ابني الأوسط عنيد ولا يهمه عقابي!
التفاهم بين الآباء والأبناء يُبنى على المعرفة الدقيقة لشخصه ولطريقة تفكيره، ولمعرفة ظروفه، ويكون بمشاركته همومه الصغيرة، والإلمام بكل ضيق قد يمرّ به وكل حلم قد يحلم به.
أنا أم لأربعة أطفال، أعمارهم (8-6-4-وسنة ونصف) زوجي يعمل بعيدًا عنا، وأنا مسؤولة عن تربيتهم، عندي مشكلة مع ابني ذي الـ6 سنوات، صار التفاهم بيننا صعبًا، ومستحيل أن يعمل ما أطلبه منه، لدرجة أنه صار يعاندني حتى بدروسه، لا يريد أن يدرس، خطه كان رائعًا جدًا، ثم صار أسوأ خط بالصف، يذهب للسوبر ماركت ويذكر أني سمحت له، ومن المستحيل أن يعمل أي شغل إلا بعد شجار ورفع صوتي عليه وأحياناً ضربه. كان طيبًا جدًا لا يضرب أحدًا، لكنه تعرض لمشاكل من أصحابه، وصار يدافع عن نفسه بالضرب، وصار الضرب عاديًا، حتى إنه يضرب إخوانه على أي شيء، وأعاقبه وأحبسه، وآخذ ألعابه، فيذكر لي أن ذلك عادي لا يهمني! وحرمته من كثير من الأشياء فيقول: الأمر عادي!
بصراحة: أنا لا أحب أن أتصرف معه تصرفًا يؤدي إلى أن أخسره، لكني أحيانًا لا أصبر فأضربه وأذكر له لماذا ضربته، ويكون قد أحدث أكثر من شيء أدى لضربه.
كيف أجعله يرد علي بطريقة صحيحة؟ هو حالياً يقول: أنت لست المديرة علي، لا أريد أن أرد عليك!
أرجو أن أجد حلاً عندكم، علمًا أنه الوحيد الذي بكسر كلامي ويعاندني من إخوانه.
آسفة على الإطالة. وشكرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
جميل أنك عنونت لطلبك بـ"ابني العزيز"، وأتمنى أن تنطلقي في المرحلة الجديدة في التعامل معه مستحضرة حبك له وحرصك عليه، وحنانك وإشفاقك على نبتك، وغرسك الغض؛ لينمو سويًّا من أي اعوجاج ويسلم من أي سوء قد نسببه نحن الأهل قبل غيرنا.
اعلمي عزيزتي أن التفاهم بين الآباء والأبناء يُبنى على المعرفة الدقيقة لشخصه ولطريقة تفكيره، ولمعرفة ظروفه، ويكون بمشاركته همومه الصغيرة، والإلمام بكل ضيق قد يمرّ به وكل حلم قد يحلم به.
لذا: عليك أن تتعرفي على أنماط أفكارك بعد أن تتعرفي على ذاتك، من خلال القراءة في الكتب وفي النت "أنماط الشخصية" فأنت لك نمط خاص، لك طريقة في التفكير، ولعواطفك حيز معين واستخدامات معينة، ولكل واحد من أبنائك نمط خاص به؛ إذا عرفت ذاتك وعرفت أنماط أبنائك، وسعيت إلى تهذيب شخصياتكم؛ فسترتقين بالتعامل معهم، وستنجحين بسهولة ودون عقبات كبيرة بحول الله.
من هنا أدعوك عزيزتي إلى التقرب إليه كأم صديقة حنونة تهتمين به وبإخوانه، وتقدمينهم على أية اهتمامات أخرى كأعمال البيت أو الارتباطات الاجتماعيّة.
اقتربي منه أكثر دون أن يشاركك فيه أحد، يعني: لا تسأليه عن أي أمر خاص وإخوتُه حوله.
تفنني في طرق التقرب والتودد، وابتعدي عن طرح الأسئلة بشكل استقصائي كأداء المحقق، كوني رؤوفة به إن اعترف بخطأ ما فهم أطفال لا بد أن يخطئوا ليتعلموا، لا تجرّميه ولا تشعريه بأنه فعل شيئًا خطيرًا أومخيفًا، بل فهّميه خطأه برفق ولين.
تقرّبي إليه بالحب والاحتضان، وتجنّبي رفع الصوت، فإن لم يستجب لندائك أو رفض؛ فاذهبي إليه وأخبريه باحترام أنك ناديت عليه، واسأليه إن سمع نداءك؟ فإن قال نعم سمعته؛ أخبريه برغبتك بأن يستجيب بسرعة؛ لأنك قد تكونين في خطر أو تحتاجين مساعدة سريعة ولا يقدّمها لك إلا هو، فأنت تثقين به وتركنين إليه؛ وستتولد عنده الثقة بالنفس، وسيكون سعيدًا بحبك وثقتك به، وسيشعر بأنه مهم.
تفنني في أساليب التربية، واقرئي وتابعي روابط على النت للأساتذة الأفاضل د.مصطفى أبو سعد، ود.محمد الثويني؛ فستتعلمين منهما الكثير الذي سيجعلك مرتاحة في علاقتك بأبنائك جميعًا بعون الله.
استحضري نعمة الله عليك بأن رزقك أبناء رائعين، اشكري الله على هذه النعم بالإحسان إليهم، ومراعاتهم، والتقرب منهم بلطف واحترا، واتمنى منك احترام شخصياتهم من خلال الحديث معهم بأسلوب فيه تقدير لما يقولون ولما يفكرون به، ومن خلال سلوكياتهم التي قد تحتاج بكل تأكيد إلى توجيه وتهذيب، لكنّ كل ذلك سيكون بالاحترام أسهل وأجمل.
انتبهي لنفسك -عزيزتي-؛ فأنت تقومين مقام الأم والأب، وعليك مسؤوليات قد تتعبك؛ لذا تعهّدي أعصابك، وكوني قوية برفق، تجنّبي التوتر والضغوطات، كوني سعيدة وإيجابية ومنطلقة، رتبي أولوياتك، ولا تتوقعي الإنجازات المتلاحقة التي تهم والتي لا تهم؛ فهذا كله قد يجلب لك التوتر الذي ينعكس على علاقتك بأبنائك.
احرصي على ذكر الله وتلاوة القرآن وسماعه { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} احرصي على فهم القرآن، واجتهدي بالمداومة على جلسة علم أسبوعية؛ ستجدين أثرها الإيجابي على حياتك، لا سيما مع صحبة طيبة.
واحرصي على اختيار شيخ مناسب لكل ابن لك وبنت؛ ليزدادوا تعلقًا بالله وبشرعه؛ فتقوى عندهم مشاعر الحب للوالدين ولزوم طاعتهما، وتتهذّب أخلاقهم، وتصطبغ بكلام الله "صبغةَ الله، ومن أحسنُ من الله صبغة".
علميهم مهارات الحياة وآدابها من خلال ضبط تصرفاتهم في البيت، واصنعي معهم دستورًا للبيت فيه عقوبات وتعزيزات، وأضيفي معهم كل شهر أو أكثر إضافة نوعية على الدستور الذي يحسّن من أدائهم في المعاملات والعمل المنزلي والأداء الدراسي وغير ذلك.
كثّفي لهم الدعوات الجميلة، وأسمعيهم بعضها؛ فهي تؤثر عليهم بشكل كبير.
استعيني بالله، واطلبي منه العون، وثقي به؛ فهو المعين سبحانه.
كوني إيجابية ومتفائلة، وتحلّي بالأخلاق الجميلة مع نفسك ومع أبنائك، وكأن رسول الله في بيتكم يتابع حركاتكم ويسمع حديثكم، علّمي أولادك أن يستخدموا خيالهم ويشعروا دومًا برقابة الله لهم ورقابة رسول الله، فلا تروا الله منكم إلا خيرًا.
تجنّبي الضرب؛ فهو نقيض الاحترام، ومن يهُن يسهل الهوان عليه. واحرصي على احترام نفسك، ولا تمدي يدًا على أبنائك؛ لأنه كفر لنعمة الذرية، وقد يسلب الله منك هذه النعمة إن كفرت بها. الضرب وسيلة تربوية، لكنها في آخر درجة من سلم العقوبات، ولتمارسي التربية بالحب، فأنت بحاجة لها وهم أيضًا، وهي تضفي دفئًا على المنزل، وتبعث الراحة والطمأنينة في أرجاء البيت.
وفقك الله وسدد خطاك، وأعانك على حسن التربية، ورزقك برّ أبنائك، فهم صغار ومرحلتهم العمرية الآن هي أساس في صناعة ملامح شخصياتهم، أعانك الله، فأنت أم قوية وقادرة على العطاء الجميل.