لا أستطيع السيطرة على انفعالي وعصبيتي

منذ 2021-01-28
السؤال:

أنا سيِّدة متعلِّمة ومثقَّفة ومتديِّنة، وأعرف جيدًا قواعد الإتيكيت، بل وأتمسَّك بها، أحبُّ الجمال والأناقة والذوق وحُسن الخُلُق، ولا أرى في شخصيَّتي أيَّ نوع من الشُّذوذ غير المقبول، إلا أنِّي أعتقد أني أشذُّ عن الناس في أنِّي أتشاجر معهم كثيرًا جدًّا، تقريبًا كل أسبوع مرتين، وذلك في حال المخالطة.

أنا لا أعتدي على أحَدٍ، ولكن لا أحتمل أبدًا أن يعتدي عليَّ أحدٌ، دربتُ نفسي على الصبر؛ خوفًا من الله أولاً، وحبًّا بالرسول الكريم ثانيًا.

وثالثًا - وربما هو السبَب الأساسي - هو عدم رضائي عن نفسي وخجلي من نفسي، وخاصَّة عندما أهدأ.

مثلاً أنا لستُ صغيرة في السن، بل أمٌّ لشاب، ولكن لا أحب أن يناديني أحد بـ: يا (حاجة)، مع أني أتمنى أن أحج، وأعتبر هذه التسمية نوعًا من عدم اللباقة، وغالبًا ما أرفض هذا اللقب فأقول للطرف الآخر: رجاءً لا تدعوني (حاجة)!

وأحيانًا يُنادونني بـ: يا خالتي، سواء بغير قصد، أو بهدَف الاستهزاء بي ومِن هؤلاء مَن هو في عُمري أحيانًا، وأستطيع أن أميِّز الغرض من النداء من الموقف نفسه، ومع ذلك أتضايَق وأقول: هل أنا خالة كل الناس؟ أو مثلاً: ألا أصلح لأن أكون أختك؟ أما كلمة (يمة) فهي تستفزُّني بشكل غير معقول.

أنا لا أصرخ في الناس، ولكن لا أستطيع تقبُّل هذه الألقاب الثلاثة، علمًا بأني لستُ متصابية، ولا أخجل من عمري، ولا أحب أن أذكره أمام الناس؛ خوفًا على نفسي من الحسد.

ألاحِظُ أيضًا أنني نَشيطة في مِشيَتي، وأحبُّ الحياة، أحبُّ العِلْم والقراءة، وأحبُّ المظهر الراقي، وليس المتكبر.

أعتقد لأنني تربيت في طفولتي في مناطق راقية، وبكل تواضع أقول: إن الله حباني في شبابي وكلَّ عائلتي تقريبًا شكلاً جميلاً، فربما هذا يسبِّب لي نوعًا من التكبُّر في داخلي، أحب إخوتي وأتعامل معهم باحترام.

ظُرُوفي المادية الحالية - وهي الوضع المادي المتوسط - يفرض علي التعامُل مع بيئةٍ شعبيَّةٍ في منطقة غنية، كيف ذلك؟

نعَم، بسبب الطفرة المادِّيَّة التي طرأت على مجتمعنا، فأنا مثلاً أراجع مستشفى حكوميًّا، وأضطر للتعامل مع ممرضات وموظفات متعاليات، ولا يُقمن لمشاعر الناس أيَّ اعتبار؛ فهذه تتأفَّف، وتلك تصرخ في المراجعين، والنَّاس يحتملون هذه المعاملة، أما أنا فلا، بل أتشاجر وأرفض أن يصرخ فيَّ أحدٌ، وأجد نفسي في نهاية الشجار وقد انحدرتُ إلى موقف مخزٍ؛ بسبب الصوت العالي المتبادل والإهانات التي أتلَقَّاها، وأندم وأقول: ليْتَنِي صبرتُ، وأنهيت الموقف دون أن يسمع أحد صوتي، وأحيانًا أبكي من الندم، وأدعو الله كثيرًا أن يصبِّرني, لكن دون جدوى، حتى أصبحت أتمنى أن أختبئ في بيتي وألا أتشاجر مع أحدٍ، بل إني أصبحت أحدِّث نفسي أثناء سيري وسط الناس؛ لكي أعلِّمها الهدوء، فأقول: حذارِ منهم، اصبري عليهم، تجاهليهم، أغلب الناس غيرُ مؤدبين، ألسنتهم سليطة، إياكِ والنِّقاش، ولكن للأسف ما أن ينظرَ إليَّ أحدٌ نظرة يضايقني بها حتى أردَّها له.

أمَّا في عملي، فقد كنتُ دقيقةً للغاية، وتفاجَأت أنَّ المرؤُوسين لا يعمَلون بإخلاصٍ كما كنتُ أفعل، دربتُ نفسي على تجاهُل التقصير، ولكن فات الأوان؛ فقد عرَف الجميعُ نقطةَ ضعفي - وهي أني أحبُّ الدقة في العمل - ولكن ليس هناك من يساندني في تنفيذ مهمتي، فازدادت الإساءات، حتى إن المرؤُوسين أصبحوا يعتدون عليَّ، ويضايقونني، مع إنهم أصغرُ منِّي سنًّا؛ وأقل علمًا وكفاءةً!

أودُّ أن أضيف حقيقةً تؤلمني، وهي شجاري مع والدتي، فرغم أنها مُسنَّة، إلا أنها ما شاء الله تتمتَّع بالعقل والذكاء، ولكنها لا تحبني، رغم أني أعتني بها أكثر من كلِّ إخوتي؛ بحكم ظُرُوفي، فزوجي متوفًّى، وأعيش مع ابني وحدنا.

ومهما حاولتُ إرضاءها أجدها تبحث لي عن الأخطاء، بل تختلقها، وكثيرًا ما تهينني وتغلق الهاتف في وجهي، رغم عطفي عليها!

كما أنها عَصَبية جدًّا؛ ولخوفي من الله أعود وأراضيها، فقط لوجه الله، ولا أشعر بها كأمٍّ! بل كأنها أختي الكبيرة، رغم أن إخوتي يقدِّرون تعبي معها ويشكرونني!

رجاء لا تحاولوا إلقاء اللوم على ظُرُوفي، فأنا أذكر أنني عندما كنتُ طفلة صغيرة كنتُ أكره الظلم، وأذكر أن معلمتي في الروضة كانت تستهزئ بأحد الطلاب وتضربه دون مبرِّر، وتضحك عليه، وكنت أغتاظ منها كثيرًا؛ فكيف إذا وقَع الظلمُ عليَّ؟!

أرجو منكم تحليل شخصيتي وإرشادي إلى حلٍّ أو تدريب؛ لعله يحل عليَّ أسبوعان دون أن أتشاجرَ مع أحدٍ، أو أتمنى النوم لعدَّة أيام كما يحدُث معي الآن، وأرجو ألا يكونَ النصحُ هو تذكيري بخُلق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا تقولوا: عدِّي للعشرة، ولا تحدِّثوني عن أثَر العصبية على المظهر الأنثوي، فأنا لم أترك بابًا إلا وطرقته!

وإن كان هناك كتابٌ يُمكن أن يُفيدَني، فأنا على استعدادٍ لدراستِه وحفظه.

 

وجزاكم الله كلَّ خيرٍ.

الإجابة:

أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

سائلين الله - تعالى - أن يسددنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.

 

كما أحَيِّي ما لَمَسْتُه فيكِ مِنْ إقرار بنَعم الله تعالى، وقدرة على المراجعة الناقدة ليس لسلوكك فحسب، بل ولأسلوب تفكيرك، وتقييمِك لردود أفعالك إزاء مواقف اجتماعية مختلفة، وكذلك رغبتك في تغيير ما تجدينه سلبيًّا منها، وبإصرارٍ يبدو واضحًا من خلال محاولاتك المتنوعة بأساليبها، وسعيك للوصول إلى ذلك دون يأس، رغم إخفاقك - كما تعتقدين - في تحقيق ما تتمنيْن، وهي جميعها سمات إيجابية وحقيقيَّة تنعمين بها، أتمنى منك تعزيزها في نفسك والمداومة عليها، مهما شقَّ عليك ذلك.

أختي الفاضلة، لن أقدِّم لك نصحًا وإرشادًا بالتأسِّي بقدوتنا محمد - عليه الصلاة والسلام؛ لأنكِ طلبْتِ ذلك أولاً، ولأني لمستُ إلمامك ووعيَك بما قد يفوق ما يقدَّم في أيِّ رد؛ وبالفعل سأذهب معك - بإذن الله تعالى - لتقديم إستراتيجيات عمليَّة، تُساعدك في السيطرة على انفعالاتك، والتغلب عليها شيئًا فشيئًا.

وقبل أن أبيِّن تلك الإستراتيجيات، فلا بد لي من توضيح أمرٍ مهم، يُعد الحجرَ الأساس في بناء خطوات الحل لكل مشكلة، ألا وهو ضرورة التعرف على الأسباب المسبِّبة لها؛ ففي حالتك التي يمثل فيها الانفعال النفسي والسلوكي - إزاء مواقف حياتية مختلفة - جوهرَ المشكلة، لا بد من الوقوفِ على أسباب تلك الانفعالات، فالنظرِ لاختلاف البنية الشخصية والفكرية والاجتماعية بين الناس؛ فإنَّ ما يتسبَّب في انفعال إنسان، قد لا يتسبَّب في انفعال وغضب غيره؛ لأنَّ القِيَم والمفاهيم بينهما نسبيَّة في أهميتها؛ ولهذا يمكن تكوينُ صورة معيَّنة عن إنسان ما في ضوء أنواع المواقف التي تتسبب له في الغضب والانفعال.

لكني وجدت في رسالتك أنَّ غضبك (سواء الداخلي منه أو الظاهري لفظًا وسلوكًا) موجَّه لأمور مختلفة، فيثار غضبك - مثلاً - حين يناديك شخص ما بكنية لا تحوي أيَّ معنًى للإساءة، بل العكس، ففي بعضها إشارة تقدير ومنزلة مهمة، ويثير ذلك استغرابك أنت أيضًا؛ لأن تلك المعاني لا تثير لك حساسية تجاه أمر معين، وبالتأكيد فإنَّ انفعالك هذا يختلف عن انفعالك إزاء المواقف التي تجدين فيها حَيفًا، أو سوء تعامل من قِبَل الآخرين، وتمسُّ مبادئ مهمة لديك؛ ومن ثَمَّ فكونك غير مقتنعة بغضبك في مثل هذه المواقف، ففيه إشارة إلى وجود مشاعر توتر وقلق، تتسبب فيها أمور أخرى، فينعكس حتمًا على تعاطيك مع زلات وأخطاء المحيطين، والتي لا شك أنها كثيرة؛ وللتدليل على ذلك أتمنى منك أن تعيدي في ذاكرتك تذكُّر بعض المواقف التي كنت تشعرين فيها بسعادة بسبب أمر ما، وكيف تمثلت ردود أفعالك فيها.

أما عن انفعالك بسبب مواقف تجدين أنك تنتصرين فيها للحق، فالتعاطي مع علاجها والسيطرة عليها، يختلف باختلاف الدافع والمسببات؛ ولذلك لا بد لي هنا من توضيح أمرين:

الأول: هو أنَّ علاج المشكلات السلوكية لا يأتي بمرحلة واحدة، لكنه يكون بمراحل متدرِّجة تعتمد سرعتها ونجاحها على اقتناع المسترشد وحرصه على تطبيق إستراتيجياتها.

أما الأمر الثاني: فهو أنَّ رسالتك تعرض مشكلتين تبدوان لك كمشكلة واحدة، فالأولى: انفعالك العامُّ والدائم، والثانية: تتعلق بانفعالك انتصارًا لمفاهيمك وقِيَمك؛ ولذلك فإنِّي سأتناول حاليًّا في ردِّي الخطوات الأولى والأساسية لعلاج الانفعال العام فقط؛ لأنه الأكثر تَكرارًا لديك من جهة؛ ولأنَّ البَدء به ضروري كمرحلة أولى، ولا يمكن التطرُّق إلى مشكلة أخرى دون الوُصُول إلى تحقيق النجاح في المرحلة الأساسية، من الجهة الأخرى.

وأولى تلك الخطوات: تعرُّفك على المسببات الرئيسية التي تُثير قلقك وتوترك، والتي قد تتعلق بمتطلبات الحياة اليومية، أو غيرها، وواجِهيها باكتشافها أولاً، ثم بإيجاد الحلول أو البدائل لتخطِّيها.

وبعد ذلك، اعملي على التعَرُّف على المسببات التي تشعرك بالسعادة أثناء ممارستك لها، كأنْ تكون ممارسة لهواية تميل إليها نفسك، أو قيامك بزيارة لأماكن أو أشخاص تتُوقين إلى مجالستهم أو غيرها؛ لتعمدي إلى القيام بها بشكل دوري كأن يكون مرتين في الأسبوع.

وبذلك سيكون في نفسك انتظار وتَوْقٌ إلى الأوقات التي تحققين فيها تلك المسببات، وهذا الأمر سيتسبب لك في إيجاد مشاعر إيجابية تقابل المشاعر السلبية التي تتسبب فيها السلوكيات التي لا ترضيك من قِبَل الآخرين.

ثم اعملي على إشغال فكرِك شيئًا فشيئًا بتلك الأوقات وانتظارك إليها، واعمدي إلى تذكير نفسك بقرب حلولها عند مواجهتك لأيِّ موقف سلبي؛ فإن ذلك سيخفف - أو يوقف تمامًا - انفعالك إزاءه.

وعندما تنجحين في تحقيق ذلك، فسارعي إلى مكافأة نفسك، بشراء حاجة تتوقين إليها، أو تناول طعام يمتِّعك تناوله، أو أي فعل مشروع محبَّب إلى نفسك، لتعززي ردَّك هذا، مهما كان النجاح الذي ترينه يسيرًا، وإياك إياك أن تجلدي نفسك إن كان رد فعلك لم يرضِك، ولكن كرِّري مع نفسك أفكارًا (بعزمك) على أن تستبدلي بهذا الرد آخر إيجابيًّا في المواقف اللاحقة، وفكِّري في ذلك بدافعية تامَّة.

كما أتمنى أن تعمدي إلى جلسات تختلين فيها مع ذاتك، وتعيدين تأمُّل موقف معين سابق لم يرضِك فيه ردُّ فعلك، على أن يكون تذكرك لموقف الطرف الذي تسبب في إغضابك فقط، دون أن تتذكري ردَّك أبدًا، بل استبدلي به تخيُّل نفسك في ردِّ فعل تتمنين لو كنت قمت به، ثم كرِّري في مخيَّلتك قيامك بهذا الردِّ المطلوب، حتى تتبنيه كردِّ فعل تعتقدين به، ويكون ضمن إطار شخصيتك، لتعزمي على القيام به إن تكرَّر ما يشابه ذلك الموقف، وعند تحقيقك لهذا الرد أو ما يقرب منه في مواقف عملية لاحقة، فسارعي إلى تطبيق أسلوب المكافأة الذي تمت الإشارة إليه.

وتعزيزًا لكل ذلك أتمنى منك يا عزيزتي أن تقومي بأداء عمرة تدعين الله - تعالى - فيها أن يمنَّ عليك بالحِلْمِ، وحسن التعامل، وأن يُتمَّ عليك نعمته، وأكثري من شرب ماء زمزم المبارك وأنت مُلِظَّة بهذا الدعاء.

 

وأخيرًا:

أختم بالدعاء إلى الله - تعالى - أن يرزقك الحلم، ويُصلح لك شأنك كلَّه، وينفع بك، وبابنك، وسنسعد بسماع أخبارك الطيبة.

  • 7
  • 0
  • 1,667

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً