كنت طائشة وتبت.. وأخاف من الحساب

منذ 2015-07-13

الخوف من أهوال يوم القيامة من الإيمان ومن مؤشرات الخير، لكنها لا مناص من رؤيتها فالمرء عليه أن يعد لها لا أن يهرب من لقائها لأنه لا مناص من الهروب منها، وقد بشرنا القرآن العظيم ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بأن الصالحين مأمونون من مخاوف يوم القيامة وأهوالها قال سبحانه: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جعل الله موقعكم هذا في ميزان حسناتكم إن شاء الله.
شيخي الفاضل: "لقد كنت فتاة طائشة، ثم تبت والحمد لله، ورزقني ربي بالزوج الصالح الذي لطالما كنت أتمناه، سؤالي هنا كلما تذكرت الماضي أشعر بالضيق والخوف من أن ربي لم يغفر لي ويتوب علي، وكلما تذكرت يوم القيامة خفت كثيراً؛ لأنني لا أتمنى رؤية أهوال يوم القيامة، ولأن الدول الغربية تنشر الشائعات بأن نهاية العالم ستكون في 2012! أنا أعلم أن ربي هو علام الغيوب وهو خالقنا الوحيد الذي يعلم متى ستكون نهاية العالم..

ولكني كلما تذكرت كلام الغرب شعرت بالخوف، وحتى عندما أعلم أن هناك مشاكل بين دول أشعر بالخوف؛ لأني لا أريد أن تنتهي الدنيا، والآن يتكلمون بتغيير المناخ والذي سيؤدي لنهاية الأرض قريباً، فما رأيك بهذا الكلام؟! دائماً أشعر أنني لست مستعدة للحساب، فماذا أفعل؟ وكيف أستعد؟ فأنا دائماً أشعر أني مقصرة، كيف أزيد إيماني؟ وكيف أجعل ثقتي بالله كبيرة؟ جزاك الله خيراً".

الإجابة:

الأخت السائلة: كل بني آدم خطاء، والجميع يذنب، والجميع يقصر في واجباته ومقتضيات العبودية لله سبحانه، البعض يزيد ويطغى ويكثر، والبعض مقل عائد منيب، والله سبحانه شرع لنا شرعة وسطًا ملؤها الرحمة والعفو، وعلمنا أن رحمته وسعت كل شيء، وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فسمعته ساجدًا يقول: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".

وفارق كبير في ميزان الشريعة الإسلامية بين من كانت فتاة طائشة بحسب تعبيرك، ثم مَنَّ الله عليها بالتوبة والأوبة إلى ربها، وبين أخرى لا تزال طائشة عاصية مكابرة غافلة، فالأولى مَنَّ الله عليها بتغير حالها وتحسن سلوكها، والثانية لا تزال منغمسة في الذنا، لا يدري أحد هل تعود أو يدركها الموت وهي على ذلك؟

ضيقتك أيتها الكريمة التي تشعرين بها كلما تذكرت الماضي علامة خير، ودليل على توبتك إلى الله سبحانه، فقد علمنا سلفنا الصالح أن التوبة لا تزال منقوصة مادامت حلاوة الذنب في قلب المرء، كلما تذكره حن إليه ورغب في العودة فيه، وأنها لا تكتمل إلا بكره الذنب ونبذه في القلب كما نبذه بالعمل.

كذلك خوف المرء ألا تقبل منه توبته شيء إيجابي ليس سلبياً، فالصالحون يطيعون ربهم سبحانه ويخشون ألا يتقبل منهم، فيبذلون إخلاصهم ودعائهم حتى يتقبل منهم، والغافلون يقيمون المنقوصات ويظنون أنهم يحسنون صنعاً، وفي الحديث أن عائشة قرأت آيات سورة المؤمنون: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، فقالت: "يا رسول الله هو الذي يسرق، ويزني، ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل، قال: «لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي، ويصوم، ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل» (رواه احمد). وفي رواية الترمذي: «لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلون، ويصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يتقبل منهم».

أما الخوف من أهوال يوم القيامة من الإيمان ومن مؤشرات الخير، لكنها لا مناص من رؤيتها فالمرء عليه أن يعد لها لا أن يهرب من لقائها لأنه لا مناص من الهروب منها، وقد بشرنا القرآن العظيم ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بأن الصالحين مأمونون من مخاوف يوم القيامة وأهوالها قال سبحانه: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103].

أما ما تسمعينه عن الغرب وما ينتشر من شائعاتهم فهو محض هراء وكذب ووهم، فالله سبحانه عنده علم الساعة، ولم يطلع عليها أحد، وإن كانت علاماتها تبدو وتظهر وتزداد ظهورا لكن وقتها عنده سبحانه: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187].

أما عدم رغبتك في أن تنتهي الدنيا: فإن كانت تلك الرغبة لأنك تريدين التزود من الطاعات، والاستعداد للقاء الله فهو خير وحسن، وإن كانت لغير ذلك وفرحاً بالدنيا فإنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة والآخرة خير وأبقى قال سبحانه: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد: 20].

وأنصحك بقراءة القرآن وتدبره كثيراً بقدر ما تستطيعين، والثبات على ورد قرآن يومياً، فإن في القرآن إجابة كاملة على كل أسئلتك، وفيه شفاء لما في الصدور.

 

خالد رُوشه

  • 1
  • 0
  • 6,048

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً