فتوى حول الألعاب الإلكترونية
سائل يسأل عن حكم الألعاب الإلكترونية التي تحوي أشياءَ فيها شرك وكفر: هل يَحرُم اللعب بها؟
- التصنيفات: قضايا الشباب - قضايا إسلامية معاصرة -
فضيلة الشيخ، أثابكم الله، عندي مسألة مشكلة، وتحتاج إلى تحرير وبيان منكم؛ وهي من شقين؛ الأول: تنتشر بين الشباب الآن الألعاب الإلكترونية، والتي يمكن لعبها بشكل جماعي عبر جهاز الكمبيوتر بين أطراف متعددة من أنحاء العالم، هذه الألعاب قد تحتوي أحيانًا على صور شركية؛ مثل: الصليب، أو أشياء محرمة؛ مثل: الخمر والنساء العاريات - بشكل مرسوم وكرتوني - أو أن تقوم شخصية اللاعب داخل اللعبة بعمل حركات معينة أمام صنم أو شيء من هذا القبيل، وهذه اللعبة قد تكون حربية قتالية؛ بمعنى أن اللاعبين يقومون بلعبها لهذا الغرض تحديدًا؛ وهو التنافس فيمن سيغلب، أو من سيكون صاحب الإستراتيجية المُثلى، فهل يحرم لعب هذه اللعبة بالكامل لمجرد وجود مثل هذه الأشياء فيها؟ في الحقيقة هناك عدم قبولٍ لهذه الفكرة وسط قطاع عريض من الشباب المراهق تحديدًا؛ لأنهم يقولون: "أنا ألعب هذه اللعبة، وأعِي أن هذه الأشياء في حياتنا الحقيقية محرمة، وأنا أنكرها حتمًا، ولا أوافق عليها جملةً وتفصيلًا، لكن هنا بداخل اللعبة أنا مجرد لاعب ومستخدم، ولا أستطيع التحكم بمنع ظهور هذه الأشياء، وقلبي ينكرها كلها ولا شكَّ، ولست متأثرًا بها في حياتي الحقيقية، فلماذا تكون اللعبة كلها محرمة؟ ولو اعتبرت أني سافرت لدولة أوروبية كمبتعث، أو حتى في دولتي الحالية - سأشاهد هذه الأشياء كلها حقيقة أمامي، وأنا منكر لها، فهل هذا يعني أنني الآن أفعل أشياء محرمة لمجرد تواجدي أو رؤيتي لهذه الأشياء؟".
الشق الآخر: لنفترض أسوأ الأحوال؛ وهي أن اللاعب الذي بداخل اللعبة عندما يقف أمام صنم أو ما شابه يركع له، أو يقوم بعمل حركات معينة، فإن بعض الألعاب تكون عبارة عن عالم مفتوح؛ بمعنى أن اللاعب يستطيع تجنب الذهاب لهذه المنطقة بداخل اللعبة التي بها أصنام، فهل أيضًا يحرم اللعب في هذه الحالة بهذه اللعبة بالكامل، فقط لأنها تحتوي على هذا الأمر، وحتى إن استطعت تجنبه؟ أجزل الله لكم المثوبة والأجر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن هذه الألعاب التي تحتوي على مثل هذه الأمور الكفرية لا يجوز اللعب بها؛ لأمور:
الأمر الأول: أن هؤلاء الغربيين الذين صمَّموا تلك الألعاب بهذه الصورة، إنما صمموها استهزاء بالتوحيد؛ وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام: 68].
والذي يلعب بهذه الألعاب يكون كالذي يقعد معهم، وهو أمر منهيٌّ عنه، وإن لم يكن فاعله راضيًا بصُنعهم.
الأمر الثاني: أن لعب المسلمين بهذه الألعاب يساعد على نشرها وترويجها؛ فإنْ قلنا بأنك لن تقع في شباكها، فإنك تساعد على وصولها إلى غيرك ممن قد يقع في شباكها.
وبهذا يُعلم أنك لا يجوز أن تلعب بها، حتى لو تجنَّبت المنطقة التي بها هذه الكفريات؛ لأنك حتى لو تجنبتها، فأنت تساعد على نشر اللعبة لتصل إلى غيرك ممن لا يتجنبها.
الأمر الثالث: أن هذه الألعاب، وإن لم تنجح في إخراجك من الإيمان إلى الكفر، فإنها تنجح - بلا شكٍّ - في تهوين أمر الشرك في القلوب؛ بحيث يعتاد المسلم الذي يلعب تلك الألعاب على مشاهدة تلك المناظر الكفرية، فيعتاد عليها، ويهوِّن أمرها في قلبه؛ ولذلك فإنه لا يجوز اللعب بتلك الألعاب بحالٍ من الأحوال.
وأما مشاهدة المناظر الكفرية، وأنت تسير في طريقك، سواء في بلاد الكفر أو غيرها، فليس هو كهذه الألعاب؛ لأنك إن شاهدت هذه المشاهد وأنت في الطريق، فلا بد من أن تنكرها؛ إمَّا بلسانك إن استطعت، أو بقلبك، وأما هذه الألعاب، فكيف تقول بأنك تنكرها وأنت الذي تأتي بها بإرادتك.
ونسأل الله تعالى لنا ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق.
والحمد لله رب العالمين.