التعامل مع نفوس البشر المختلفة
محمد بن إبراهيم السبر
فتاة ترى السوء في البشر حولها، ولا تستطيع من ثَمَّ التعامل مع الناس، ولا تجد للحياة طعمًا ولا تجد فيها راحة، وتتساءل عن اتصاف الناس بالأنانية والظلم، وترى نفسها مختلفة عن البشر؛ لذا فهي لا تستطيع التعامل معهم، وتسأل: ما النصيحة؟
- التصنيفات: فقه المعاملات - استشارات نفسية -
أنا فتاة في العشرين من عمري، بيد أنني أُحِسُّ أني بلغت الثمانين، فقد تعبتُ من هذه الحياة، فلا طعمَ لها ولا سعادةَ فيها، لا أحدَ يفهمني، كأنني أتكلم بلغة غريبة لا أحد يعرفها، دومًا يُساء الظنُّ، وأحس نفسي مختلفة تمامًا عن البشر، وأشعر بأن تفكير الناس غريب عجيب، فهم يعتمدون مبدأ: إن لم تكن معي، فأنت عدوي، فلا يمكنك أن تقول الحق لأي شخص مهما كانت درجة قرابته لك، فبمجرد أن تقول له أنت مخطئٌ، فسيقاطعك، وإن لم يقاطعك، فستلاحظ أن تعامله قد تغيَّر معك، وتتبدَّى علامات الكراهية على وجهه، وربما يشوِّه صورتك عند الناس، وأنا دائمًا أحاول أن أُفهِمَ الناس أنه ليس معنى أني لست معك في موقف ما، أنني أكرهك، إنما أنا لا أوافق على موقفك هذا، لكن لا أحد يفهم هذا؛ لذا فقد تعبت من التعامل مع البشر، وأتساءل دائمًا: لماذا يتصف الناس في زماننا هذا بالأنانية؟ ولماذا قد يتحد مجموعة أشخاص لمواجهة شخص واحد لمجرد أنه مختلف عنهم؟
ولماذا يُصدِّق الناس الأغلبية، مع أنها موسومة في القرآن بصفات سيئة؟ ولماذا يقف الناس إلى جوار الظالم لا المظلوم؟ وقد انتصرت كثيرًا للمظلومين، وفجأة يصير المظلوم تابعًا لمن ظلموه ويُناصبني العَدَاء، ولماذا دائمًا الناس يقيسون الظلم تبعًا لأهوائهم ومصلحتهم الشخصية؟
كنت دائمًا أسمع عبارة: الطيب يحبه الناس جميعًا، لكنني أصبحت أعتقد أن هذه العبارة كَذِبٌ محض، فالناس يقدِّسون الكذب، ويعشقونك وأنت تنافقهم، ويعطونك قيمة إذا ما أسمعتهم ما يحبونه، لا الحقيقة، ويجب أن تكون شرسًا مع الناس كي يحسِبون لك حسابًا، حتى الحب عندنا يكون حبًّا طبقًا لشروط، أو مرتبطًا بمصالح، فلماذا؟ لماذا يشوِّه الناس دائمًا سمعةَ الإنسان الطيب ذي الخلق، كي يُظهِروه بمظهرٍ أقلَّ منهم؟
وألف سؤال وسؤال يدور بخَلدي، فهل أنا طبيعية أو مختلفة عن باقي البشر؟ وهل هناك أناس يشبهونني أو ليس هناك أمل في ذلك؟ أجيبوني، وجزاكم الله خيرًا.
أختي الكريمة:
أولًا: عليِك معرفة أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فلا تعتقدي أنكِ ستجدين فيها الراحة الكاملة التي تنشدين؛ فلا راحة وسعادة حقيقية إلا في الجنة.
ثانيًا: رسولنا صلى الله عليه وسلم أُوذيَ أشدَّ الإيذاء، وهو الرسول المبعوث من الله رب العالمين، فكيف بكِ وبنا؟ لذا عليكِ التحلِّي بالصبر والمجاهدة والدعاء.
ثالثًا: قول الحق والنصح لا بد فيه من اختيار الوقت المناسب والأسلوب الأمثل في المناصحة، فيكون معه رِفق وتلطُّف.
رابعًا: ليس كل الناس يتقبل النصح لظروف معينة؛ لذلك ليس عليك مناصحة كل أحد؛ لأنه قد يجلب لك مشاكلَ لا حصرَ لها، وكما جاء في الحديث الشريف: «من رأى منكم منكرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
وأمر أخير وجوهري:
لاحظت في رسالتكِ تنزيه النفس عن الخطأ، وأنكِ على حق والبشر على باطل، هنا أقول لكِ: يا فاضلة، قفي عند نفسكِ وراجعيها، وتأكدي فعلًا مما تقولينه، فمن غير المنطقي أن يكون الناس على خطأ وأنتِ على صواب.
نصيحتي لكِ:
الاهتمام بقراءة القرآن الكريم وتفسيره، وقراءة الكتب التي تنفعكِ في دينكِ ودنياكِ، وكذلك حضور الدورات عن بُعد، وفي اليوتيوب لأهل الاختصاص لتطوير نفسكِ.
والحمد لله لا زلتِ صغيرة بالسن والعمر، والخير أمامكِ، وتستطيعين أن ترفعي من كفاءة نفسكِ، وتحرِصي على جودة تعليمها وتعاملها مع الأحداث والوقائع، فالحياة مدرسة للتعلم والإبداع.
أسأل الله لكِ صلاحَ القلب، وراحة البال، والتوفيق لِما يحبه الله ويرضاه.