عدم وعي أمي أوقعني في شباك العادة السرية
ذكريات حياتنا هو عبارة عن قاموس مليء بالمواقف والمشاعر وبالصور والأشخاص، فمنها الذكريات السعيدة ومنها المؤلمة التي إن سمحنا لها أن تحاصر ذهننا؛ فإنّها حتمًا ستؤرقنا وستشعرنا بالتعاسة والإحباط.
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
أنا فتاة عمري 17 سنة، مُشكلتي مع والدتي، لم تكن لدي أي علاقة معها، عندما كنت صغيرة تربيت على يد أختي، وبعد أن تزوجت ضعت. ذات يوم أدخلتني والدتي لغرفتها لأنام عندها، ولكن بدأت بعلاقة جنسية هي ووالدي. وبعدها للفضول جربت العادة السرية، ورآني أحد أقربائي فتحرش بي، وبعدها أدمنت العادة السريعة، ورأتني أمي مرة، ولكنها اكتفت فقط بتهديدي، ولم تقل لي هل ما أفعله صحيح أم لا! صعقت عندما وعيت على ما أفعل وأنا في سن الرابعة عشر من عُمري، وأصبت بحالة من الهستريا، وكرهت نفسي لأبعد حد، وكرهت كل الأشياء حولي لدرجة التفكير بالانتحار عدة مرات، ومع أنني اجتماعية أصبحت انطوائية، حاولت التوقف عنها ولم أستطع.
الآن لا أستطيع مسامحة والدتي، ولا أستطيع المحافظة على صلاتي، وأصبحت محطمة، ولا أستطيع الإفصاح عن مشاعري، لدي ردود فعل غريبة، عندما توفي أخي لم أستطع البكاء، وعندما توفيت قريبتي كنت أضحك على بكاء أمها! أكره ذلك.
لا أستطيع التعامل معها؛ هي الآن كبيره في السن ، أتمنى أن أرضيها ولكني لا أستطيع، لا أستطيع مسامحتها، هي فقط دمرت حياتي، والآن بكل بساطة تسألني هل هناك عدوانية بيني وبينك؟
جزء من شخصيتها هو ذلك المتسلط. لا تحب التحدث بانفراد، تكره كل شيء به مشاعر، دائمًا ما تجرحني بكلامها: أنتِ لا نفع منك، أنتِ لا ذوق لك، الله يريحني منك. دائمًا تدعو علي.
أريد الحل، لا أريد أن أعيش في صراع مع نفسي، لا أريد أن أنجب طفلة لا تطيعني، وتكرهني. أرجوكم ساعدوني، أنا حقًا أفكر بأشياء غريبة فقط لتفادي النظر في عينيها.
الابنة الفاضلة: سارة، حفظها الله.
ذكريات حياتنا هو عبارة عن قاموس مليء بالمواقف والمشاعر وبالصور والأشخاص، فمنها الذكريات السعيدة ومنها المؤلمة التي إن سمحنا لها أن تحاصر ذهننا؛ فإنّها حتمًا ستؤرقنا وستشعرنا بالتعاسة والإحباط، وستؤثر على واقعنا ومستقبلنا، فإذن الأمر بيدنا، إذ أنه باستطاعتنا أن نضع لهذه الذكريات حدًّا في الوقوف على ما هي عليه؛ حتى نستطيع أن نمضي قدمًا بدون أي ألم.
ابنتي، أنا أعلم وأدرك بأن ما مررت به ليس بأمر سهل أبدًا، فأن تري أمورًا لا يتحمّل عقلك فهمها من أمور حميمية بين والديك، والتعرّف إلى أمور ليست في عمرك، والتحرّش الذي تعرّضت له، وممارستك للعادة في سن صغيرة؛ كلّها أمور صعبة ولكن لم تكن بإرادة منك، فأنت كنت آنذاك طفلة صغيرة لا تملك الوعي ولا القوّة أو القدرة، ولكن الآن وقد أصبحت فتاة شابة، فأنت تملكين الكثير والكثير، فأنت تملكين العزيمة والإرادة والنضج، والقوّة والقدرة والمعرفة؛ لتتخلّصي ولتحرّري من آلام الماضي وقيده، ولتبدئي حياة طبيعيّة من جديد.
أول خطوة عليك القيام بها هي: أن تتوجهي إلى الطبيبة النفسية برفقة أختك؛ لأنه من خلال الأعراض التي ذكرتها في استشارتك من عدم استمتاعك بالحياة والنظرة السوداوية تجاهها، جلد الذات وتدنّيها، وتبلد المشاعر، والانطوائيّة، محاولتك الانتحار عدة مرات؛ كلها أعراض تشير إلى أنّك تعانين من اكتئاب؛ لذلك لا بد من أن تقومي بعرض نفسك على الطبيبة النفسيّة التي ستقوم بتقييم شامل لحالتك، وتساعدك على تخطّي هذه الصعوبة، وتعيد تأهيلك تأهيلًا نفسيًّا وصحّيًا واجتماعيًّا من خلال تعديل أفكارك المرافقة لسلوكك الذي يحتاج إلى التغيير بشكل إيجابي، كما أنك معها ستتاح لك فرصة للحديث عما حصل معك في الماضي، وتفرّغين ما يختلج في صدرك من مشاعر تجاهها، ولكن إلى جانب الطبيبة يجب أن تدركي أنّه إن لم توجدي في نفسك بداية العزيمة القويّة والإصرار القوي على التغيير، وعلى نزع كلّ الأفكار السلبيّة التي تراودك، والبدء من جديد؛ فلن يستطيع أحد فعل ذلك عنك، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
الخطوة التالية، وهي خطوة مهمّة جدًّا، ألا وهي: مسح كلّ المواقف الماضية المؤلمة التي حصلت لك في الماضي، وعدم الاستمرار في وضع اللوم على والدتك سامحها الله، فما بدر منها ما هو إلاّ جهل في التربية وفي أساليبه، وعدم الوعي الكافي لذلك، أمّا سبب تعاملها معك بالطريقة التي ذكرتها؛ فهذا حتمًا هو ردّ فعل للجفاء الذي في قلبك والمشاعر التي تحملينها تجاهها؛ فهذا ما يثير لديها الغضب، فسؤالها عن سبب العدائيّة التي تكنينها تجاهها دليل على أنّ معاملتك لها بسوء أمر يحزنها، ويسبب لها الضيق.
ابنتي، أنا أؤكد لك أن والدتك تكنّ لك مشاعر الحبّ والتقدير، رغم خطئها الكبير غير المتعمّد، ولكن يا ابنتي الخطأ لا يسقطُ حقَّها عنك أبدًا، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، فلذلك أوصيك يا ابنتي أن تغفري وتصفحي عنها تسامحيها، فمهما حصل تبقى هي أمّك، وبرّيها واحتسبي الأجر في ذلك، وبإذن الله لن يضيّع الله لك ذلك، وسيظهر أثر هذا البرّ إن شاء الله في أولادك، وأكثري من الدعاء لها.
- انظري إلى الحياة نظرة إيجابيّة، فما زلت شابّة وفي مقتبل العمر، فقد حباك المولى بكثير من النعم، من قدرات ومواهب وذكاء، فعاودي اكتشافها من جديد، وقومي بتنميتها وتوظيفها في المكان المناسب، اجتهدي أن تكوني شخصيّة أكثر تميّزًا ذات بصمة مضيئة في مجتمعك، والذي يساعدك على ذلك تعزيز ثقتك بنفسك، وتقدير ذاتك، وتطوير مهاراتك، حضور دورات تدريبيّة في تطوير الذات، وتعزيز الثقة بالنفس، وقراءة الكتب المتنوّعة.
ابدئي في وضع أهداف تحقّقينها في حياتك، واسعي بتحقيقها من بعد أن تضعي الخطط لها.
- اطردي الفراغ بالعمل النافع؛ فالفراغ يفتح لك ملفّات الماضي ويجلب الهموم، فأشغلي نفسك بالمفيد من حفظ القرآن الكريم، وممارسة الهوايات، وقومي بتنمية ما لديك من مهارات، وشاركي في الأنشطة الاجتماعيّة والتطوّعيّة ومساعدة المحتاجين؛ فهذه الأنشطة تنمّي خبرتك وتصقل شخصيّتك، وتكسبك الأجر والثواب، وخاصّة في هذا الشهر الفضيل.
- املئي الفراغ الروحي لديك، وعزّزي إيمانك؛ فلذلك أثر كبير في مواجهة اليأس والضيق والإحباط، فكلّما كانت ثقتك بالله تعالى وبرحمته أكبر؛ كلّما أصبحت لديك الدافعيّة والعزيمة أكثر لمواجهة صعوبات الحياة.
- تقرّبي من الله سبحانه وتعالى، فها نحن الآن في شهر فضيل، تكثر فيه الرحمات، فتقربي إليه عزّ وجل بالعبادات، وبترك المعاصي والذنوب، والقيام بعمل الخير والعبادات المفروضة والنوافل، فلكل لحظة في هذا الشهر الكريم أجر عظيم وبركة.
وأمّا بالنسبة لممارستك للعادة السرّيّة، فإليك بعض النصائح التي ستعينك بإذن الله على تركها:
- خذي القرار الحاسم ومن الآن بالتوقف عن هذه العادة، واستعيني بالله سبحانه وتعالى.
- اضبطي نفسك وجاهديها لتمنعيها من هذا السلوك الذي لا يتوافق مع الفطرة البشريّة، والتي هي ممارسة لا توصل إلى الإشباع، لكنها توصل إلى الهيجان.
- تخلصي من كل ما يذكرك بالممارسة من أماكن أو وسائل أو عوامل تؤدي إلى إثارتك جنسيًّا من أفلام ومسلسلات، وفيديوهات ومواقع إباحيّة، وحاولي القضاء عليها نهائيًّا.
- لا تذهبي إلى غرفتك إلا عند شعورك بالنعاس الشديد جدًّا، واحرصي على أن تنامي على ذكر وطهارة، وعطري غرفتك بأريج تلاوة القرآن الكريم بصوت قارئ محبب إليك.
- راقبي الله سبحانه وتعالى في سرك وعلانيتك، واستشعري مراقبة الله سبحانه وتعالى لك.
- ابحثي لك عن صحبة صالحة تقضين معها وقتك، تعينك على التقرّب من الله سبحانه وتعالى.
- ادخلي إلى الاستشارات التي تتحدث عن أضرار العادة السرية، وحاولي أن تطلعي عليها؛ لتعرفي مدى أضرارها النفسيّة.
- حافظي على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ.
وختامًا ابنتي الحبيبة: تعليقًا على أنّك تخافين أن تكون لك بنت غير بارّة بك، فأقول لك يا ابنتي: إن الأهل هم القدوة لأولادهم، فهو يكتسب منهم السلوك السليم والتصرّفات الجميلة والأخلاق العالية حتى لا ينحرف في المستقبل، الأم خاصّة هي المدرسة التي يتخرج فيها الأولاد، وحسن اختيارها ينشأ عنه نجابة الأولاد واستقامتهم وصلاحهم، فكوني قدوة صالحة، وتسلّحي بالعلم، واجتهدي في دراستك، فالعلم نور، خذي العبرة ممّا قد واجهته في حياتك؛ حتى تستخدميها في حياتك المستقبليّة.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على طاعته ورضاه، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
ننتظر منك رسالة جديدة تخبريننافيها عن المستجدّات الجديدة بعد زيارة الطبيبة .