اضطررت لخلع الحجاب

منذ 2021-08-04

فتاة محجبة تدرس في إحدى الدول الأوروبية، وجدت عملًا في تلك الدولة، فذهبت لتقديم أوراق التأشيرة، ففُوجئت بأنهم سيلتقطون لها صورة بغير حجاب، فاضطُرت لنزع الحجاب، وهي لم تكن على علم بالأمر، وتشعر بذنبٍ عظيم قد ارتكبتْه، وتسأل: هل ترفض هذا العمل عقابًا لها؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أنا فتاة جامعية حاصلة على شهادة الدكتوراة في أحد التخصصات العلمية، قمت ببعض التربصات في أثناء دراستي في إحدى الدول الأوروبية، والحمد لله كنت أسافر بحجابي دون مشاكل، والآن وجدت عملًا في نفس الدولة، وذهبت لتسليم أوراق التأشيرة كالعادة، وبعد إتمام كل الإجراءات، فُوجئت أنهم سيلتقطون صورة لي دون حجاب؛ لأن التاشيرة طويلة المدى هذه المرة، ويشهد الله أنني لم أكن على علمٍ بالأمر، وطلبت منهم أن تصورني على الأقل امرأة، لكنهم لم يجدوا، فاضطررت لأن أخلع الحجاب أمام رجل، ومنذ ذلك الحين، وأنا منهارة وأبكي وأدعو الله أن يتم رفض التأشيرة كعقابٍ لي، أحس أن صحيفتي أصبحت سوداء، وأعتبر ذنبي أعظم من الكبائر، وأن مال هذا العمل سيكون حرامًا؛ لأنني تنازلت عن ديني ولو بشكل مؤقت، لقد دعوت الله لشهور طويلة واستخرته؛ كي يصرف عني هذا العمل إذا كان لا خير فيه في ديني، فلماذا وُضعت في هذا الموقف البشع؟ وهل أرفض العمل حتى إن حصلت على التأشيرة كعقاب لي، خاصة وإني أشك أن يبارك الله فيه؟ أعلم أن الله يقبل التوبة من عباده، لكني لا أستطيع مسامحة نفسي، وأحس أن حياتي دُمِّرت نهائيًّا، أرجو إجابة سريعة لكي أتخذ قراري النهائي، ولكي أستعين بها على إصلاح ذنبي العظيم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.

 

ثانيًا: تغطية بدن المرأة فرض واجب بالإجماع، والخلاف في تغطية الوجه والكفين، والراجح وجوب تغطية الوجه والكفين للمرأة.

 

ثالثًا: كل عمل يستلزم من المرأة الكشف عن وجهها - فضلًا عن شعرها - أمام الرجال أو يؤدي إلى اختلاطها بغير المحارم لا تجوز لها ممارسته، وخلع الحجاب للمرأة لا يجوز، وإذا كانت ظروف العمل تفرضه؛ فإن ترك هذا العمل واجب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

وعليه: فالواجب عليكِ أن ترتدي الحجاب وتتوبي إلى الله مما مضى وتتركي العمل في المكان الذي يلزمكِ بترك ارتداء الحجاب، وتنتقلي إلى مكان آخر بشرط ألَّا يكون في العمل محظور شرعي، فإذا وُجد محظور شرعي، فأعرضي عن العمل، إلا إذا لم تجد أي مصدر آخر للرزق، وكنتِ محتاجة إلى العمل لتحصيل قُوتِكِ، فعليكِ أن تختاري العمل الأقل إثارة للفتنة، وأبعد في الاختلاط مع الرجال، وأخف في ممارسة المحرمات، وأنتِ أدرى بحالكِ، وليكن نيتكِ العزم على ترك العمل متى وجدتِ غنًى عنه؛ لأن الضرورة تُقدَّر بقدرها.

 

رابعًا: لا يجوز السفر للعمل في بلاد غير المسلمين إلا بشرط أن يكون معه تقوى تحفظه من الشهوات، وعلم يحفظه من الشبهات، وألَّا يجد في بلاد المسلمين من يكفيه.

 

فالأصل عدم جواز الإقامة في بلد الكفر، وذلك للآتي:

1- ورود الأحاديث النبوية بالنهي عن إقامة المسلم في بلاد الكفر، والأمر بمفارقة الكفار؛ ومن ذلك:

ما ورد عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» [رواه أبو داود: (2645)، والترمذي: (1604)، وصححه الألباني في إرواء الغليل: (5/ 29 - 30)].

 

وعَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ جَرِيرٌ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ، وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: «أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ»؛ [رواه النسائي: (4177)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/ 227)].

 

2- بلاد الكفر في هذا الزمن كثرت بينهم الفواحش، وتفنَّنوا فيها حتى أصبحت من عاداتهم وعُرفِهم، ولا ينكرها عندهم أحد إلا عابوه، فمثل هذه البلاد إذا سافر إليها المسلم ليعيش فيها، فقد عرض نفسه للفتن والفواحش.

 

قال ابن عثيمين: (السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.

 

الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.

 

الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك.

 

فإن لم تتم هذه الشروط، فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لِما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة ...)؛ [مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين: (6/ 131 - 132)].

 

خامسًا: أحسنتِ في ندمكِ وتوبتكِ؛ فإن التوبة إذا توفرت ‏شروطها من الندم، والإقلاع عن ‏المعصية، والعزم على عدم العودة إليها ‏كانت مقبولة عند الله؛ قال الحسن البصري: (إذا أذنب العبد، ثم تاب، لم يَزْدَدْ من الله إلا قُربًا).

 

وقد قيل للحسن البصري أيضًا: (ألَا يستحيي أحدنا من ربِّه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تَمَلُّوا من الاستغفار).

 

وقال بعضهم لشيخه: (إني أذنبتُ، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تُحْزِنَ الشيطان)؛ [مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7/ 492)].

 

والنصيحة لكِ ترك هذا العمل وعدم الإقامة في بلاد غير المسلمين إلا بالشروط التي ذكرت في طوايا كلامنا، بارك الله فيكِ.

 

هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  • 7
  • -1
  • 3,475

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً