الوضوء من أكل لحم الإبل
محمد الحسن الددو الشنقيطي
- التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال: ما الصحيح في الوضوء من أكل لحم الإبل؟
الإجابة: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه سئل عن الوضوء من لحوم الغنم
قال: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: " "، قال: أفنتوضأ من لحوم البقر؟ قال: " " قال: فمن لحوم الإبل؟ قال: " "، ونعم جوابٌ للذي قبلها، سواء كان
نفياً أو إثباتاً، وهذا يقتضي الوضوء من لحم الإبل.
فاختلف أهل العلم في ذلك، فذهب الحنابلة وهو قول للشافعية إلى أن لحم الجزور ناقض للوضوء وعليه فتجب الطهارة منه، يجب الوضوء منه كما يجب من النوم وكل النواقض.
وذهب المالكية والحنفية إلى أن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، وذكروا أن الوضوء هنا المقصود به الوضوء اللغوي وهو غسل الفم واليد، فرأوا أن ذلك سنة.
وإذا كان المقصود بالوضوء هنا الوضوء اللغوي فيقصد به غسل اليد والفم، وهذا مطلوب من كل لحم وحتى من اللبن، كل ما له زهم فإنه يندب غسل اليد والفم منه إذا مس شيئاً من ذلك لئلا يبقى زهمه في الإنسان، فالشريعة متشوفة للنظافة والطهارة، ولهذا قال خليل رحمه الله: "وندب غسل فم من لحم، ولبن، وتجديد وضوء إن صلي به".
لكن الذي يبدو أن هذا التأويل ضعيف، أن التأويل الذي اختاره الحنفية والمالكية في هذه المسألة ضعيف، لأن الحديث فيه نعم، وهذا يقتضي الوضوء، فهذا التأويل ضعيف، فماذا نستطيع نحن أن نفهم من الحديث؟
إذا رجعنا إليه رجوعاً أصولياً فإننا سنرجع إلى السؤال، لأن السؤال على نية التكرار في الجواب، والنبي صلى الله عليه وسلم قيل له: أنتوضأ وهذا فعل، والفعل من باب الإطلاق أي أن ذلك هو أمر، والأمر يطلق بثلاث إطلاقات، يطلق بقيد شيء، وبقيد لا شيء، ولا بقيد شيء، ثلاثة إطلاقات للأمر، يطلق بقيد شيء معناه بقيد الجزم وهذا هو الواجب، ويطلق بقيد لا شيء معناه بقيد عدم الجزم وهذا هو المندوب، ويطلق لا بقيد شيء أي أمراً مطلقاً، وهذا الذي يتكلم عنه الأصوليون.
فالأصوليون يتكلمون يقولون: الأمر المطلق يقتضي التكرار، الأمر المطلق يقتضي الفورية، الأمر المطلق هو الذي يتكلم عنه الأصوليون، وعلى هذا فيمكن أن نحمل نحن هذا الحديث على أن المقصود به الأمر المطلق، والأمر المطلق إنما يحمل في مثل هذا الموضع على السنية.
وعليه فيسن لمن أكل من لحم الإبل وأراد الصلاة وهو على وضوئه الأول أن يتوضأ من جديد سنة، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " "، فأقل ما يمكن أن يحمل عليه ذلك السنية، وهذا له مرجح واضح، وهو أن الشك في المانع لا أثر له، وقد سبق بيان ذلك فهذا الوضوء مشكوك فيه، والشك في الحدث لا ينقض كما سبق عند جمهور أهل العلم، خلافاً للمالكية وحدهم، وقد سبق أن بينت لكم ذلك.
فهذا الوضوء إذن مشكوك فيه فلذلك الاحتياط أن يتوضأ الإنسان وبالأخص أن الأحاديث كثيرة في ترك الوضوء مما مست النار، فقد كان في صدر الإسلام الوضوء مما مسته النار، أي من كل طبيخ أو مشوي، ثم بعد ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار، وقد جيء بكتف فأكل منه وتوضأ للصلاة، ثم رجع بعد الصلاة فأكل بقيته فصلى ولم يتوضأ فكان آخر الأمرين منه إذن ترك الوضوء مما مست النار، وما مسته النار يشمل لحوم الإبل وغيرها، وهذا مما تعدد فيه النسخ، وهي أربع مسائل تعدد فيها النسخ في السنة، وقد نظمها الحافظ بن حجر رحمه الله فقال:
أربعة أمور تكرر فيها النسخ.
الأول: القبلة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يصلي إلى البيت الحرام، ثم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً، ثم نسخ ذلك أيضاً بالإرجاع إلى الكعبة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة144]، فكان النسخ في القبلة متكرراً.
ومتعة نكاح المتعة وهو النكاح المحدد بأجل، أن ينكح الإنسان مدة أسبوع أو مدة شهر أو نحو ذلك، فقد جاء النهي عنه في البداية وألزم الناس بالنكاح الدائم، ثم رخص فيه في غزوة من الغزوات ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نهياً باتاً، فكان آخر ذلك النهي البات عن نكاح المتعة.
والثالث: الحمر الأهلية، فقد جاء تحريمها في البداية ثم أذن فيها في غزوة من الغزوات ثم حرمت بعد ذلك تحريماً باتاً.
وكذلك الوضوء مما مست النار فقد تكرر فيه النسخ أيضاً كما اختاره الحافظ ابن حجر هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
فاختلف أهل العلم في ذلك، فذهب الحنابلة وهو قول للشافعية إلى أن لحم الجزور ناقض للوضوء وعليه فتجب الطهارة منه، يجب الوضوء منه كما يجب من النوم وكل النواقض.
وذهب المالكية والحنفية إلى أن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، وذكروا أن الوضوء هنا المقصود به الوضوء اللغوي وهو غسل الفم واليد، فرأوا أن ذلك سنة.
وإذا كان المقصود بالوضوء هنا الوضوء اللغوي فيقصد به غسل اليد والفم، وهذا مطلوب من كل لحم وحتى من اللبن، كل ما له زهم فإنه يندب غسل اليد والفم منه إذا مس شيئاً من ذلك لئلا يبقى زهمه في الإنسان، فالشريعة متشوفة للنظافة والطهارة، ولهذا قال خليل رحمه الله: "وندب غسل فم من لحم، ولبن، وتجديد وضوء إن صلي به".
لكن الذي يبدو أن هذا التأويل ضعيف، أن التأويل الذي اختاره الحنفية والمالكية في هذه المسألة ضعيف، لأن الحديث فيه نعم، وهذا يقتضي الوضوء، فهذا التأويل ضعيف، فماذا نستطيع نحن أن نفهم من الحديث؟
إذا رجعنا إليه رجوعاً أصولياً فإننا سنرجع إلى السؤال، لأن السؤال على نية التكرار في الجواب، والنبي صلى الله عليه وسلم قيل له: أنتوضأ وهذا فعل، والفعل من باب الإطلاق أي أن ذلك هو أمر، والأمر يطلق بثلاث إطلاقات، يطلق بقيد شيء، وبقيد لا شيء، ولا بقيد شيء، ثلاثة إطلاقات للأمر، يطلق بقيد شيء معناه بقيد الجزم وهذا هو الواجب، ويطلق بقيد لا شيء معناه بقيد عدم الجزم وهذا هو المندوب، ويطلق لا بقيد شيء أي أمراً مطلقاً، وهذا الذي يتكلم عنه الأصوليون.
فالأصوليون يتكلمون يقولون: الأمر المطلق يقتضي التكرار، الأمر المطلق يقتضي الفورية، الأمر المطلق هو الذي يتكلم عنه الأصوليون، وعلى هذا فيمكن أن نحمل نحن هذا الحديث على أن المقصود به الأمر المطلق، والأمر المطلق إنما يحمل في مثل هذا الموضع على السنية.
وعليه فيسن لمن أكل من لحم الإبل وأراد الصلاة وهو على وضوئه الأول أن يتوضأ من جديد سنة، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " "، فأقل ما يمكن أن يحمل عليه ذلك السنية، وهذا له مرجح واضح، وهو أن الشك في المانع لا أثر له، وقد سبق بيان ذلك فهذا الوضوء مشكوك فيه، والشك في الحدث لا ينقض كما سبق عند جمهور أهل العلم، خلافاً للمالكية وحدهم، وقد سبق أن بينت لكم ذلك.
فهذا الوضوء إذن مشكوك فيه فلذلك الاحتياط أن يتوضأ الإنسان وبالأخص أن الأحاديث كثيرة في ترك الوضوء مما مست النار، فقد كان في صدر الإسلام الوضوء مما مسته النار، أي من كل طبيخ أو مشوي، ثم بعد ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار، وقد جيء بكتف فأكل منه وتوضأ للصلاة، ثم رجع بعد الصلاة فأكل بقيته فصلى ولم يتوضأ فكان آخر الأمرين منه إذن ترك الوضوء مما مست النار، وما مسته النار يشمل لحوم الإبل وغيرها، وهذا مما تعدد فيه النسخ، وهي أربع مسائل تعدد فيها النسخ في السنة، وقد نظمها الحافظ بن حجر رحمه الله فقال:
النسخ ذو تكرر في أربع
جاءت بها الكتب والأخبار
في قبلة ومتعة وحمر
كذا الوضو مما تمس النار
أربعة أمور تكرر فيها النسخ.
الأول: القبلة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يصلي إلى البيت الحرام، ثم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً، ثم نسخ ذلك أيضاً بالإرجاع إلى الكعبة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة144]، فكان النسخ في القبلة متكرراً.
ومتعة نكاح المتعة وهو النكاح المحدد بأجل، أن ينكح الإنسان مدة أسبوع أو مدة شهر أو نحو ذلك، فقد جاء النهي عنه في البداية وألزم الناس بالنكاح الدائم، ثم رخص فيه في غزوة من الغزوات ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نهياً باتاً، فكان آخر ذلك النهي البات عن نكاح المتعة.
والثالث: الحمر الأهلية، فقد جاء تحريمها في البداية ثم أذن فيها في غزوة من الغزوات ثم حرمت بعد ذلك تحريماً باتاً.
وكذلك الوضوء مما مست النار فقد تكرر فيه النسخ أيضاً كما اختاره الحافظ ابن حجر هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.