ما رأي فضيلتكم في علو الله تعالى؟
منذ 2006-12-01
السؤال: ما رأي فضيلتكم في علو الله تعالى؟ وعن قول من يقول: إنه عن الجهات
الست خالٍ وإنه في قلب العبد المؤمن؟
الإجابة: مذهب السلف رضوان الله عليهم أن الله تعالى بذاته فوق عباده، وقد قال
الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه
إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر ذلك خير وأحسن
تأويلاً}، وقال تعالى: {وما
اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}، وقال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله
ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن
يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}، وقال
تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله
فقد ضل ضلالاً مبيناً}، وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، فإذا
تبين أن طريقة المؤمنين عند التنازع هي الرجوع إلى كتاب الله تعالى،
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسمع والطاعة لهما، وعدم الخيار فيما
سواهما، وأن الإيمان لا يكون إلا بذلك، مع انتفاء الحرج وتمام
التسليم، فإن الخروج عن هذا الطريق موجبٌ لما قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى
ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت
مصيراً}.
وعلى هذا فإن المتأمل في هذه المسألة: "مسألة علو الله تعالى بذاته على خلقه" بعد ردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتبين له أن الكتاب والسنة قد دلا دلالة صريحة بجميع وجوه الدلالة على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، بعبارات مختلفه منها:
1 - التصريح بأن الله تعالى في السماء، كقوله تعالى: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير}، وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: " " إلى آخر الحديث (رواه أبو داود)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه مسلم).
2 - التصريح بفوقيته تعالى، كقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده}، وقوله: {يخافون ربهم من فوقهم}، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه البخاري).
3 - التصريح بصعود الأشياء إليه، ونزولها منه، والصعود لا يكون إلا إلى أعلى، والنزول لا يكون إلا من أعلى، كقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقوله: {تعرج الملائكة والروح إليه}، وقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}، وقوله تعالى في القرآن الكريم: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، والقرآن كلام الله تعالى، كما قال سبحانه: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، وإذا كان القرآن الكريم كلامه وهو تنزيل منه دل ذلك على علوه بذاته تعالى، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " إلى آخر الحديث، وهو صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما. وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ما يقول: إذا أوى إلى فراشه، ومنه: " " وهو في صحيح البخاري وغيره.
4 - التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كما في قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقوله: {ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ".
5 - إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين يشهد الله تعالى في موقف عرفة ذلك الموقف العظيم، الذي أشهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر جمع من أمته، حين قال لهم: " " قالوا: نعم، فقال: " " يرفع أصبعه إلى السماء ويرفعها إلى الناس، وذلك ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر، وهو ظاهر في أن الله تعالى في السماء وإلا لكان رفعه إياها عبثاً.
6 - سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين قال لها: " " قالت: في السماء، قال: " " (رواه مسلم من حديث طويل عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه) وهو صريح في إثبات العلو الذاتي لله تعالى، لأن: "أين"، إنما يستفهم بها عن المكان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة حين سألها: أين الله؟ فأقرها على أنه تعالى في السماء، وبين أن هذا مقتضى الإيمان حين قال: " "، فلا يؤمن العبد حتى يقر ويعتقد أن الله تعالى في السماء، فهذه أنواع من الأدلة السمعية الخبرية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تدل على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه.
أما أفراد الأدلة فكثيرة لا يمكن حصرها في هذا الموضع.
وقد أجمع السلف الصالح رضوان الله عليهم على القول بمقتضى هذه النصوص وأثبتوا لله تعالى العلو الذاتي، وهو أنه سبحانه عال بذاته فوق خلقه، كما أنهم مجمعون على إثبات العلو المعنوي له وهو علو الصفات، قال الله تعالى: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}، وقال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وقال تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وقال: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وكما أن علو الله تعالى الذاتي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف، فقد دل عليه العقل والفطرة.
أما دلالة العقل: فيقال: لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده صفة نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول: إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو له يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله.
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته: فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: "ما قال عارف قط: يا رب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو". فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول: "حيرني الهمداني، حيرني الهمداني". هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يارب، يارب إلى آخر الحديث، ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لاسيما حين يسجد، ويقول: "سبحان ربي الأعلى" لأنه يعلم أن معبوده في السماء سبحانه وتعالى.
وأما قولهم: "إن الله تعالى عن الجهات الست خال"، فهذا القول على عمومه باطل لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له أعلم خلقه به، وأشدهم تعظيماً له، وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من أنه سبحانه في السماء التي هي في جهة العلو، بل إن ذلك يقتضي وصف الله تعالى بالعدم، لأن الجهات الست هي الفوق، والتحت، واليمين، والشمال، والخلف، والأمام، وما من شيء موجود إلا تتعلق به نسبة إحدى هذه الجهات، وهذا أمر معلوم ببداهة العقول، وإن نفيت هذه الجهات عن الله تعالى لزم أن يكون معدوماً، والذهن وإن كان قد يفرض موجوداً خالياً من تعلق هذه النسب به لكن هذا شيء يفرضه الذهن، ولا يوجد في الخارج، ونحن نؤمن ونرى لزاماً على كل مؤمن بالله أن يؤمن بعلوه تعالى فوق خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، كما قررناه من قبل.
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه سبحانه غني عن خلقه فلا يحتاج لشيء من مخلوقاته. ونحن نرى أيضاً أنه لا يجوز لمؤمن أن يخرج عما يدل عليه الكتاب والسنة، لقول أحد من الناس كائناً من كان، كما أسلفنا الأدلة على ذلك في أول جوابنا هذا.
وأما قولهم: "إن الله تعالى في قلب المؤمن". فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من السلف الصالح فيما نعلم، وهو أيضاً على إطلاقة باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حال في قلب العبد فهو باطل قطعاً، فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك، ومن العجائب والعجائب جمة أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء، ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن، إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك.
وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائماً يذكر ربه في قلبه، فهذا حق، ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل، فيقال مثلاً: إن ذكر الله تعالى دائماً في قلب العبد المؤمن.
ولكن الذي يظهر من كلام من يتكلم بها أنه يريد أن يستبدلها عن كون الله تعالى في السماء، وهي بهذا المعنى باطلة كما سبق.
فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل، وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يدخل في قول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.
جعلنا الله وإياكم منهم، ووهب لنا جميعاً منه رحمة، إنه هو الوهاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب السماء والصفات.
وعلى هذا فإن المتأمل في هذه المسألة: "مسألة علو الله تعالى بذاته على خلقه" بعد ردها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتبين له أن الكتاب والسنة قد دلا دلالة صريحة بجميع وجوه الدلالة على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، بعبارات مختلفه منها:
1 - التصريح بأن الله تعالى في السماء، كقوله تعالى: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير}، وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: " " إلى آخر الحديث (رواه أبو داود)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه مسلم).
2 - التصريح بفوقيته تعالى، كقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده}، وقوله: {يخافون ربهم من فوقهم}، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه البخاري).
3 - التصريح بصعود الأشياء إليه، ونزولها منه، والصعود لا يكون إلا إلى أعلى، والنزول لا يكون إلا من أعلى، كقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقوله: {تعرج الملائكة والروح إليه}، وقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}، وقوله تعالى في القرآن الكريم: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، والقرآن كلام الله تعالى، كما قال سبحانه: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، وإذا كان القرآن الكريم كلامه وهو تنزيل منه دل ذلك على علوه بذاته تعالى، وقوله صلى الله عليه وسلم: " " إلى آخر الحديث، وهو صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما. وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ما يقول: إذا أوى إلى فراشه، ومنه: " " وهو في صحيح البخاري وغيره.
4 - التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كما في قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقوله: {ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ".
5 - إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين يشهد الله تعالى في موقف عرفة ذلك الموقف العظيم، الذي أشهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر جمع من أمته، حين قال لهم: " " قالوا: نعم، فقال: " " يرفع أصبعه إلى السماء ويرفعها إلى الناس، وذلك ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر، وهو ظاهر في أن الله تعالى في السماء وإلا لكان رفعه إياها عبثاً.
6 - سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين قال لها: " " قالت: في السماء، قال: " " (رواه مسلم من حديث طويل عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه) وهو صريح في إثبات العلو الذاتي لله تعالى، لأن: "أين"، إنما يستفهم بها عن المكان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة حين سألها: أين الله؟ فأقرها على أنه تعالى في السماء، وبين أن هذا مقتضى الإيمان حين قال: " "، فلا يؤمن العبد حتى يقر ويعتقد أن الله تعالى في السماء، فهذه أنواع من الأدلة السمعية الخبرية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تدل على علو الله تعالى بذاته فوق خلقه.
أما أفراد الأدلة فكثيرة لا يمكن حصرها في هذا الموضع.
وقد أجمع السلف الصالح رضوان الله عليهم على القول بمقتضى هذه النصوص وأثبتوا لله تعالى العلو الذاتي، وهو أنه سبحانه عال بذاته فوق خلقه، كما أنهم مجمعون على إثبات العلو المعنوي له وهو علو الصفات، قال الله تعالى: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}، وقال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وقال تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وقال: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وكما أن علو الله تعالى الذاتي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف، فقد دل عليه العقل والفطرة.
أما دلالة العقل: فيقال: لا ريب أن العلو صفة كمال، وأن ضده صفة نقص، والله تعالى قد ثبت له صفات الكمال فوجب ثبوت العلو له تعالى، ولا يلزم على إثباته له شيء من النقص، فإنا نقول: إن علوه تعالى ليس متضمناً لكون شيء من مخلوقاته محيطاً به، ومن ظن أن إثبات العلو له يستلزم ذلك فقد وهم في ظنه، وضل في عقله.
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى بذاته: فإن كل داع لله تعالى دعاء عبادة، أو دعاء مسألة لا يتجه قلبه حين دعائه إلا إلى السماء، ولذلك تجده يرفع يديه إلى السماء بمقتضى فطرته، كما قال ذلك الهمداني لأبي المعالي الجويني: "ما قال عارف قط: يا رب إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو". فجعل الجويني يلطم على رأسه ويقول: "حيرني الهمداني، حيرني الهمداني". هكذا نقل عنه، سواء صحت عنه أم لم تصح، فإن كل أحد يدرك ذلك، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء، يارب، يارب إلى آخر الحديث، ثم إنك تجد الرجل يصلي وقلبه نحو السماء لاسيما حين يسجد، ويقول: "سبحان ربي الأعلى" لأنه يعلم أن معبوده في السماء سبحانه وتعالى.
وأما قولهم: "إن الله تعالى عن الجهات الست خال"، فهذا القول على عمومه باطل لأنه يقتضي إبطال ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له أعلم خلقه به، وأشدهم تعظيماً له، وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من أنه سبحانه في السماء التي هي في جهة العلو، بل إن ذلك يقتضي وصف الله تعالى بالعدم، لأن الجهات الست هي الفوق، والتحت، واليمين، والشمال، والخلف، والأمام، وما من شيء موجود إلا تتعلق به نسبة إحدى هذه الجهات، وهذا أمر معلوم ببداهة العقول، وإن نفيت هذه الجهات عن الله تعالى لزم أن يكون معدوماً، والذهن وإن كان قد يفرض موجوداً خالياً من تعلق هذه النسب به لكن هذا شيء يفرضه الذهن، ولا يوجد في الخارج، ونحن نؤمن ونرى لزاماً على كل مؤمن بالله أن يؤمن بعلوه تعالى فوق خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، كما قررناه من قبل.
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وأنه سبحانه غني عن خلقه فلا يحتاج لشيء من مخلوقاته. ونحن نرى أيضاً أنه لا يجوز لمؤمن أن يخرج عما يدل عليه الكتاب والسنة، لقول أحد من الناس كائناً من كان، كما أسلفنا الأدلة على ذلك في أول جوابنا هذا.
وأما قولهم: "إن الله تعالى في قلب المؤمن". فهذا لا دليل عليه من كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا كلام أحد من السلف الصالح فيما نعلم، وهو أيضاً على إطلاقة باطل فإنه إن أريد به أن الله تعالى حال في قلب العبد فهو باطل قطعاً، فإن الله تعالى أعظم وأجل من ذلك، ومن العجائب والعجائب جمة أن ينفر شخص مما دل عليه الكتاب والسنة من كون الله تعالى في السماء، ثم يطمئن بما لم يدل عليه الكتاب والسنة من زعمه أن الله تعالى في قلب المؤمن، إذ ليس في الكتاب والسنة حرف واحد يدل على ذلك.
وإن أريد بكون الله تعالى في قلب العبد المؤمن أنه دائماً يذكر ربه في قلبه، فهذا حق، ولكن يجب أن يعبر عنه بعبارة تدل على حقيقته وينتفي عنها المدلول الباطل، فيقال مثلاً: إن ذكر الله تعالى دائماً في قلب العبد المؤمن.
ولكن الذي يظهر من كلام من يتكلم بها أنه يريد أن يستبدلها عن كون الله تعالى في السماء، وهي بهذا المعنى باطلة كما سبق.
فليحذر المؤمن من إنكار ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله، وأجمع عليه السلف إلى عبارات مجملة غامضة تحتمل من المعاني الحق والباطل، وليلتزم سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، حتى يدخل في قول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.
جعلنا الله وإياكم منهم، ووهب لنا جميعاً منه رحمة، إنه هو الوهاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب السماء والصفات.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: