الغيرة القاتلة
كيف أتخلص من الغيرة القاتلة؟
أنا أعاني من الغيرة القاتلة من ابنة خالتي، بحيث ينتابني اكتئاب شديد، وأنا أعلم بأن ذلك من الشيطان، ولكن رغمًا عني، وقد حاولت أن أعالج نفسي بنفسي، ولكن تعبت من العلاج السلوكي؛ لأنه لم يفدني.
قالت لي أختي بأن أتناول السايروكسات، فتناولت نصف حبة لمدة 3 أيام، ثم أصبحت أتناوله كل يوم بانتظام، ثم تركته لأنه لم يفدني، وقد مضى عليّ منذ تناوله سنة وشهران، فما هي نصيحتكم لي؟ لأني أريد أن أتخلص من هذه المشكلة، فقد تعبت جدًا.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنت ذكرت أنك تعانين من غيرة قاتلة من ابنة خالتك، ووصفت ذلك بأنه نوع من وساوس الشيطان، ولم يتضح لي ما الذي تقصدينه من الغيرة القاتلة؟ وكيف ربطتها بالوسواس؟ وهل هو نوع من حديث النفس؟ وهل أنت لا تُريدين الخير لابنة خالتك؟ وهل تتمنين أن تكوني مثلها؟ وهل دائمًا تحسين أنك في موقفٍ تنافسي معها؟ وما هو المقصود حقيقة بالغيرة القاتلة؟ وهل هي فعلاً وساوس من الشيطان، أم شيء آخر؟
أعتقد أن الأمر يحتاج للمزيد من التوضيح، وعمومًا الذي أحذرك منه ألا يكون في نفسك حسدًا حيال ابنة خالتك أو لغيرها، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، الحسد أمرٌ بغيض جدًّا، ومهما كانت مشاعرك تجاه هذه الفتاة حاولي أن تجعليها إيجابية، حاولي أن تكوني صارمة جدًّا مع نفسك، وأبعدي عنها الشوائب، وأبعدي عنها التفكير الخاطئ، ويجب أن تكون مشاعرك مشاعر جيدة وإيجابية حيالها، وأنا أعتقد أنك مطالبة حقيقة بأن تتوجهي أكثر نحو دينك، نحو الإسلام برحابته، لأن الإسلام يُطهر النفوس تطهيرًا كاملاً من الغيرة ومن الحسد وغيره.
كوني حريصة جدًّا على أن تكوني صاحبة مشاعر إيجابية حيال ابنة خالتك.
لا أرى أن هنالك حاجة لتناول علاج دوائي، فالأمر ليس مرضًا واضحًا بالنسبة لي، إذا كان هو أحد أمراض النفوس -فإن شاء الله تعالى- سوف يفيدك الدكتور حول هذا الموضوع، وعمومًا توقفي عن تناول الدواء، وإن كان هنالك حاجة حقيقة لمقابلة الطبيب النفسي فيجب أن تذهبي وتقابلي الطبيب النفسي، لكن لا أرى أي مبرر حقيقي لتناول عقار الزيروكسات.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
نحن لا نريد لبناتنا وشبابنا أن يتصرفوا قبل أن يعرفوا أحكام الشرع، ولا نقبل منهم أخذ الدواء دون وصفة من الأطباء، ونسأل الله أن يطهر قلبك من الغيرة الزائدة، وأن يشغلك بما ينفعك في الدنيا والآخرة.
وقد أسعدني رفضك لمشاعر الغيرة السالبة تجاه قريبتك، وندعوك للتعوذ بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، ومناه أن ينجح في غرس شجرة الحسد والحقد والبغض والكراهية بين أهل الإيمان، وإذا فشل الشيطان في أن يوقع العداوة عن طريق الخمر والميسر؛ فإنه يسعى لفعل ذلك بالغيرة التي تزيد فتتحول إلى حسد، وإذا تمكن الحسد تحول إلى حقد، ثم يترجم الحقد إلى عداوة وعدوان.
ولكن المؤمنة الطيبة مثلك تقطع على الشيطان طريقه وتعامله بنقيض قصده، فتدفع خواطر السوء في بدايتها، وتكتم ما في نفسها، وتحسن إلى قريباتها وزميلاتها وجاراتها، وتستعين بالله قبل ذلك وبعده.
والقدر المناسب من الغيرة يدفع للتنافس الايجابي مع حب الرفعة والخير لمن نغار منهم، والعاقلة تسأل ربها من فضله.
ولا مانع من أن تسأل الله مثل النعم والمميزات التي ميز الله بها أختها، وعندما تسأل مثل النعمة فتلك هي الغبطة، والأفضل أن تسأل الله ما تريده كما فعل زكريا عليه السلام، عندما وقف على إكرام الله لمريم عليها السلام، حيث توجه إلى من وهب مريم، ورفع حاجته إلى قاضٍ الحاجات، كأنه يقول يا من أكرمت أَمَتك الضعيفة: {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} [مريم:38]، فجاءته الإجابة بسرعة: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى} [مريم:39]
ومما ننصحك به لتخفيف الغيرة الزائدة ما يلي:
- اللجوء إلى الله والتضرع إليه، مع ضرورة اختيار الأوقات الفاضلة.
- اكتشاف نعم الله عليك، والجوانب التي تميزك لتشكري الله عليها، فتنالين بشكرك المزيد.
- الرضا بقضاء الله وقدره وقسمته بين عباده، وسبحانه القائل: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل:71]، وعند التأمل نجد أننا جميعًا أصحاب نِعم تستوجب الشكر، حتى قال بعضهم ربنا يعطي كل إنسان مائة بالمائة، ولكن الاختلاف والفرق الذي يرى يكون في التفاصيل، فهذا يعطى 80 بالمائة عافية، و20 بالمائة فقط مال، والآخر بالعكس، فيتمنى كل منهما ما عند الآخر، ولكن السعيدة والسعيد أن من يعرف ما ميزه الله به فيقوم بالشكر، فينال بشكره المزيد، فبالشكر تزيد النعم، وبالشكر تحفظ النعم، ومن هنا سمي الشكر بالجالب والحافظ.
- عدم الالتفات لتعليقات الناس ومقارناتهم، والمقارنة من أصلها ظلم؛ لأن المقارنة لا تري إلا ما ظهر، ويخفى عليها الكثير، وأنت أعرف بنفسك منهم، والله أعرف بنفسك منك، فلا تحزني بمقارناتهم ونقدهم وتعليقاتهم، ولا تفرحي بمدحهم وثنائهم، واحمدي الله الذي سترك عنهم، قال الشعراوي رحمه الله لما مدح الله: "الحمد الله الذي أخفى عنكم عيوبي فوجدت منكم الإجلال والاحترام"، وقيل أيضًا: "إذا مدحك الناس فاحمد رب الناس".
- وتأملي قول الله: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا} [طه:131]، والزهرة جميلة من الخارج فقط، وعمرها قصير، ثم قال: (لنفتنهم فيه)، فكل صاحب نعمة ممتحن، هل يشكر أم يكفر، ثم ختمت الآية بقولة تعالى: ( ورزق ربك خير وأبقى)، يعني رزق ربك من الدين والهداية والصلاة خير وأبقى.
- انظري إلى من هم أقل منك في الدنيا وإلى من هم أفضل منك وأعلى في الآخرة، والغيرة السالبة والتحاسد والتباغض لا يحصل إلا في الدنيا الدنية، ومن هنا وجهنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن ننظر إلى من هم أسفل منا حتى لا نزدري نعمة الله علينا.
- الاجتهاد في كتمان الغيرة، وإبراز ما هو ضدها، من سلامة الصدر، والإهداء، والدعاء، وإظهار الفرح أمام من أنعم الله عليهم وتهنئتهم.
- وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، والصبر؛ فإن العاقبة لأهله، ونسأل الله أن يطهر قلبك وقلوبنا من الشقاق، والنفاق وسيء الأخلاق، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو سبحانه.
ونسأل الله لك الأمن والإيمان والسعادة والاستقرار.
- التصنيف:
- المصدر: