ما الذي يجب إخراجه في الزكاة قدراً وصفة؟
منذ 2006-12-01
السؤال: أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وخصوصاً ما أنعم به علينا في الأعوام
الأخيرة بأنواع ثمار النخيل اللذيذة الطعم، المريئة المأكل، التي تفضل
كثيراً مما كان شائعاً من قبل في المأكل والنوع والقيمة، قال تعالى:
{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ
فِى الاُْكُلِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ} [سورة الرعد: الآية 4] وقد أمرنا الله سبحانه أن
نأكل من هذه الطيبات ونشكره عليها، ومن أوجب الشكر أن نخرج ما أوجبه
الله علينا من الزكاة فيها، فإن الزكاة أوجب واجبات المال، وهي أحد
أركان الإسلام، وأهميتها عظيمة، وأخطارها جسيمة. فما الذي يجب إخراجه
في الزكاة قدراً وصفة؟
الإجابة: فأما القدر: فهو العشر كاملاً، فيما لا يحتاج إلى كلفة في إخراج الماء
لسقيه: كالذي يشرب بالقصب السائحة والأنهار والعيون، أو يشرب بعروقه،
ونصف العشر فيما يحتاج إلى كلفة مثل الذي يشرب بالسواني
والمكائن.
وأما الصفة: فقد قال الله عز وجل: {يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَْرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [سورة البقرة: الآية 267] فنهى الله تعالى عن قصد الإنفاق من الخبيث وهو الرديء هنا، وأشار إلى الحكمة في ذلك، وهو أنه ليس من العدل فإنكم لو أعطيتموه لم تأخذوه إلا على إغماض وكراهية. والنهي لا يتضمن إلا النهي عن قصد الرديء ففهم من ذلك جواز إخراج المتوسط، وهو أقل الواجب، كما فهم من الآية جواز إخراج الطيب، وهذا أكمل وأفضل.
وإذا كانت الآية دالة على جواز إخراج المتوسط فإنه يجوز إخراج المتوسط إذا كان النوع واحداً، مثل أن يكون البستان كله شقر أو كله سكري أو كله برحي، ويكون البعض طيباً والبعض رديئاً والبعض متوسطاً، فتخرج من المتوسط بالقسط، وأما إذا كانت الأنواع متعددة مثل أن يكون البستان أنواعاً بعضه سكري، وبعضه شقر، وبعضه برحي، وبعضه دقل أخرى، فإن مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه أنه يجب عليك أن تخرج زكاة كل نوع على حدة، فتخرج زكاة السكري من السكري، وزكاة الشقر من الشقر، وزكاة البرحي من البرحي، حتى لو كانت نخلة واحدة من نوع وجب عليك أن تخرج زكاتها منها، هذا هو المذهب كما صرح به الأصحاب رحمهم الله في كتبهم المختصرة والمطولة، وأنا لا أقول: إنه يجب على الإنسان أن يعمل بهذا القول، لأنه مشقة وحرج خصوصاً إذا كثرت الأنواع وقلَّت أفرادها، والله سبحانه وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، ولكني أقول: إنه يجوز إن شاء الله أن يخرج من متوسط الأنواع، كما يجوز أن يخرج من متوسط الأفراد، لكن بشرط مراعاة العدل ومساواة أهل الزكاة في الواجب، فإذا قدرنا أن البستان ثلاثة أنواع: نوع طيب، ونوع رديء ونوع متوسط، وكانت قيمة الطيب تزيد على قيمة المتوسط بقدر نقص قيمة الرديء عن المتوسط فحينئذ يجوز أن يخرج من المتوسط؛ لأن نقصه عن قيمة الطيب يقابل زيادته على قيمة الرديء، فأما إذا كانت قيمة الطيب تزيد على قيمة ما يسمى بالمتوسط أكثر مما يزيد المتوسط على قيمة الرديء فكيف يقال: إنه متوسط؟ وكيف يجوز أن نخرج منه؟ هل هذا من العدل أو مساواة أهل الزكاة؟!
إن أهل الزكاة شركاء لك فيما أوجب الله عليك لهم، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لهم سهماً مشاعاً، وغاية ما رخص فيه أن تعطيهم من المتوسط، فلو قدرنا أن لك سهماً مشاعاً في بستان شخص يجب لك من متوسطه: هل تقبل أن يعطيك من رديئه؟ لا، لا تقبل ذلك إلا على إغماض أو محاباة، ولا محاباة في الزكاة إلا بإخراج المتوسط فقط.
ولنضرب مثلاً يتضح به المقصود: لقد كان البستان الذي يشتمل على الكثير من هذه الأنواع الطيبة يباع مثلاً بعشرة آلاف أو أكثر وقد خرص مثلاً عشرة آلاف وزنة، فيخرج صاحب البستان عنه خمسمائة وزنة من الشقر باعتبار أن هذا هو نصف العشر، وهذه الخمسمائة في وقتنا هذا ربما لا تساوي إلا مائتي ريال أو تزيد خمسين ريالاً أو تنقص خمسين ريالاً، فهل مائتا ريال أو مائتان وخمسون نصف عشر عشرة آلاف؟ كلا. إذن فالواجب على المسلم أن يلاحظ ذلك ويحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب عليها في الآخرة.
لكن ههنا أمر مشكل ربما يرد على المرء وهو: لماذا لم يتكلم العلماء السابقون في البلد على هذه المسألة كمشائخنا الذين أدركناهم؟ ولماذا أقروا الناس على إخراج الشقر وسكتوا عنهم من غير تفصيل؟
والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن الأنواع الطيبة خصوصاً البرحي لم تكن فيما مضى بهذه الكثرة، وإنما هي أفراد قليلة بالنسبة للأنواع التي في البساتين.
الثاني: أنه لم يكن التفاوت بين قيمتها وقيمة الشقر مثل ما كان عليه في وقتنا الحاضر، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما قال ذلك أهل العلم والفقه.
ثم إنه متى قامت الحجة واستبان الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد عذر في ترك العمل بمقتضاه.
فإن قيل: فكيف نخرج بعد أن عرفنا أن الشقر ليست هي النوع المتوسط إذا كانت قيمة الأنواع التي فوقها تزيد على قيمتها أكثر مما تنقص عنها قيمة الرديء؟
فالجواب أن نقول: إن الزكاة وجبت لمواساة الفقراء وسد حاجتهم، وأكثر الناس الآن يبيعون هذه الأنواع الطيبة بالدراهم فإذا أخرجوا الفرق دراهم فأرجو أن يكون ذلك جائزاً؛ لأنهم واسوا الفقير في ذلك، ولأن الدراهم أرغب للفقير غالباً من التمر. هذا حررته لكم للتذكير بهذه المسألة لأهميتها وعظم خطرها وأعتقد أنكم قد رأيتم أو سترون ما رأيته أنا إن شاء الله، وإنكم سوف تستعينون الله على أنفسكم بإبراء ذمتكم وإخراج الواجب قبل يوم القيامة إذا علمتم أن الزكاة ليست مغرماً وخسارة، وإنما هي إيمان ومغنم وبركة وفلاح وسعادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني - باب زكاة الحبوب والثمار.
وأما الصفة: فقد قال الله عز وجل: {يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَْرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [سورة البقرة: الآية 267] فنهى الله تعالى عن قصد الإنفاق من الخبيث وهو الرديء هنا، وأشار إلى الحكمة في ذلك، وهو أنه ليس من العدل فإنكم لو أعطيتموه لم تأخذوه إلا على إغماض وكراهية. والنهي لا يتضمن إلا النهي عن قصد الرديء ففهم من ذلك جواز إخراج المتوسط، وهو أقل الواجب، كما فهم من الآية جواز إخراج الطيب، وهذا أكمل وأفضل.
وإذا كانت الآية دالة على جواز إخراج المتوسط فإنه يجوز إخراج المتوسط إذا كان النوع واحداً، مثل أن يكون البستان كله شقر أو كله سكري أو كله برحي، ويكون البعض طيباً والبعض رديئاً والبعض متوسطاً، فتخرج من المتوسط بالقسط، وأما إذا كانت الأنواع متعددة مثل أن يكون البستان أنواعاً بعضه سكري، وبعضه شقر، وبعضه برحي، وبعضه دقل أخرى، فإن مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه أنه يجب عليك أن تخرج زكاة كل نوع على حدة، فتخرج زكاة السكري من السكري، وزكاة الشقر من الشقر، وزكاة البرحي من البرحي، حتى لو كانت نخلة واحدة من نوع وجب عليك أن تخرج زكاتها منها، هذا هو المذهب كما صرح به الأصحاب رحمهم الله في كتبهم المختصرة والمطولة، وأنا لا أقول: إنه يجب على الإنسان أن يعمل بهذا القول، لأنه مشقة وحرج خصوصاً إذا كثرت الأنواع وقلَّت أفرادها، والله سبحانه وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج، ولكني أقول: إنه يجوز إن شاء الله أن يخرج من متوسط الأنواع، كما يجوز أن يخرج من متوسط الأفراد، لكن بشرط مراعاة العدل ومساواة أهل الزكاة في الواجب، فإذا قدرنا أن البستان ثلاثة أنواع: نوع طيب، ونوع رديء ونوع متوسط، وكانت قيمة الطيب تزيد على قيمة المتوسط بقدر نقص قيمة الرديء عن المتوسط فحينئذ يجوز أن يخرج من المتوسط؛ لأن نقصه عن قيمة الطيب يقابل زيادته على قيمة الرديء، فأما إذا كانت قيمة الطيب تزيد على قيمة ما يسمى بالمتوسط أكثر مما يزيد المتوسط على قيمة الرديء فكيف يقال: إنه متوسط؟ وكيف يجوز أن نخرج منه؟ هل هذا من العدل أو مساواة أهل الزكاة؟!
إن أهل الزكاة شركاء لك فيما أوجب الله عليك لهم، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لهم سهماً مشاعاً، وغاية ما رخص فيه أن تعطيهم من المتوسط، فلو قدرنا أن لك سهماً مشاعاً في بستان شخص يجب لك من متوسطه: هل تقبل أن يعطيك من رديئه؟ لا، لا تقبل ذلك إلا على إغماض أو محاباة، ولا محاباة في الزكاة إلا بإخراج المتوسط فقط.
ولنضرب مثلاً يتضح به المقصود: لقد كان البستان الذي يشتمل على الكثير من هذه الأنواع الطيبة يباع مثلاً بعشرة آلاف أو أكثر وقد خرص مثلاً عشرة آلاف وزنة، فيخرج صاحب البستان عنه خمسمائة وزنة من الشقر باعتبار أن هذا هو نصف العشر، وهذه الخمسمائة في وقتنا هذا ربما لا تساوي إلا مائتي ريال أو تزيد خمسين ريالاً أو تنقص خمسين ريالاً، فهل مائتا ريال أو مائتان وخمسون نصف عشر عشرة آلاف؟ كلا. إذن فالواجب على المسلم أن يلاحظ ذلك ويحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب عليها في الآخرة.
لكن ههنا أمر مشكل ربما يرد على المرء وهو: لماذا لم يتكلم العلماء السابقون في البلد على هذه المسألة كمشائخنا الذين أدركناهم؟ ولماذا أقروا الناس على إخراج الشقر وسكتوا عنهم من غير تفصيل؟
والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن الأنواع الطيبة خصوصاً البرحي لم تكن فيما مضى بهذه الكثرة، وإنما هي أفراد قليلة بالنسبة للأنواع التي في البساتين.
الثاني: أنه لم يكن التفاوت بين قيمتها وقيمة الشقر مثل ما كان عليه في وقتنا الحاضر، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما قال ذلك أهل العلم والفقه.
ثم إنه متى قامت الحجة واستبان الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد عذر في ترك العمل بمقتضاه.
فإن قيل: فكيف نخرج بعد أن عرفنا أن الشقر ليست هي النوع المتوسط إذا كانت قيمة الأنواع التي فوقها تزيد على قيمتها أكثر مما تنقص عنها قيمة الرديء؟
فالجواب أن نقول: إن الزكاة وجبت لمواساة الفقراء وسد حاجتهم، وأكثر الناس الآن يبيعون هذه الأنواع الطيبة بالدراهم فإذا أخرجوا الفرق دراهم فأرجو أن يكون ذلك جائزاً؛ لأنهم واسوا الفقير في ذلك، ولأن الدراهم أرغب للفقير غالباً من التمر. هذا حررته لكم للتذكير بهذه المسألة لأهميتها وعظم خطرها وأعتقد أنكم قد رأيتم أو سترون ما رأيته أنا إن شاء الله، وإنكم سوف تستعينون الله على أنفسكم بإبراء ذمتكم وإخراج الواجب قبل يوم القيامة إذا علمتم أن الزكاة ليست مغرماً وخسارة، وإنما هي إيمان ومغنم وبركة وفلاح وسعادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني - باب زكاة الحبوب والثمار.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: