شبهة ألفة يوسف: حول المثلية الجنسية
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
القرآن لم يخاطب مجموعة النساء قط وإنما اقتصر على خطاب مجموعة الرجال حتى في المسائل التي تهم الإناث، على أن هذه المسائل كانت دوما متصلة اتصالا وثيقا بالتنظيم القضيبي للعالم الذي يجعل المرأة موضوعا لمتعة الرجل، ولذلك يمكننا أن نقر منذ الآن ألا وجود في القرآن لمسائل تهم المرأة بمعزل عن الرجل، فالمحيض يطرح باعتباره أذى يلزم الرجال باعتزال النساء أثناءه، أما الزواج والطلاق والعدة فهي كلها مسائل تهم المرأة ولكنها تهم الرجل أيضًا، ولا يشير القرآن عن امتناع المرأة عن الصلاة أو الصيام أثناء المحيض، وهي مسألة خاصة بالمرأة دون الرجل فلا نستفيدها إلا من السنة النبوية، فهل يسمح لنا هذا كله بأن نفترض أن سكوت القرآن عن السحاق ليس سوى وجهًا من وجوه تغييب المرأة مستقلة عن الرجل في القرآن؟..”
هذا الادعاء شديد البطلان والفساد،
والرد عليه يكون ببيان ما وقعت فيه الكاتبة من خلل منهجي ومغالطات منطقية أدت بها للوصول لنتائج فاسدة، لا تمثل الحق أو تقارب الواقع.
أولًا: أقامت الكاتبة دعواها على مقدمة لا دليل عليها، وهي أن: “القرآن لم يخاطب مجموعة النساء قط وإنما اقتصر على خطاب مجموعة الرجال”، ونحن نمنعها، ولا اعتبار لدعوى بدون دليل، بل لقد قام الدليل على ضدها!
ويكفي لبيان بطلان هذه المقدمة ونقض الادعاء كاملا، ذكر آية واحدة خاطب فيها القرآن مجموعة نساء بخطاب مباشر، وتكليف مباشر:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتكُنَّ مِنْ آيَات اللَّه وَالْحِكْمَة إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} فظهر كذب الادعاء، وتم نقضه من الأساس، فالجزئية الموجبة تنقض الكلية السالبة.
ثانيًا: الكاتبة وقعت في مغالطة منطقية تنم عن جهل شديد بأسس التفكير السليم وأبسط قواعد المنطق وهي مغالطة المصادرة على المطلوب، أو الاستدلال الدائري؛
فانطلقت من مقدمة هي نفس النتيجة التي تحاول إثباتها:
المقدمة : القرآن لم يوجه خطاب للنساء لأنه لم يهتم بهن
النتيجة : القرآن لا يهتم بالنساء لذا لا يوجه خطاب لهن!
وهذا استدلال بمحل النزاع.. وهو ما ننازعها فيه ونطالبها بإثباته، فلا يصح أن تستدل به.
ثالثًا: لا نسلم للكاتبة بأن القرآن سكت عن التشريع لقضية (تهم النساء) مثل السحاق لمجرد أنها لم تذكر فيه بلفظ صريح أو أنه لم يوجه لهن خطابا بشأن تحريمها،
فكم من الآيات التشريعية الملزمة بالعفة والحاثة على الطهارة والاقتصار على الزوج وحفظ الفرج والتحذير من الزنا ومن أدنى مقدماته، وتحديد العلاقة الزوجية “من حيث أمركم الله”، وذكر عقوبة الزناة و المتعدين حدود الله في العلاقات، أكثر من أن يحصرها المقام، ويفهم منها كل مسلم مراد ربه الواضح البين بتحريم كل علاقة خارج إطار الزوجية ومن ضمنها السحاق.
رابعًا: اعتراض الكاتبة على عدم ذكر بعض قضايا المرأة المفصلة في القرآن بلفظ صريح، وامتعاضها من أنه ذكر فقط في السنة، يجعلنا نشك بحقيقة علمها بمصادر التشريع في الإسلام وأهميتها! فكل مسلم يعلم ضرورة أن السنة مصدر رئيسي من مصادر التشريع، وأنه “ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”.. أما تقسيم درجة “أهمية التشريع ” بحسب ذكره في القرآن أو في السنة، فهو تقسيم باطل لا يعتد به، ولم يقل به أحد من الفقهاء، وقام الإجماع على ضده، وأجمعت الأمة قاطبة على قبول تشريعات النصوص الصحيحة دون تفرقة.
فلا صحة إذًا لاعتراضها على أن التشريع الإسلامي أهمل مخاطبة المرأة بما يهمها وحدها!
خامسًا: وقعت الكاتبة في مغالطة الترابط الزائف، فربطت عدم ذكر الشيء في القرآن بأنه دليل على عدم أهميته أو أهمية المخاطب به! وهذا خطأ، فلا ترابط، وهو من الافتراء البين والتقول على الله بغير علم، ولا دليل على أن عدم ذكر السحاق في القرآن بلفظ صريح فيه دلالة على عدم أهمية تحذير المخاطبات به أو ذكورية الخطاب.. فلا تلازم!
سادسًا: يظهر بطلان هذا الادعاء ببيان طبيعة لغة خطاب القرآن، والتي يدخل فيها النساء مع الرجال – بحكم طبيعة اللغة والعرف والعقل. فالأصل توجيه التشريع والخطاب لعموم “الذين آمنوا” و “يا أيها الناس” دون تفرقة، إلا ما دلت القرينة على تخصيصه فجاء خاصا بالرجال، أو خاصا بالنساء، أو خاصًا بالنبي، أو بالسيدة مريم، أو بنوح عليه السلام حسب المناسبة والتكليف لكل مخاطب!
ولله المثل الأعلى: لو أن صاحب مصنع جمع عماله جميعًا، وأخذ يتلو عليهم قوانين العمل العامة، فهل يجب أن يفرق بين الرجال والنساء في كل كلمة يوجهها في الخطاب العام؟ بالطبع لا، وطلب النسوية التفرقة دون مناسبة.. هو عين التمييز والعنصرية دون وجه حق.
ثم إذا وجه صاحب المصنع خطابًا خاصا لقسم في تخصصه، فهل يتهمه أحد بالتفرقة والتحيز وأنه أهمل القسم الآخر؟! لا .. ولا علاقة!
ويظهر بهتان الاتهام، بأنه قد أبان عما يخص القسم الآخر في مقام آخر ومناسبة تخصه. وهذا المثال يوضح مدى تجني الكاتبة وعدم موضوعية ادعائها، أو منطقية مطلبها الذي وضعته شرطا للحكم على عدالة خطاب القرآن.
سابعًا: وما وضعته شرطاً- ليكون دليلًا على اهتمام المشرع بالمرأة- ليس بلازم، وليس شرطا! وهو تحكّم لا مسوغ له، وإلا فما الدليل على أن عدم اختصاص فرد أو جماعة بخطاب خاص بهم فيه إشارة إلى الانحياز لغيرهم؟ أو على عدم الاهتمام والإهمال؟
لا دليل .. فربما انتفى الخطاب المباشر لأي سبب آخر.
ولو تنزلنا جدلا مع الكاتبة، وقلنا أن المكانة و الأهمية لا تتحقق إلا بالخطاب المباشر والإفراد بالتخصيص، فمعناه أن أكثر خلق الله لا أهمية لهم لأنهم دخلوا تحت الخطاب العام ولم يختصوا بخطاب لا يشاركهم فيه أحد! ويحق لكل أصناف البشر حينها الاعتراض على خالقهم لأنه أهملهم في الخطاب المباشر الخاص، فالصيني لم يخصه الله بخطاب مباشر، ولا الفرنسي! وتشريعات الطفل ارتبطت بالوالدين!، والغني مقترن بذكر الفقير! إلى آخر ما يمكن للقارئ تصوره من تقسيمات لجنس البشر!
ثامنًا: قصور المنهج النقدي وغياب العلم بالمبادئ الأولية للفقه الإسلامي عند الكاتبة جعل هذه الحقيقة تغيب عنها: أن مصادر التشريع في الإسلام: هي القرآن والسنة والإجماع والقياس! و أن تشريعات كثيرة جدًا قامت على القياس المنطقي. فلا يلزم واضع أي قانون- حتى القوانين الوضعية – تفصيل كل بنود القوانين، إنما يترك التفصيل فيما لا تختلف العقول على فهمه لقياسه الجلي.
مثال: قياس تحريم المخدرات على تحريم الخمر لعلة الإسكار
وقياس تشريع تحريم ضرب الوالدين بقياس الأولى من تشريع تحريم قول “أف” لهما،
ولا يجادل عاقل في هذا، أو يتهم القرآن بأنه سكت عن “جريمة ضرب الوالدين” لأنه لم يذكرها في خطاب مباشر صريح!
تاسعًا: الكاتبة لم تعتبر جملة كبيرة من الآيات التي حملت تشريعات خاصة بالمرأة، واستبعدتها فقط لأن الرجل يشاركها فيها.. وهذا المعيار للحكم فاسد، و يدل على عدم فهمها لقضية التشريع من الأساس أو الحكمة منه؛ فالتشريعات وضعت في الأصل لتنظيم العلاقة بين أطراف متعددة أو بين طرفين على أقل تقدير، حتى لا يحدث النزاع بينهم! فإذا ألغينا طرفا من طرفي التشريع، فما فائدته لكليهما؟! وأي علاقة ينظمها من طرف واحد!! فلا معنى لتقسيمها لآيات الطلاق أنه تشريع يهم الرجال أيضا فلن تعتبره للنساء!
بل إن هذا الادعاء هو من التدليس البين، فغالب أحكام الطلاق هي لحفظ حقوق النساء بالأصل! فعقلًا الأحوج لقانون يحفظ له حقه هو الطرف الأضعف في العقد بالتأكيد!
فالتشريعات والقوانين وضعت لتحفظ حق الضعيف والمهضوم أو المتوقع الاستقواء عليه وظلمه .. لأن القوي غالبا ما يضمن حقه.
فإذا ترك الرجل العلاقة.. ما يلزمه بتعويض المرأة؟! .. أو الإنفاق عليها وعلى الأطفال؟
فهذه حقوق للمرأة على الرجل.. ولم نرى أبدا أحدا يهتم بإعطاء الحقوق أكثر من اهتمام صاحب الحق بأخذه وضمانه!
ولا عيب في قول أن الرجال يهتمون بتشريعات الطلاق.. ولا ينقص هذا أو يقدح من قدر أهمية هذه التشريعات للنساء.. وادعاء غير ذلك هو من الافتراء على جنس النساء والرجال جميعا.
عاشرًا: الكاتبة وقعت في خطأ لا يصح لأي باحث يلتزم الأمانة العلمية أن يقع فيه، وهو الانتقاء غير المنهجي.
فتجاهلت حقائق كثيرة جدا عن حقوق المرأة في القرآن، وتشريعات عظيمة ضمنت لها حقها كأم وأخت وزوجة وابنة، وحفظت حقوقها في كل العلاقات الاجتماعية وفي كل أحوالها الشخصية، من أول ولادتها وحقها في الحياة، إلى حقها في الميراث وحقها في الوصية،.. حتى أن أكبر سورة حوت تشريعات في القرآن سميت باسم النساء!
ثم نظرت في جزئية من تشريعات العقوبات، وانتقت بند واحد من بنود أحدها، ثم ادعت أنه ينقصه التصريح بكلمة ذكرت فيه ضمنا! وطفقت تحاكم القرآن كله لما تصورته.. وانطلقت تصم التشريع كاملا بالانحياز!
وهذا مما لاشك فيه أنه ليس من الأمانة العلمية في الطرح!
النقطة الحادية عشرة: إن هذا الاعتراض ينبني على خلل عميق، هو اعتبار القرآن كأي نص قانوني وضعي لا قداسة له في النقد، وأنه ليس وحيا مقدسا يحمل تشريع وكلام الإله العظيم لا خطأ فيه ولا ظلم. وهذا من سوء الظن بالله! فلازم قولها: إن القرآن تحيز للرجال وأهمل النساء .. هو اتهام مباشر لله تعالى، وهذا لا يخفى ما فيه من قدح في الكمال الإلهي.
النقطة الثانية عشرة والأخيرة: الكاتبة وقعت في مغالطة الانقلاب الإقراري! .. فبالرغم من أنها تقر بأن القرآن وحي من الخالق، وتسلم بأن تشريعاته مطلقة العدل والحكمة .. تبنت قضية منافية تماما للعقيدة الإسلامية، وهي أن القرآن يستمد تشريعاته من نظرية التنظيم القضيبي للعالم” وافترضت أن تشريعاته تقوم على أسس نفسية مادية نسبية.. ولا شك أن تبني هذه النظرية يناقض مسلمات المسلم بخالق له مطلق العلم والقدرة والعدل له كمال الحكمة والتشريع، وانه خير الحاكمين!
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ولا شك أن من أهم أسس ومنهجيات البحث العلمي اتباع الدليل .. لا اختراعه!
فهل كانت تفضل أن يذكر اسم بنات جنسها مربوطًا بجريمة السحاق في قرآن يتلى ليوم القيامة؟! ويقرعن ويوبخن بما تفعله القلة المنحرفة منهن؟ فالمسلمات لا يجدن أي سبق شرف في ذكر الخزيان!
بل ويحمدن الله أن عفا عن بنات حواء ولم يذكرهن بسير الفاسقات منهن سواءً في التشريع باللفظ المباشر، أو في ذكر الخبر في قصة لوط!
وتخيلي جريمة تحدث في الواقع، تتحملين جزء من إثمها ثم يتغاضى القاضي عن ذكر اسمك ويكتفي بالإشارة لفاعل واحد! فهل أكرمك أم أهانك؟ والقرآن دائما يستخدم الستر مع المرأة حفظا لكرامتها! فلم يذكر تلك التهمة البشعة في حقها واكتفى بالتوجيه لتجريم جنس الفعل.
ولو بحثنا عن نسبة انتشار هذه الجريمة لوجدنا أنه لا مقارنة في انتشارها بين الرجال والنساء، ولتأكد لنا أن غريزة الأمومة عند المرأة هي أقوى دافع لطلب العلاقة الفطرية السليمة، وهو ما ميزها الله به عن الرجل وهو مانع طبيعي لها عن ذلك الجنوح الشاذ.