لا أريد أن أكون سببا في تحريم ما أحله الله

منذ 2015-07-12

أنا فتاة أخجل من أمر الزواج، وأخجل من الحديث في هذا الموضوع بشكل شديد جداً، والكل أصبح يعلم عدم رغبتي بالزواج، ولم يتقدم لي إلا شاب يعمل ببنك ربوي رفضته في المقام الأول لعمله، وقد استخرت الله كثيراً والحمد لله، لكن المشكلة ليست هنا! بل المشكلة أن أخواتي بدأن تقليدي برفض كل من يتقدم لهن، خصوصا أن أختي تقدم لها شاب جيد ومحافظ، وأتمنى من الله أن يرزقها إياه، لكن تقول سأفعل مثلك، حاولت أن أوضح لها أنني فعلا لا أحب الزواج، إلا أن سبب رفضي للشاب الذي تقدم لي هو عمله.

السؤال:

أنا فتاة أخجل من أمر الزواج، وأخجل من الحديث في هذا الموضوع بشكل شديد جداً، والكل أصبح يعلم عدم رغبتي بالزواج، ولم يتقدم لي إلا شاب يعمل ببنك ربوي رفضته في المقام الأول لعمله، وقد استخرت الله كثيراً والحمد لله، لكن المشكلة ليست هنا! بل المشكلة أن أخواتي بدأن تقليدي برفض كل من يتقدم لهن، خصوصا أن أختي تقدم لها شاب جيد ومحافظ، وأتمنى من الله أن يرزقها إياه، لكن تقول سأفعل مثلك، حاولت أن أوضح لها أنني فعلا لا أحب الزواج، إلا أن سبب رفضي للشاب الذي تقدم لي هو عمله.

ماذا أفعل حتى أقنع أخواتي بعدم حذو حذوي خصوصاً أنهن يقتدين بي في كل شيء؟

لا أريد أن أكون سبباً في تحريم ما أحله الله، ولا أريد أن أكون قدوة في ذلك، فهل أنا مذنبة؟

 

الإجابة:

أختي السائلة الكريمة، أنت إنسانة مسلمة، والإسلام رغَّب في الزواج، وهو من سنن الأنبياء والمرسلين الذين علينا الاقتداء بهم، وهو عبادة يستكمل بها العبد دينه، ويحفظ نفسه وأسرته ومجتمعه، ليظل في حالة من الطُّهر، والعفَّة، والنَّقاء، وبالتالي فالزواج ليس ارتباطا بين جنسين لأجل تلبية رغبات النفس وفقط، بل هي ميثاق غليظ يحقق مجموعة من المقاصد والغايات النبيلة، التي من أهمها: تحقيق الإحصان، والعفاف، وتحصيل معاني المودَّة والرَّحمة، والسَّكن والأمن النفسي، كما يحمي المجتمع من تحلُّل الأخلاق، وانتشار الرَّذائل، وتفشِّي الأمراض، وإقامة أسرة مسلمة مترابطة، وتنشئة أفراد صالحة ومستقيمة، تساهم في تحقيق التنمية والازدهار، الذي سيجعل أمتنا أمة قوية برجالها ونسائها.

 

لكن بعزوفك وعدم رغبتك بالزواج، ماذا تفعلين؟

 

إنك تسيئين أولا لنفسك، لأنك مهما كنت قوية ومستغنية ومثقفة ولديك أسرة، تحتاجين لوجود زوج في حياتك، يصونك ويحافظ عليك ويعقُّك، ويحميك من طمع الطامعين.

 

كما أنك بامتناعك عن الزواج تسنِّين سنَّةٍ سيئة، تتحملين وزرها ووزر من عمل بها، خاصة وأنه لا يوجد لديك أي موانع أو أسباب تمنعك عن الزواج، والمؤمن الحق هو من يكون هواه تَبَعٍا لما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا تبعاً لهوى نفسه وتقلباتها ورغباتها.

 

لهذا أذكرك بموعظةٍ بليغة وعظنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال العرباض بن سارية: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقيل: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «عليكم بالسمعِ والطاعةِ، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا؛ فإنهُ من يعِشْ منكم فسيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ. وإياكم ومحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» (البزار (جامع بيان العلم [1164/2])).

 

وفي حديث آخر: جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر، قال أحدُهم: أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخَرُ: أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ، وقال آخَرُ: أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: «أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساءَ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني» (البخاري [5063]).

 

والنصوص في هذا الباب كثيرة، تَتَبَّعيها في مواطنها كتابا وسنة، وستلاحظين بنفسك أنك مخطئة بتفكيرك وبإعراضك عن سنة، لم يخالفها من تقدمنا من النساء المؤمنات القانتات العفيفات، ولم يزهدن فيها لأن كل واحدة منهن كانت تعتبر الزواج علاقة تسمو بالنفس، وتعين على طاعة الله وحسن عبادته، وتقوي الأمة الإسلامية.

 

فأوصيكِ بما أوصاك به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو: عليك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، فما كان منهم من يرغَب عن الزواج زهداً ولا اتباعاً لهوى نفسه، إلا من لم يستطع منهم طَوْلًا.

 

كما أوصيكِ بأن تكوني قدوة صالحة بأفعالك كما بأقوالك داخل أسرتك ووسط بيئتك ومجتمعك.

 

والذي لاحظته أن أخواتك يحبونك ويعتبرونك قدوة لهن، فيقلدونك في كل شيء، وهذه نعمة منَّ الله بها عليك، فكوني بالنسبة لهن الأخت الداعية والمرشدة الناصحة.

 

وأنت الآن تتحملين مسؤولية مراقبة تصرفاتهن، وهذه أمانة عظيمة عليك بحفظها وعدم التقصير بشأنها، ولا يكتمل هذا الحفظ إلا باستقامتك على المنهج الصحيح والطريق المستقيم، فلا يرى منك أخواتك إلا ما يسرهن، فيتبعونك في مراقبتك لنفسك، واتباعك لدينك وتطبيقك لأحكامه.

 

لكنك برفضك للزواج حتى قبل أن يتقدم إليك من يخطبك، وبدون أن تقدمي أي مبررات، شجعت أخواتك على تقليدك لكن فيما يضرهن، وحتى لما رفضت من خطبك بسبب عمله في بنك ربوي، كانت صورة الزواج قد تشوهت بذاكرتهن، فصار من الصعب على الواحدة منهن أن تقبل بالزواج حتى لو كان الذي تقدم إليها رجل صالح.

 

لهذا عليك أن تسعي لحل هذا المشكل بتدرُّج وبحكمة، وتحاولي أن تصححي الصورة المشوهة للزواج لدى أخواتك، وتجلسي معهن وتحاوريهن، وتعرِّفيهن بمقاصد الزواج، وتحبِّبيه إليهن، وتقدمي إليهن نماذج مشرقة من بيت النبوة، ومن سلف الأمة، وكيف كانت علاقة الزواج تربط الرجال بالنساء بميثاق غليظ، وبرباط المودة والرحمة والسكن، ثم اشرحي لهن أنك كنت مخطئة برفضك للزواج.

 

وحاولي عمليا أن تتغيري من داخلك، وتتحرري من ذلك الحاجز النفسي وهو شعورك بالخجل أو الرفض أو الكره للزواج، وإذا خطبك من ترضين دينه وخلقه، وكان كفؤاً لك، واستشرت اهلك، واستخرت الله في أمره، واطمأنت نفسك إليه فتزوجيه، تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإن كانَ فيهِ قالَ إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ ثلاثَ مرَّاتٍ» (الراوي: أبو حاتم المزني المحدث: الألباني -المصدر: صحيح الترمذي [1085] خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره).

 

أسأل الله العلي القدير أن يفتح بصيرتك للحق وينير طريقك، ويرزقك الزوج الصالح، ويجعلك ممَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ، ويجعلك سببا لمن اهتدى.

صفية الودغيري

 

  • 0
  • 1
  • 5,704

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً