معاناتي مع أمي
أنا غير بارة بأمي، بسبب أني اكتشفت أن أمي غير صادقة، وأقوم برفع صوتي عند غضبي، وفي بعض الوقت لا أتمالك أعصابي، وأقوم بإخراج كلِ ما في داخلي، وأصب كل غضبي عليها، ثم أبكي بكاءً شديدًا، وعندها أرتاح، ثم أقوم بمعاتبة نفسي وألومها كثيرًا، فأنا لا أريد أن يقوم أبنائي في المستقبل بذلك معي، لكن ماذا أفعل؟
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أعاني مع والدتي كثيرًا؛ فهي لا تقول الصِدق في معظم كلامها، عندما كنت صغيرة كنت أصدِقها، ولم يخطر ببالي أنها تكذب علي، والآن عندما كبرت أصبحت أميِز الكذب من الصدق، وعندما تكذب لا أتحمل ذلك، وفي بعض الأحيان أواجِهها بذلك، فتقوم برفع صوتها محاولة إثبات أنها على حق، فتتغير ملامحي، ويعرِف من حولي بأن أمي غير صادقة، وأنا لا أريد ذلك، ويؤلِمني كثيرًا عندما تظهر أمي غير صادقة، وفي بعض الأحيان أقوم بالكذب من أجل أن تظهر أمي صادقةً في كلامها، وخصوصًا عند أهلها.
ملاحظة: عندما أكذِب في كلامي، ألوم نفسي، وفي بعض الوقت أقول: هذا ما تربيت عليه، فلماذا أعاتب نفسي؟!
أنا غير بارة بأمي، بسبب أني اكتشفت أن أمي غير صادقة، وأقوم برفع صوتي عند غضبي، وفي بعض الوقت لا أتمالك أعصابي، وأقوم بإخراج كلِ ما في داخلي، وأصب كل غضبي عليها، ثم أبكي بكاءً شديدًا، وعندها أرتاح، ثم أقوم بمعاتبة نفسي وألومها كثيرًا، فأنا لا أريد أن يقوم أبنائي في المستقبل بذلك معي، لكن ماذا أفعل؟
احترت كثيرًا، تعِبت، تألمت، ما الحل مع والدتي التي ربما تفقدنا دون أن تشعر؟ والسبب ما تقوم به من كذب وافتراء في معظم حديثها معنا، سامحها الله على ذلك.
أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أود بداية أن أحيِي فيك بعض السِمات الإيجابية، والتي في مقدِمتها محاسبة نفسك، والإقرار بالخطأ، وتقديرك لفضيلة الصِدق، وكذلك يقينك بأن كل ما تقدِمينه اليوم مع والدتكِ، هو دينٌ يرده إليكِ أبناؤك، وهي سِمات لها أهمية كبيرة، ليست في بناء الشخصية فحسب، بل وفي استثمارها في خطوات حلِ مشكلتك، بإذن الله تعالى.
أختي الكريمة، انطلاقًا من تقييمك لفضيلة الصِدق وحِرصك عليها، لا بد من مراجعة نفسك في أسباب تبنِيك هذا الاتجاه الإيجابي نحوها، فلو لم تكن البيئة الأسرية -التي تمثِل والدتك أحد مفرداتها- مؤمنة بأهمية هذه الفضيلة، وغرسوها في نفسك، لما كانت تلقى اليوم هذا التقدير منك.
إذًا؛ إذا كنت تجدين في نفسك تقديرًا لتلك القيمة، فإن لوالدتك فضلاً في تربيتك على ذلك؛ سواء كانت تمارس هذه الفضيلة على الدوام أم لا؛ بحسب تقديرك، ولأن الإنسان يحاسب عن نفسه فقط في ديننا الحنيف، وكذلك في القوانين الوضعية، فلا بد أن يكون لكلِ من أسهم في تجنيبنا الخطأ والآثام وفقهنا ذلك، فضلٌ كبيرٌ علينا؛ لأنه بذلك حال بيننا وبين العقاب.
إن تغيير اتجاهك الفكري على هذا النحو، يفتح لك سبل التفكير بواقعية وعقلانية أكثر، ويخفض بشكل كبير من مستوى المشاعر السلبية المترتبة على إشغال النفس والفكر بسلوكيات الآخرين، وطرق تفكيرهم وغيرها، وما يترتب عليها من مشكلات ليس أقلها انحراف الفرد نفسِه -سلوكيًا وفكريًا- في خِضم تلك الصراعات، وانظري يا أختي الكريمة كيف تحول بغضكِ لسِمة الكذب إلى عدم بر بوالدتكِ، فتعززت الصفة الثانية في نفسك وفي سلوككِ، ليس في مواقفك الجدلية معها وحسب، بل حتى في تعبيراتك في شرح مشكلتك، والتي تترجِم فِكرك وأسلوبك، فاستخدمتِ مثلاً كلمة "أهلها"، بدلاً من أن تقولي: بيت جدِي، كما أنكِ بدأتِ رسالتك بوصف أمك بأنها "لا تقول الصدق"، فكان تعبيرًا مقبولاً لوصف الحالة، لكنك ختمتِها بأنها تقوم "بالكذب والافتراء"، وهي ألفاظ شديدة للغاية لوصم والدتكِ بها، وهكذا.
أما عن قلقك يا عزيزتي من اكتشاف المحيطين لعدم صِدق والدتك -كما ترين أنتِ- فاعلمي يا أختي الكريمة أنه ليس بمقدور أيِ بشر أن يخفي أي صفة أو سلوك سلبي اعتاد عليه، مهما اجتهد هو أو آخرون معه لإخفاء ذلك، وكذلك الأمر مع الصفات الإيجابية، فمهما التبس على الناس معرفتها لدى أيِ فرد لأيِ سبب كان، لكن العاقبة تكون دائمًا باكتشافهم الحقيقة؛ ولهذا السبب أيضًا تكمن أهمية انشغال كلِ فرد بنفسه وعيوبها.
أختي الكريمة، إن ما قدمتِه يتضمن تصحيحًا وعلاجًا فكريًا في سبيل حلِ المشكلة، وعند تبنِيك إياه، فستجدين تغيرًا كبيرًا في سلوكياتك، ليس مع والدتكِ فقط، بل مع جميع المحيطين بكِ؛ لأن السلوكيات عمومًا هي ترجمة الأفكار والانفعالات الآنية أو المنمطة، كما أنصحكِ بالابتعاد عن المواقف التي تجدين أنها تسبِب لك غضبًا داخليًا من والدتكِ، فغالبية المواجهات والصراعات التي يدخل فيها الأفراد، لم تكن لتحدث لو تجنبوا مواقفها بحِكمة وعقلانية، فما بالك بحضور مواقف تجدين نفسك فيها رقيبةً ومقيِمةً ومصحِحة لوالدتكِ؟!
لذا؛ لا بد لك من العزم على تغيير ذلك كله، فاليوم أنت تواجهين ما تواجهين من مشكلات مع أمك، نتيجة هذا الأسلوب الفكري والسلوكي الذي لا يتسِم بالصواب، ولكون رابطتكِ بوالدتك لا يمكن فسخها، فيبقى الوصل بينكما متاحًا؛ لتصحيح وتصويب ما يعتري هذا الرباط، لكن تأملي يا أختي لو استمر نهجك هذا في تعاملك مع زوج المستقبل، ورأيتِ منه ما رأيتِ مما تكرهين، فهل تعتقدين استمرار حياتك معه لو مضِيتِ في ذات الأسلوب؟
وهنا أرجو منكِ أن تأخذي هذا الأمر في الحسبان؛ لأن كثيرًا من أسباب الطلاق -إن لم يكن أغلبها- هو سوء تقدير في التصرف والسلوك الذي يترجم خطأً أو أخطاءً في المفاهيم، وهذا بالطبع ما لا نتمناه لكِ أبدًا.
أما البعد الآخر لمشكلتك، فهو بعدٌ ديني مهم وخطر في مجال برِك بوالدتك، فمن البديهيات التي ندركها كمسلمين، أن عقوق الوالدين -والعياذ بالله تعالى- يُعتبر من الكبائر التي نسأل الله تعالى أن يحفظنا منها؛ ولهذا أرجو منكِ أختي الكريمة، أن تعمدي لاستشارة أحد علماء الدين الأفاضل في هذا الأمر؛ ليفقِهك أكثر في هذا الشأن، ويوعِيك بخطورة ما أنتِ عليه، فإني أجِدك بحاجة ماسة لذلك، واعلمي أنه جزءٌ مهم وأساسي في علاج مشكلتك.
وأختم بدعاء الله تعالى أن يصلح شأنك كله، ويجعلك من البارات الصالحات، وينفع بكِ، وكلنا حِرص أن نسمع منك مجددًا.
أ. شروق الجبوري