هذه مشكلتي: ابنتي متمردة
لا يخلو قلب من هموم.. ولا تخلو حياة من مشكلات وآلام، تلك سنة الله في خلقه، والإنسان دائماً وأبداً يحتاج لمن يرشده ولمن يأخذ بيده، (فلا خاب من استخار، ولا ندم من استشار) والمسلم دائماً على ثقة في أن كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما العلاج الناجع والدواء النافع لكل مشاكل الحياة..
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أهمس إليك بمشكلتي وأرجو منك النصيحة لله: فأنا مطلقة منذ 10 سنوات ومعي طفلان، وظلمني مطلقي فلم يعطني أي شيء من حقوقي، ويرفض النفقة على الطفلين وأقمنا دعوة نفقة وحكمت المحكمة بمبلغ ضئيل، والأولاد الآن في المرحلة الإعدادية، البنت بالصف الأول الإعدادي وهي أكملت حفظ عشرة أجزاء من المصحف الشريف، وكانت مطيعة هادئة، لكنها أصبحت الآن في ثورة عارمة بالمنزل لا تسمع الكلام إطلاقاً حتى في أصغر الأشياء، دائمة الكُره والبغض لأخيها -بسبب تفضيل أمي البنت عن الولد لأنه يشبه أباه ويذكرها بكل ما فعله معي- لا تشكر لأي شخص صنيعه، ليس لها أصدقاء بنات من سنها أو أكبر منها أو أصغر منها، ولا تستطيع أن تقيم علاقة محبة بينها وبين أقرب الناس إليها الآن، تحاول البحث عن والدها والذهاب إليه رغم أنها كانت تكرهه، وهو يهرب منها لأن عليه قضية حبس (بسبب النفقة)، أختي إنني أخطأت في تدليلها حتي أصبحت هكذا فما العمل؟ وكيف أعيدها كما كانت هادئة مطيعة؟
الأخت الفاضلة.. سلام الله عليك ورحمته وبركاته، أما بعد.
فإن الأبناء حصيلة البيئة التي تربوا فيها، ونتاج تعامل الآباء وأسلوبهم..
والبيئة التي تربت فيها ابنتك بيئة مضطربة، تموج بالخلافات بينك وبين أبيها، والمعايير والقيم فيها مختلفة بتقديرك وتقدير أبيها، وإذا كانت ابنتك ملاكاً طاهراً بالأمس فلم يكن ذلك معناه أنها لم تكن تحمل في طياتها عوامل الثورة، لأن هناك ما يسمى بـ(التأثير النائم) وهي الأحداث التي تؤثر في شخصية الطفل، ولا تظهر تأثيراتها إلا بعد سنين..
فما ظهر كان مختبئاً بداخلها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فابنتك في بداية مرحلة المراهقة وهناك تغيير فسيولوجي حاد في وظائف الهرمونات، وهناك تغيرات بالجسم، وهذا كله يؤثر على الانفعالات وردود الأفعال، بل يؤثر على الصورة الذهنية التي تكونها الفتاة في هذه السن عن الآخرين، فهي ترى العالم بمنظور مضطرب، بالإضافة إلى أن الفتاة في هذا العمر بحاجة إلى الأب كأشد ما يكون، وهذا يفسر بحثها عن أبيها رغم كرهها له سابقاً؛ لأنها ربما كانت تراه ظالماً لك، لكن وبعد هدوء العواصف، شعرت أنها تحتاجه عاطفياً ومادياً، وربما يكون مصدر أمان لها، لذلك فإن عليك أن تفهمي طبيعة هذه المرحلة وخصائصها سواء عن طريق الكتب أو دورات تربية الأبناء، حتى تكوني على دراية تامة وتلتمسي لابنتك الأعذار..
لكن في نفس الوقت لا بد من تعليمها مبادئ الإسلام وتعاليم الشرع، في العبادة والمعاملة والخلق وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة؛ اجلسي معها جلسة مصارحة ودية، اسأليها عما تريد وعما تحب، وأخبريها بما تحبين وما تريدين، واعقدا اتفاقاً بينكما في جو من الصداقة والمحبة، هذا الاتفاق تتنازلين فيه عن أسلوبك القديم معها من نهر وزجر وسخرية واتهام ولوم وعقاب، وتنهجين أسلوب الاستيعاب والاحتواء والانطلاق من تفكيرها وتفهمها، وتتنازل هي عن أسلوبها الثائر وتعبر عن رأيها بحرية ومسئولية وواقعية، وتشتركان معاً في وضع الحلول للمشاكل، هذا لكيلا تجنح ابنتك مستقبلاً لمن يتفهمها سواك..
واحرصي على تحبيب ابنتك في أخيها وتعريفها بأن كل إنسان محاسب على فعله، فما ذنب أخيها من تحمل ذنب أبيه، وهذا الكلام يوجه لوالدتك بالدرجة الأولى؛ فسيحاسبنا الله على ما نعامل به أبناءنا، فعلينا أن نحسن المعاملة وأن نعالج الأمور بالحكمة واستحضار عواقب الأمور، اجعلي بيتكم روضة من رياض الجنة بالقرآن والذكر؛ داومي على الدعاء خاصة عند الفطر وعند ثلث الليل الآخر، بأن يفرج الله كربك ويهدي ابنتك، واعلمي أن نفسية ابنتك انعكاس لنفسيتك، فكوني راضية هادئة واثقة بنصر الله ومعيته لك، وكوني على صلة قوية بالله، عسى الله أن يعوضك وأبناءك خيراً ويصلح لكم الأحوال، إنه على كل شيء قدير.
نادية عدلي