذا لو فشِلت بعد كل هذا؟
إذا فشِلت معها، تزوَّج غيرها ببساطة، حتى يرزقك الله من تستحقك، وإن لم تتزوج غيرها، فقد كسبت ذرية تذكرك بعد العمر الطويل، وتبتغي فيها وجه الله أثناء حياتك، وتعينك في كِبَرِك.
الصورة ليست سوداء لهذه الدرجة، فالخير باقٍ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، توكَّل على الله ولن تُعْدَمَ الخير بإذن الله، أنت اليوم شابٌّ وقويٌّ ومُستَغْنٍ عن الناس، تخيل نفسك رجلًا سبعينيًّا مقطوعًا من الذرية والبيت والاستقرار، واللهِ شعورٌ صعب، مهما كانت أعباء الحياة، فهي أهون من ذلك الحال، اطْرُدِ الشيطان من رأسك، جرب ولن تندم بإذن الله، والتعجيل بالأمر خير من تأخيره، لأن تَنْعَمَ بطفولة أولادك وأنت شاب خيرٌ لك من كونك كبيرًا.
خلاصة الأمر: ابحثْ عن ذات دين، يذهب همُّك بإذن الله، فذاتُ الدين ستطيعك وتحفظك تديُّنًا لله لا خوفًا منك ولا مداراةً.
بالطبع ردي هذا من صدى مخاوفك التي ذكرتها فقط، أما إن كان الأمر مرضيًّا، أو كانت هناك أسباب أخرى تعرف جزمًا أن هذه الأسباب لن تمكِّنَك من الزواج، فيُباح لك تركه، ولكن لأسباب شرعية تستطيع مناقشتها مع أقرب فقيه لك، وفَّقك الله للخير.