كرهت زوجي بعد قصة حب طويلة

منذ 2017-08-02

فكذلك الرجل لا تطيب الحياة معه إلاَّ بأخْذ العفو منه، والصبر عليه، والتغاضِي عمَّا لا يَستقيم من طبعه، ومن ثَمَّ كان دوام العِشرة بين الزَّوجين مرهونًا بصبر كلٍّ منهما على أخلاق وطِباع الآخر حتى يصلحه الله تعالى.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوِّجة منذ ثلاث سنوات عن قصة حب دامت 13 سنة، لكنَّ زوجي تغيَّر بعد الزَّواج، فكل هَمِّه أن يقضي حاجته في الفراش ويعطيني ظهره وينام، لا يُقَدَّر مشاعري، وأنا صغيرة وأحتاج للحب والحنان.

يتعامَل معي برسمية شديدة، ويَنْتَقِدني ويخرج عيوبي، وأنا أتحمل ذلك من أجل حبي له، كل ما يهمه راتبه وأهله، فلا يتذكرني بهدية أو ما يجبر خاطري.

وصل بي الحال إلى أني أقارن بين حياتي وحياة غيري، وأحسد الفتيات من سني على الحب الذي يعيشون فيه، بل زادتْ حالتي وأصابني الوسواس، حتى كرهتُه.

لا يسمعني، ويحرمني من كل شيء أحبه، وإذا اعترضتُ أو اختلفنا يقول: تعصين زوجك!!، مع أنه يشاهد أفلام الرقص وغيرها مِن المحرَّمات.

أفكر الآن في الطلاق، لكن لديَّ بنت، وبيت أهلي غير مُهَيَّأٍ لتربيتها، وأريد أن أتركها لديه.

أرجو أن تفيدوني هل أنا مخطئة أو لا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فقد ذكرتِ أيتها الابنة الكريمة أنَّ زواجك كان ثمرة قصَّة حبٍّ طويلة دامتْ 13 سنة، فكانت البداية من أيام المراهقَة الأولى، ومع الأسف فإنَّ الحبَّ قبل الزواج -فضلاً عن كونه مُحرمًا شرعًا- فهو أيضًا يجعل الزَّواج مبنيًّا على أساسٍ عاطفيٍّ ضعيف، فلا يبصر أحد من الطَّرفين عيوبَ الآخر، كما رُوي: "حبُّك الشَّيء يُعمِي ويصمُّ"، ثمَّ بعد الزَّواج يشعر كِلا الزَّوجين أنه تزوَّج إنسانًا لا يعرفه، ويفاجأ بمثل ما تَشعرين به الآن؛ لأنَّ كليهما أيامَ الحبِّ كان يعيش مع الصُّورة الذِّهنيَّة للحبيب، وهي بلا شك تَختلف عن الصُّورة الواقعيَّة، وهذا باختصار هو سَبب مشاكِلك، وربَّما كان أيضًا السَّبب في تغيُّر زوجك وإعراضه.


أمَّا علاج ذلك فيكون بدايةً بالتعامل مع الصُّورة الحقيقيَّة لزوجك، وأن تَنسي تِلك الصورة المثاليَّة، وأن تعتادي على المسؤوليَّة، والتضحية والتفاني، والتنازُل عن بعض الحقوق إرضاءً للطَّرف للآخر، والتحلِّي بالرِّفق واللِّين في كلِّ أمرك.

إن كان قد ترتَّب على حبِّكما قبل الزواج شيءٌ محرَّم، فأسرِعي بالتوبة إلى الله توبةً نصوحًا، وافتحي بابَ الحوار مع زَوجك؛ وهذا أمر يتطلَّب مع الرَّغبة الصادقة في الإصلاح الصبرَ الجميل؛ وهو الذي لا يصحبه تسخُّط ولا جزع ولا شكوى، وإنَّما صِدق اللُّجوء إلى الله الحكيمِ العليم، فهو أعلم بحالك، واحتياجك إلى تفريجه ومنَّته، واضطرارك إلى إحسانه.

وذكِّري زوجَك في تلك الجلسات الهادئة والمفعَمة بالحبِّ والود - ذكِّريه أنَّ الله تعالى أوجب عليه رعايتك أنتِ وابنته؛ كما قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وأنَّ الآية الكريمة تَشمل حُسن العِشرة في القول والفعل والنَّفقة، والصحبة الجميلة، وكف الأذى وبَذل الإحسان، ونحو ذلك، وأنَّ رسول الله قال: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خَيركم لأهلي»؛ رواه ابن ماجه.

وأوصى صلَّى الله عليه وسلم الأزواجَ بنسائهنَّ خيرًا؛ فقال كما في الصحيحين: «استوصوا بالنِّساء خيرًا»؛ أي: أوصيكم، فاقبلوا وصيَّتي، وتواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهنَّ، وبيَّن صلى الله عليه وسلم العلَّة من تلك الوصاية الجامعة فيما رواه الترمذيُّ: «واستَوْصُوا بالنساء خيرًا؛ فإنَّما هنَّ عوان عندكم»، والعانية: هي الأسيرة.

فحالُ المرأة عند زوجها يُشبه الرِّقَّ والأَسر؛ لأنَّه ليس لها أن تخرجَ من مَنزله إلاَّ بإذنه، وإذا أراد أن يَنتقل إلى مكان آخر انتقلَتْ معه، وطاعته مقدَّمة على طاعة كلِّ أحد حتى أبويها، وعليها تَمكينه من الاستمتاع بها إذا طلَب، وذلك كله بالمعروف غير المنكر؛ فليس له أن يستبدَّ في شيء ممَّا ذُكر أو أن يَستمتع استمتاعًا يضرُّ بها، ولا يسكنها مسكنًا يضرُّ بها، ولا يحبسها حبسًا يضر بها، وهذا ما دَفَع الخليفةَ الرَّاشد عمر بن الخطاب أن قال - وروي أيضًا عن أسماء بنت أبي بكر -: «إنَّ هذا النِّكاح رِقٌّ، فلينظرْ أحدكم عند من يرقُّ كريمته»؛ رواه سعيد بن منصور في سننه (1/ 191).

ذكِّريه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرَ أسوة في عِشرة النِّساء؛ فكان دائم البِشر، يداعِب أهلَه، ويتلطَّف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحِك نساءه، ويتودَّد إليهنَّ بذلك، وكان إذا صلَّى العشاء دخل منزلَه يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانِسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وإذا دخل البيت كان في مِهنة أهله - تعني: خدمة أهله - فإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصَّلاة، والله سبحانه أمرنا بالاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، والآية تَشمل الاقتداء به في حُسن عِشرته لنسائه، وممَّا يسهِّله على النُّفوس الاحتساب وإخلاص العمل لله تعالى، ومن ثمَّ قال سبحانه في تمام الآية: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

أمَّا تفكيرك في الطَّلاق فتفكير خاطئ؛ فأنتِ لا بدَّ لكِ من زوج تسكنين إليه، كما أنَّ الرجل لا غِنى له عن زَوجة يَسكن إليها، والمرأة لا تَستقيم للرجل على طريقةٍ فيستمتِع بها على عِوَج، فكذلك الرجل لا تطيب الحياة معه إلاَّ بأخْذ العفو منه، والصبر عليه، والتغاضِي عمَّا لا يَستقيم من طبعه، ومن ثَمَّ كان دوام العِشرة بين الزَّوجين مرهونًا بصبر كلٍّ منهما على أخلاق وطِباع الآخر حتى يصلحه الله تعالى.

ولما كان استقرارُ الحياة الزوجيَّة والمحافظة عليها من التصدُّع غرضًا شرعيًّا لحِكَم جليلة لا تَخفى على من تأمَّلها - حرَص الإسلامُ على توفير السَّكن والطمأنينة وضمانات بقاءِ الأسرة مستقرَّة هادئة بعيدة عن زَعازِع الأهواء والخِلافات، ولا يكون شيء من هذا إلاَّ باتِّقاء الزَّوجين لعناصر التهديم والتدمير، وإذا لاح شَبح الخطر وإن لم تَظهر بوادِر النشوز والشِّقاق أَمَر بدخول أَطرافٍ خارجيَّة من أصحاب العقول الرَّشيدة والخِبرات الحياتيَّة لإنقاذ الأسرة من الانهيار؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].

وكذلك قدِّمي النُّصحَ لزوجك؛ بتَرك مشاهَدة ما حرَّمه الله تعالى من أفلام الرَّقص وغيرها، واصبري على نَصيحته، واستخدمي الأسلوبَ الحسَن والكلام الليِّن، وأظهري له شَفقتك عليه وكراهيتك وتأفُّفك من فِعل الحرام، واحرصي على أن تؤدِّي الحقوق الواجبة عليك، حتى لا تكوني عونًا للشيطان عليه.

ذكِّريه أنَّ من صدَق مع الله في تَرْك الحرام - وإن كان معتادًا عليه - صَدَقه الله وأعانه، وسهَّل عليه تركَه.

وسأنقل لك في هذا المعنى عبارة جليلة للإمام ابن القيِّم في كتاب الفوائد (ص: 107) قال:

"إنَّما يَجد المشقَّة في ترك المألوفات والعوائد من ترَكها لغير الله، فأمَّا مَن ترَكها صادقًا مخلِصًا من قلبه لله، فإنَّه لا يجد في تركها مشقَّة إلاَّ في أول وَهلة؛ ليُمتحن أصادِق هو في تَركها أم كاذِب، فإن صبرَ على تلك المشقَّة قليلاً استحالَت لذَّة، قال ابن سيرين: سمعتُ شريحًا يَحلف بالله: "ما ترك عبدٌ لله شيئًا فوجد فَقْده"، وقولهم: "مَن ترك لله شيئًا عوَّضه الله خيرًا منه" حقٌّ، والعوض أنواع مختلِفة، وأجلُّ ما يعوَّض به الأُنس بالله ومحبَّته، وطمأنينةُ القلب به وقوَّته، ونشاطه وفرحه، ورضاه عن ربِّه تعالى".
وختامًا: لا تَستسلمي للواقِع السيِّئ، وكوني قويَّة، واصبري واحتسبي أجرَ الصَّبر عند الله، وادعي الله بإخلاصٍ أن يُصلح زوجَك، فهو سبحانه القادِر أن يودع في نفوسنا العواطِفَ والمشاعِر، وأن يجعل الزواجَ سكنًا للنَّفس والعصب، وراحةً للجسم والقَلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا لكلا الزوجين على السواء.

{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

وفقكِ الله لكلِّ خير.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 30,233

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً