الفشل قريني في الحياة
شاب يشكو فشلَه في حياته وعدم توفيقه في أي أمر يخوضه؛ ما جعله بلا مصدر للرزق، فضاقت به الدنيا، ويسأل: ما الحل؟
مشكلتي أنني أشعر بأن الفشل قريني وملازمي في كل أمرٍ أخوضه في حياتي؛ فأنا لم أكمل دراستي بسبب المشاكل العائلية، وكلما قررت العودة للدراسة، يصيبني قلق وخوف كبيران؛ حيث أشعر بأنني لم أعُدْ أفهم شيئًا، وأما الناحية العملية، فأنا لم أوفَّق منذ 2008 في عمل أو تجارة، رغم محاولاتي الكثيرة، ورغبتي وحماسي الكبيرين في العمل، وقد كان بعض الناس في عائلتي يكسبون قُوْتَهم من العرافة والشعوذة، وكنا نعيش معهم، فوجدت كتبًا عديدة للسحر والشعوذة عندنا، فأحرقتها، وقد حدث أنني أُصبتِ في كتفي منذ 2008 وقد أجريتُ عمليتين جراحيتين في مايو المنصرم، ولا تزال عندي نفس المشكلة، بيد أنه ينقصني المال، أشعر أن الدنيا ضاقت بي، وليس لديَّ شيء أكسب به قُوتَ يومي، وطرقت أبوابًا عدة، لكن بلا جدوى، علمًا بأن أبي توفي منذ خمسة أشهر، أشعر بضيق في رزقي وعدم توفيق في حياتي، ولا أدري ماذا أفعل، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك:
أنت شابٌّ عمرك ٣٣ سنة، وبيَّنت أن المشكلة معك منذ ١٢ سنة؛ أي: إنك تعاني منها منذ أن كان عمرك ٢١ سنة؛ حيث تشعر بالفشل وعدم التوفيق في أمور حياتك، ولم تكمل دراستك بسبب المشاكل العائلية (لم تذكر نوع المشاكل، ومن هم المعنيُّون بها)، وكلما عزمت على العودة إلى إكمال دراستك، فإنك تُصاب بقلق كبير وخوف، وينتابك شعور بعدم التركيز وعدم الفهم للدراسة، ومنذ عام 2008 كلما جرَّبت أيَّ عمل أو تجارة، لا تُوفَّق فيها، مع وجود الحماس الكبير للعمل والكسب، وقد بيَّنتَ أن في عائلتيك مَن كان يمارس العِرافة والشعوذة كمهنةٍ للكسب، وقد أنكرت ذلك بالتخلص من كتب الشعوذة والسحر التي وجدتها، وتشعر بضيق كبير في عدم وجود مصدرِ رزقٍ، رغم محاولاتك المتكررة، وتطلب المساعدة في هذه القضية.
الجواب:
أوصيك - أخي الكريم - بهذه الوصايا؛ لعل الله أن ينفعك بها، وتزيل ما تعاني منه من همٍّ وحزن في تأخر حصولك على مصدر دخل:
1- أنت شاب في مستهلِّ عمرك، والمستقبل الزاهر أمامك بإذن الله تعالى، وحسب ما أفدت أن بعض أقاربك يعتمد كسبه على الكَهانة والعِرافة، وأنت تنبِذُ هذا الكسب المحرم، وهذا دليل إن شاء الله على صدق نيتك في السعي لطلب الرزق الحلال، والله عز وجل لن يخيب قصدك.
2- احرص على كسب عمل يدك، ولو كان قليلًا؛ فعن المقدام بن معدي رضي لله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داودَ عليه السلام كان يأكل من عمل يده» [رواه البخاري]، وقال بعض السلف: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يُكفِّرها إلا الهمُّ في طلب المعيشة"، وتحرِّي الكسب الحلال أمرٌ واجب؛ فعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه، وماذا عمِل فيما علم» [الترمذي، والحديث صحيح].
3- احمَدِ الله تعالى أن أنقذك من الكسب الحرام الذي تورط فيه بعض عائلتك، أرأيت الرجل الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطيل السفر أشعثَ أغْبرَ يمُدُّ يده إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب له» [رواه مسلم]، هذا الرجل وصل به الحال إلى الذُّلِ والمسكنة والحاجة والفاقَةِ، وشدة الفقر، مع وصفه، أشعث الرأس، وقد اغبرَّت قدماه، فهو أحرى لاستجابة دعواه، لكن حِيل بين دعائه والقبول؛ أكل الحرام، واكتسى من الحرام، ونبت لحمه من الحرام؛ فرُدَّت يداه خائبَتَيْنِ.
4- الزم منهجك في الاستمرار في البحث عن الكسب الحلال، وكُنْ على يقين أن الله هو الرزاق، وأنه هو الذي خلق الخَلَقَ، وتولى رزقهم؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]، وقد حثَّ الله سبحانه وتعالى عباده على السعي لطلب الرزق؛ فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، وهذه دعوةٌ إلى أن يسعى الإنسان إلى طلب الرزق بشتى الوسائل والسُّبُل المشروعة، أما إذا افتقر المسلم، ووجد أن ما يأتيه لا يكفيه وأسرته، بعد بذل الجهد في البحث والسعي لجلب الرزق وفق ما هو متاح - فإن عليه أن يُقبِلَ على الله يدعوه ويرجوه، ويستغفره مما كان منه من الذنوب والآثام؛ فلعله كان قد ارتكب معصيةً أخَّرت عنه الرزق، واعلم أن رزقك قد كُتب وأنت في بطن أمك؛ فعن زيد بن وهب، قال عبدالله: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - قال: «إن أحدكم يُجمع خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيُؤمر بأربع كلمات، ويُقال له: اكتب عمله ورزقه وأجَلَه، وشَقِيٌّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة» [رواه البخاري]، فلماذا هذا الهم والحزن والقُنوط واليأس؟
5- احرص على طلب أسباب الرزق؛ ومن أبرزها:
1- تقوى الله تعالى؛ فإنها سبب للرزق من حيث لا تحتسب؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].
2- التوكل على الله في جميع أمورك، مع الأخذ بالأسباب، وعدم ترك العمل والبحث عنه؛ فقد ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا» فالتوكل سبب عظيم لجلب الرزق.
3- كثرة الاستغفار؛ فقد قال الله تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]؛ فالاستغفار سببٌ للرزق الوافر، ومن العبارات التي يمكن للمسلم الاستغفار بها مثلًا: "أستغفر الله"، و"أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"، و"أستغفر الله العلي العظيم"، ومن دأب على سيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»-فقد أصاب الخير من كل جوانبه، ورَزَقَهُ الله.
4- صلة الرحم، وزيارة الأهل والأصدقاء، والسؤال عن أحوالهم؛ فهي باب للرزق والبركة؛ ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثَرِهِ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ فهذه شهادةٌ على جلب الرزق بهذه الطاعة، وليحرص المسلم على فعلها وعدم قطعها، حتى وإن لزم أن يصبر على ما يلقاه من الأذى من ذوي أرحامه.
5- الصدقة تجلب الخير ولو بالقليل؛ فالإنفاق على الفقراء والمحتاجين مِفتاح جالب للرزق؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30].
6- البعد عن أسباب منع الرزق، ومحق البركة؛ ومن أبرزها:
1- الشرك بالله تعالى بالقول أو الفعل؛ كالحلف بغير الله، أو الذبح لغير الله، أو اعتقاد أن الأموات ينفعون أو يضرون؛ قال تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» [قريش: 3، 4]؛ أي: إن الإطعام والأمن - وهما رزق - منوطان بتوحيد الله، وتحقيق العبادة له وحده.
2- هجر ذكر الله تعالى، وخاصة هجر القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]؛ قال الضحاك: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} العمل السيئ، والرزق الخبيث"، وقال ابن كثير رحمه الله: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أي: تناساه وأخذ من غيره هُداه".
3- النسيان أو التغافل عن شكر المُنعِمِ وحمده، وعدم نسبة الفضل في الرزق إلى الله؛ وقد ضرب الله لنا مثلًا في قصة قارون الذي ملك الدنيا، فلم يعترف بالمنعم المتفضِّل: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]؛ أي: إن الله يعلم قَدْري، وأنني أستحقه بجهدي وذكائي، فكان جزاؤه أن خسف الله به وبداره الأرض: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 81].
4- اقتراف الذنوب والمعاصي؛ فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم كيف أن الذنب يمنع الرزق؛ فقال: «إن الرجل ليُحرمُ الرزق بالذنب يُصيبه» [صحيح سنن ابن ماجه]؛ أي: يُمنع الرزق الحلال، أو يُمنع البركة؛ وقال ابن القيم رحمه الله: "ومن عقوباتها - أي: المعاصي - أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا، وما مُحيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق"، وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعَةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الناس، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الناس".
7- من الأدعية التي ينبغي للمسلم المحافظة عليه في طلب الرزق:
1- قول النبي عليه الصلاة والسلام: «اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحَبِّ والنَّوى، ومُنْزِل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدَّينِ، وأغْنِنا من الفقر».
2- «اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَنِ، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّيْنِ وقهر الرجال».
3- «اللهم اكْفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنِني بفضلك عمن سواك».
8- التحصن بأذكار الصباح والمساء.
9- طلب الرقية الشرعية؛ فرُبَّ عين حاسدة أصابتك، أو أذًى من أقاربك المشعوذين لعِلْمِهم بالإنكار عليهم، والتخلص من كُتُبِ الشعوذة والسحر.
وصيتي الأخيرة لك أيها الحبيب: استَعِنْ بالله تعالى، واصبر وابذُل أسباب الرزق، وابتعد عن موانعه، واصبر واحتسب، ولا تيأس ولا تقنَطْ، ورزقك المكتوب لك سوف تحصل عليه خلال مدة حياتك، فاطمئن؛ فلن تموتَ نفسٌ حتى تستكمل رزقها.
أغنانا الله وإياك بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
- التصنيف: