طفلي متعلق بي جدا .. فهل من نصيحة؟
تعلق الطفل بوالدته هو أمر طبيعي، وميكانزم ذاتي يستخدمه الطفل للشعور بالأمن والحماية، فالطفل يولد كائنًا ضعيفًا هشًا يحتاج إلى الكثير من الرعاية والاهتمام حتى ينمو ويكبر، وفي هذه الأثناء يبدأ الطفل بتطوير حركات وسلوكيات معينة تقرب منه والدته أكثر وتعزز العلاقة بينهما.
لدي طفل عمره 21 شهرًا، وهو متعلق بي جدًا، وهذا الأمر سبب لي مشكلة مع طفلي، لأنه يخاف جدًا ولا يلعب كبقية الأطفال، يعني مثلًا: إذا أراد أن يلعب يلعب معي، وإذا أراد أن يأكل يأكل معي، ودائمًا يبكي بسبب ومن غير سبب.
أختي الكريمة: حياك الله تعالى، وبارك لك في طفلك، وأقر عينك به دنيا ودين.
أختي الكريمة: إن تعلق الطفل بوالدته هو أمر طبيعي، وميكانزم ذاتي يستخدمه الطفل للشعور بالأمن والحماية، فالطفل يولد كائنًا ضعيفًا هشًا يحتاج إلى الكثير من الرعاية والاهتمام حتى ينمو ويكبر، وفي هذه الأثناء يبدأ الطفل بتطوير حركات وسلوكيات معينة تقرب منه والدته أكثر وتعزز العلاقة بينهما، فهذه العلاقة وهذا الارتباط ضروري لبقاء النوع؛ فيبدأ الطفل منذ أيامه الأولى بمحاولة تقريب والدته منه بالبكاء عند ابتعادها، وبالابتسام والمتابعة بحركة العين كي تهتم به والدته وترعاه وتحميه، ومع الأيام يزداد التواصل بين الأم وطفلها ويزداد التعلق أيضًا، لأن الطفل يتعلم أن ارتباطه وقربه من والدته يوفر له الشعور بالراحة والطمأنينة، فيزداد خوف الطفل مع نموه من الانفصال عن والدته التي هي رمز رعايته وحمايته وأمنه.
والتعلق في حدود الطبيعية هو أمر صحي ومؤشر على نمو الطفل النفسي والعقلي والوجداني السليم، لكن إن زاد هذا التعلق عن حدوده الطبيعية، وأصبح يعيق الأم عن القيام بمسؤولياتها وواجباتها، ويعزل الطفل عن الاختلاط بالأطفال الآخرين، ويجعله ملتصقًا بها بشكل خانق، فهنا يتطور إلى تعلق مرضي أو غير صحي ينبغي التنبه له ومعالجته.
وينبغي أيضًا مراعاة عمر الطفل عند الحكم على ارتباطه وتعلقه بأمه، والطفل في هذا العمر كثير الارتباط بالأم عادة، لكنه في عمر السنتين سيميل إلى الاستقلالية أكثر، ويخف ارتباطه بأمه واعتماده عليها.
ولتعلق الطفل الزائد بأمه أسباب عادة منها:
- إفراط الأم في حماية الطفل والخوف عليه، وإظهارها القلق والخوف عليه بشكل مبالغ فيه.
تلاعب الأم بمشاعر طفلها، كأن تهدده أحيانًا بأنها ستتركه أو تبتعد عنه، أو تتلاعب بحبها له فتقول له عندما يقوم بسلوك لا ترضاه: أنا لا احبك، فهذه أمور تشعر الطفل بالخوف، ويشعر أن وجود أمه وحبها له غير ثابت وغير آمن، فيلاصقها لشعوره بالخوف من فقدانها أو فقدان حبها له.
الدلال الزائد للطفل، وتعويد الطفل تحقيق رغباته وطلباته، ومن كلامك ووصفك لسلوكيات طفلك، فأنا أعتقد أنك قد أفرطت في دلاله، فهذا البكاء لأتفه الأسباب ورمي الطعام والحاجيات هو مؤشر على هذا الدلال.
كما أن استخدام الأم القسوة أيضًا أو الصراخ والشدة في التريبة قد يزيد من التصاق الطفل بأمه وخوفه من فقدان حبها وابتعادها عنه.
انعدام دور الأب في حياة الطفل، كأن يغيب الأب أغلب اليوم عن طفله بسبب العمل أو المسؤوليات أو بسبب سفره، أو تعامل الأب بقسوة مع الطفل مما يجعل الأم هي الشخص الوحيد الذي يمثل الحماية والحب والرعاية للطفل فيزداد تعلقه بها.
ابتعاد الأم بشكل مفاجئ عن طفلها لسبب ما، ثم عودتها إليه يزيد من تعلق الطفل بها وخوفه من فقدانها مجددًا.
- أن تكون الأسرة معزولة اجتماعيًا، كأن تكون فرص اختلاط الطفل بالأقارب والأصدقاء محدودة، ولا يتعود الطفل وجوده بين أشخاص آخرين منذ صغره.
فغالبًا -سيدتي- تكون أساليب التربية السلبية أو الظروف المحيطة هي التي تعزز هذا التعلق الزائد للطفل بوالدته.
ولكي تعالجي المشكلة:
زودي طفلك بإشارات حبك له، فاحضنيه أكثر وقبليه، والمسيه بنعومة وحب، والعبي معه أكثر وشاركيه اهتماماته، وعبري له بالكلام أيضًا عن حبك له.
خففي من دلالك له ومن الحماية المفرطة التي تحيطينه بها، واستخدم الحوار والحديث والإقناع في تعاملك معه، وقولي لا عندما تحتاجين لهذه الكلمة، فلا تستجيبي لكل طلباته، فينبغي أن يكون هنالك حدود وقوانين يتعلمها ويتعلم احترامها، ولا تستجيبي لبكائه عندما يكون دون سبب مقنع حتى وإن بالغ فيه، فالدلال يضعف ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على حماية ذاته، لهذا فطفلك يشعر بالخوف كثيرًا، لأنه لا يثق بنفسه، والدلال يحرم الطفل من تعلم مهارات الاعتماد على النفس والمهارات الحياتية التي تعزز من ثقته بنفسه، فتجدي الطفل المدلل سريع الشعور بالإحباط، أكثر خوفًا من أقرانه.
أن تتجنبي الابتعاد عن طفلك فجأة دون أن تخبريه ويراك وأنت تذهبين وتطمأنيه بأنك سوف تعودين، فينبغي أن يدرك الطفل أن غياب أمه عنه يتبعه عودتها، فالغياب المفاجئ للأم عن طفلها من شأنه أن يولد الخوف من فقدانها في نفسه.
أن تجعلي هنالك روتينًا في حياة طفلك، ويكون هنالك تنظيم وتحديد لأوقاته ونشاطاته اليومية، وأن يكون هنالك أيضًا قواعد وأنظمة ثابتة في البيت، فيكون هنالك مواعيد منظمة للأكل والنوم والخروج واللعب، فالروتين من الأمور التي تشعر الطفل بالأمن.
ابدئي بتعويد طفلك الاستقلالية والاعتماد على النفس أكثر، فشجعيه على عمل الأشياء وتعلم المهارات المختلفة، فكلما زادت قدرة الطفل على الاعتماد على النفس والقيام بمهارات وأمور أكثر، كلما زادت ثقته بنفسه وبقدرته على حماية نفسه وخف ارتباطه بأمه.
أشغليه بنشاطات يحبها ويستمتع بها، ووفري له ألعابًا ينشغل بها.
لاعبيه ومثلي له أدوارًا تخيلية، فتمثلين مثلًا أنك أنت الطفل وأنه هو أمك، وأنت تتعلقين به بشكل كبير يزعجه، وتضايقينه بتعلقك هذا، ثم انهي هذه التخيلات بأن الطفل سيتعلم كيف يبتعد عن أمه ويلعب مع أطفال آخرين ويشعر بالسعادة لذلك، حتى يتنبه لتعلقه بك وأنه أمر يضايقك ويعيقك عن أداء أمورك، وأن ابتعاده عنك لبعض الوقت ليس أمرًا سيئًا.
اجعلي لزوجك دورًا في حياة طفلك، ودعيه يشارك في رعايته وفي إمضاء بعض الوقت معه يلاعبه ويهتم به، فيشعر بحبه وحنانه فيوزع تعلقه بينكما.
وفري له فرصًا للاختلاط بأطفال آخرين، وبأناس آخرين، وقد يزداد تعلقه بداية وخوفه، لكنه مع الوقت سيتعود على وجود الأشخاص وسيقل خوفه تدريجيًا، وشجعيه على اللعب بالأطفال والاختلاط بهم بمساعدتك بداية وبالبقاء قربه حتى يألفهم، ثم اتركيه لفترة معهم.
تجنب الخلافات الزوجية أمامه، لأن الخلاف والشجار والغضب أمر يشعر الطفل بالخوف ويهدد شعوره بالأمن والاستقرار.
تجنبي إظهار القلق بشكل عام في تصرفات، فالطفل يستشف مشاعره والدته ويشعر بها والقلق من المشاعر التي تنتقل بسهولة للأطفال، فحاولي أن تظهري الهدوء والسرور دائمًا في سلوكياتك وفي تعاملك، حتى يشعر بالراحة والطمأنينة ولا يتطور القلق لديه.
وبالنسبة لخوفه الزائد، فهو من نتيجة الإفراط في حمايته والمبالغة في دلاله والخوف عليه، فكلما ساعدته على تعلم الاستقلالية وتعلم المهارات المختلفة، وكلما عززت ثقته بنفسه كلما أصبح أقدر على التغلب على مخاوفه وأكثر قدرة على الاعتماد على نفسه.
ولا تقلقي -أختي الكريمة-، فهذه المشكلة يمكن معالجتها، وعادة تخف كلما كبر الطفل باستخدام الحكمة والصبر والروية، وبتطوير شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه، وإشعاره بثبات حبك ووجودك في حياته.
ودمتم سالمين.