ابتليت بالحقد والغيرة.. كيف أكون راضية بقضاء ربي خيره وشره؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أن الحقد والحسد والغيرة سبب لهلاك صاحبه والحرمان من راحة الدنيا والآخرة بناء على هذا الحديث «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» أنا إنسانة ابتليت بقلب خبيث وغير صاف، وخبث قلبي زاد على مر السنين عند رؤيتي لمن حولي يسعدون ويتزوجون، بينما أنا هكذا غير مرغوبة ولا محبوبة (لا أصدقاء ولا زوج) لطالما كرهت هذه الصفة في، والتي بدأت منذ طفولتي، لم أستطع عمل صداقات كثيرة منذ الطفولة، وأختي التي أكبر مني كانت ولا زالت تتنمر علي.
أحس أن هذه الظروف التي مررت بها غيرتني للأسوأ، أنا أحاول أن أحارب هذه المشاعر السلبية بالدعاء وقراءة القرآن، وعندما أرى شيئا أتمناه عند شخص آخر أحاول أن لا أحسده بقول ما شاء الله والدعاء له بالبركة، لكن هناك شعور بقلبي يتمنى زوال النعمة من الشخص إذا لم أستطع أنا الحصول عليها.
أنا دائما أحاول أن أحارب خبثي وحسدي، وأتمنى لو أن لدي قلبا صافيا مثل كثير من الناس؛ لأنني تعبت من هذا الأمر نفسيا، وأشعر أنني لن أفلح أو أسعد بالدنيا والآخرة.
لقد أصبحت أبكي بصورة يومية بسبب هذا الأمر، وكرهت نفسي كثيرا، أريد أن يرشدني أحد إلى طريق الصواب، ويخبرني كيف أستطيع أن أتغير، وأتقبل قضاء ربي خيره وشره؟ كيف أصبح إنسانة قوية ذات قلب طيب يتمنى الخير للكل؟ أنا واعية تماما بسوء حالتي، لكني يئست من نفسي، ولا أعلم كيف أستطيع التغير والتغلب على هذه السلبية والخبث بداخلي.
بسم الله الرحمن الرحيم
فمرحبا بك أختنا الكريمة، وردا على استشارتك أقول: الصفات التي في الإنسان منها ما يكون جبليا، أي خلقت فيه ومنها المكتسب الذي يكتسبها الشخص من خلال التأدب أو المخالطة كما قال عليه الصلاة والسلام: «العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، ومن يتصبر يصبره الله» فالصفات الجبلية التي خلق الإنسان عليها يمكن من خلال الممارسة أن يعدلها إن كانت صفات سيئة، كما أن الصفات الإيجابية تتلاشى كالصدق والكرم من خلال مخالطة الإنسان فيكتسب الإنسان البخل والكذب عياذا بالله، فمثل هذه الصفات قد تكون موجودة في أحد أفراد الأسرة الموجودين أو الذين قد ماتوا، فبعض الصفات تسري كأي مرض وراثي.
من الأسباب الشرعية في معالجة الحسد الرضا بقضاء الله وقدره، فإن أيقن العبد أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن الأرزاق مقسومة وكل شيء مقسوم، فإذا رضي العبد اطمأن قلبه وخرج الحسد منه.
من العلاج أن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح بأنواعه، فقوة الإيمان تكسب العبد الرضا عن الله تعالى، ومحبة الخير للآخرين؛ لأن الحسد دليل على نقصان أو ضعف الإيمان، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
لا تتسخطي بهذه الطريقة، ولا تقولي إنك غير مرغوبة، ولا محبوبة، فهذه رسالة سلبية لها تبعات كبيرة؛ لأنه يتعمق في ذهنك ذلك الأمر، وربما تتجذر فيك تلك السلوكيات السيئة، ولكن عليك أن تعملي بجميع الأسباب التي تجعل من حولك يحبونك وتجلب لك رزقك وتعينك على كسب الأصدقاء، فإن أردت محبة الخلق لك، فأكثري من التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالح كما ورد في الحديث: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ....» الحديث، وفي الحديث الآخر: «إن الله إذا أحب عبدا نادى في السماء يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا، فأحبوه قال، ثم يوضع له القبول في الأرض».
جلب الرزق يكون بعمل الأسباب التي شرعها الله لذلك، وترك الذنوب والمعاصي، ومنها الحسد فهو ذنب عظيم يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: «وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» فاجتهدي، وجاهدي نفسك في ترك جميع الذنوب إن أردت أن يحبك الناس، وترزقين بزوج صالح -إن شاء الله-.
اجتهدي في الدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يصرف عنك الحسد، وأن يتوب عليك، وأن يرزقك محبة الناس، ويقذف في قلبك محبتهم ومحبة الخير لهم، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة.
أدي الصلوات في أول وقتها، وأكثري من الدعاء بعدها، وكذا ما بين الأذان والإقامة، واستمري في قول ما شاء الله تبارك حين ترين من الناس ما يعجبك، وإن شعرت بقلبك بتمني زوال النعمة عنه، فاستغفري الله تعالى، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فسيزول ذلك، فالشيطان له تدخل في أمر الحسد.
بكاؤك بسبب هذه الصفة السيئة يدل على تأثير الإيمان في قلبك، فعليك الاستمرار بتقوية إيمانك بصورة دائمة، وعليك أن تكثري من تلاوة القرآن الكريم، واستماعه ذلك يرقق القلب ويقوي الإيمان، ويجلب كذلك الطمأنينة للقلب كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
قوة الإيمان وكثرة الأعمال الصالح يجلب لك الحياة الطيبة كما وعد الله تعالى بذلك فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لا تيأسي، بل استمري بعمل الأسباب، وأهمها الدعاء والرضا بقضاء الله، وتقوية الإيمان وبقية الأسباب.
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك داء الحسد، وأن يرزقك القناعة والرضا، إنه سميع مجيب.
- التصنيف:
- المصدر: