قاعدة في الاسم والمسمى

منذ 2006-12-14
السؤال: فصــل وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.‏

فَصْــل

في الاسم والمسمى.
الإجابة: وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.‏

فَصْــل

في الاسم والمسمى

هل هو هو، أو غيره؟ أو لا يقال:‏ هو هو، ولا يقال:‏ هو غيره؟ أو هو له؟ أو يفصل في ذلك؟ فإن الناس قد تنازعوا في ذلك، والنزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة، بعد أحمد وغيره، والذي كان معروفاً عند أئمة السنة أحمد وغيره:‏ الإنكار على الجهمية الذين يقولون:‏ أسماء الله مخلوقة.‏

فيقولون:‏ الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق.‏ وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول؛ لأن أسماء الله من كلامه، وكلام الله غير مخلوق؛ بل هو المتكلم به، وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء.‏

والجهمية يقولون:‏ كلامه مخلوق، وأسماؤه مخلوقة، وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته، ولا سَمَّى نفسه باسم هو المتكلم به، بل قد يقولون:‏ إنه تكلم به، وسمى نفسه بهذه الأسماء، بمعنى أنه خلقها في غيره، لا بمعنى أنه نفسه تكلم بها الكلام القائم به، فالقول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه.‏

والذين وافقوا السلف على أن كلامه غير مخلوق وأسماءه غير مخلوقة، يقولون:‏ الكلام والأسماء من صفات ذاته، لكن هل يتكلم بمشيئته وقدرته، ويسمى نفسه بمشيئته وقدرته؟ هذا فيه قولان:‏

النفي:‏ هو قول ابن كُلاَّب ومن وافقه.‏

والإثبات:‏ قول أئمة أهل الحديث والسنة وكثير من طوائف أهل الكلام، كالهشامية والكَرّامية وغيرهم، كما قد بسط هذا في مواضع.‏

والمقصود هنا أن المعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال:‏ أسماء الله مخلوقة، وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم؛ فلهذا يروي عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنه قال:‏ إذا سمعت الرجل يقول:‏ الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة، ولم يعرف أيضاً عن أحد من السلف أنه قال:‏ الاسم هو المسمى، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم.

‏‏ ثم منهم من أمسك عن القول في هذه المسألة نفيا وإثباتاً؛ إذ كان كل من الإطلاقين بدعة كما ذكره الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره، وكما ذكره أبو جعفر الطبرى في الجزء الذي سماه صريح السنة، ذكر مذهب أهل السنة المشهور في القرآن، والرؤية، والإيمان والقدر، والصحابة وغير ذلك.‏

وذكر أن ‏[‏مسألة اللفظ‏]‏ ليس لأحد من المتقدمين فيها كلام، كما قال:‏ لم نجد فيها كلاماً عن صحابي مضى ولا عن تابعي قَفَا، إلا عمن في كلامه الشفاء والغَنَاء، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فإنه كان يقول:‏اللفظية جهمية.

‏‏ ويقول:‏ من قال:‏ لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال:‏ غير مخلوق، فهو مبتدع.

‏‏ وذكر أن القول في الاسم والمسمى من الحماقات المبتدعة التي لا يعرف فيها قول لأحد من الأئمة، وأن حسب الإنسان أن ينتهي إلى قوله تعالى:‏ ‏{‏‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏ ‏[‏الأعراف:‏ 180‏]‏، وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى، و هذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيره.‏

والذين قالوا:‏ الاسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة، مثل أبي بكر عبد العزيز، وأبي القاسم الطبري، واللالَكائي، وأبي محمد البغوي صاحب ‏[‏شرح السنة‏]‏ وغيرهم، وهو أحد قولي أصحاب أبي الحسن الأشعري اختاره أبو بكر بن فُورَك وغيره.‏

والقول الثاني وهو المشهور عن أبي الحسن:‏ أن الأسماء ثلاثة أقسام:‏ تارة يكون الاسم هو المسمى كاسم الموجود، وتارة يكون غير المسمى كاسم الخالق، وتارة لا يكون هو ولا غيره كاسم العليم والقدير.‏

وهؤلاء الذين قالوا:‏ إن الاسم هو المسمى، لم يريدوا بذلك أن اللفظ المؤلف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به فإن هذا لا يقوله عاقل؛ ولهذا يقال:‏ لو كان الاسم هو المسمى لكان من قال ‏[‏نار‏]‏ احترق لسانه.‏

ومن الناس من يظن أن هذا مرادهم، ويشنع عليهم، وهذا غلط عليهم؛ بل هؤلاء يقولون:‏ اللفظ هو التسمية، والاسم ليس هو اللفظ؛ بل هو المراد باللفظ فإنك إذا قلت:‏ يا زيد، يا عمرو، فليس مرادك دعاء اللفظ، بل مرادك دعاء المسمى باللفظ، وذكرت الاسم فصار المراد بالاسم هو المسمى.‏

وهذا لا ريب فيه إذا أخبر عن الأشياء فذُكِرَتْ أسماؤها،فقيل:‏‏{‏‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ‏}‏‏ ‏[‏الفتح:‏29‏]‏،‏{‏‏وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}‏‏‏[‏الأحزاب:‏40‏]‏،‏{‏‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً‏}‏‏‏[‏النساء:‏164‏]‏، فليس المراد:‏ أن هذا اللفظ هو الرسول، وهو الذي كلمه الله.‏

وكذلك إذا قيل:‏ جاء زيد وأشهد على عمرو، وفلان عدل ونحو ذلك، فإنما تذكر الأسماء والمراد بها المسميات، وهذا هو مقصود الكلام.‏

فلما كانت أسماء الأشياء إذا ذكرت في الكلام المؤلف فإنما المقصود هو المسميات، قال هؤلاء:‏ الاسم هو المسمى وجعلوا اللفظ هو الاسم عند الناس هو التسمية، كما قال البغوي:‏ والاسم هو المسمى وعينه وذاته.‏ قال الله تعالى:‏‏{‏‏إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى‏}‏‏ ‏[‏مريم:‏7‏]‏، أخبر أن اسمه يحيى.‏

ثم نادى الاسم فقال:‏‏{‏‏يَا يَحْيَى‏}‏‏ ‏[‏مريم:‏12‏]‏، وقال:‏ ‏{‏‏مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا‏}‏‏ ‏[‏يوسف:‏40‏]‏، وأراد الأشخاص المعبودة؛ لأنهم كانوا يعبدون المسميات.‏ وقال:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}‏‏ ‏[‏الأعلى:‏1‏]‏، و‏{‏‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏}‏‏ ‏[‏الرحمن:‏78‏]‏.‏

قال:‏ ثم يقال:‏ للتسمية أيضاً اسم‏ واستعماله في التسمية أكثر من المسمى.‏

وقال أبو بكر بن فورك:‏ اختلفت الناس في حقيقة الاسم، ولأهل اللغة في ذلك كلام، ولأهل الحقائق فيه بيان، وبين المتكلمين فيه خلاف.‏

فأما أهل اللغة فيقولون:‏ الاسم حروف منظومة دالة على معنى مفرد، ومنهم من يقول:‏ إنه قول يدل على مذكور يضاف إليه؛ يعني:‏ الحديث والخبر.‏

قال:‏ وأما أهل الحقائق فقد اختلفوا أيضاً في معنى ذلك، فمنهم من قال:‏ اسم الشيء هو ذاته وعينه، والتسمية عبارة عنه ودلالة عليه، فيسمى اسماً توسعاً.‏

وقالت الجهمية والمعتزلة:‏ الأسماء والصفات:‏ هي الأقوال الدالة على المسميات، وهو قريب مما قاله بعض أهل اللغة.‏

والثالث:‏ لا هو هو، ولا هو غيره، كالعلم والعالم، ومنهم من قال:‏ اسم الشيء هو صفته ووصفه.

‏‏ قال:‏ والذي هو الحق عندنا:‏ قول من قال:‏اسم الشيء هو عينه وذاته، واسم الله هو الله، وتقدير قول القائل:‏ بسم الله أفعل، أي:‏ بالله أفعل، وأنه اسمه هو هو.‏

قال:‏ وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام واستدل بقول لَبِيد:‏

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ك حولاً كاملاً فقد اعتذر

والمعنى:‏ ثم السلام عليكما، فإن اسم السلام هو السلام.‏

قال:‏ واحتج أصحابنا في ذلك بقوله تبارك وتعالى:‏ ‏{‏‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}‏‏ ‏[‏الرحمن:‏78‏]‏، وهذا هو صفة للمسمى لا صفة لما هو قول وكلام، وبقوله:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}‏‏ ‏[‏الأعلى:‏1‏]‏، فإن المسبح هو المسمى وهو الله، وبقوله سبحانه:‏‏{‏‏إنَّا نٍبّشٌَرٍكّ بٌغٍلامُ سًمٍهٍ يّحًيّى}‏‏‏‏ ‏[‏مريم:‏7‏]‏، ثم قال:‏ ‏{‏‏يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ‏}‏‏ ‏[‏مريم:‏12‏]‏، فنادى الاسم وهو المسمى.‏

وبأن الفقهاء أجمعوا على أن الحالف باسم الله كالحالف بالله، في بيان أنه تنعقد اليمين بكل واحد منهما؛ فلو كان اسم الله غير الله لكان الحالف بغير الله لا تنعقد يمينه، فلما انعقد، ولزم بالحنْث فيها كفارة دل على أن اسمه هو.

‏‏ ويدل عليه أن القائل إذا قال:‏ ما اسم معبودكم؟ قلنا:‏ الله‏‏ فإذا قال: ‏وما معبودكم؟ قلنا:‏ الله، فنجيب في الاسم بما نجيب به في المعبود، فدل على أن اسم المعبود هو المعبود لا غير، وبقوله:‏‏{‏‏مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم}‏‏ ‏[‏يوسف:‏40‏]‏، وإنما عبدوا المسميات لا الأقوال التي هي أعراض لا تعبد.‏

قال:‏ فإن قيل:‏ أليس يقال:‏ الله إله واحد وله أسماء كثيرة، فكيف يكون الواحد كثيراً؟ قيل:‏ إذا أطلق أسماء، فالمراد به مسميات المسمين، والشىء قد يسمى باسم دلالته كما يسمى المقدور قدرة.‏

قال:‏ فعلى هذا يكون معنى قوله:‏ باسم الله، أي بالله، والباء معناها الاستعانة وإظهار الحاجة، وتقديره:‏ بك أستعين وإليك أحتاج، وقيل:‏ تقدير الكلمة:‏ أبتدئ أو أبدأ باسمك فيما أقول وأفعل.‏

قلت:‏ لو اقتصروا على أن أسماء الشيء إذا ذكرت في الكلام فالمراد بها المسميات كما ذكروه في قوله:‏ ‏{‏‏يَا يَحْيَى‏}‏‏ ‏[‏مريم:‏12‏]‏، ونحو ذلك لكان ذلك معني واضحاً لا ينازعه فيه من فهمه، لكن لم يقتصروا على ذلك؛ ولهذا أنكر قولهم جمهور الناس من أهل السنة وغيرهم؛ لما في قولهم من الأمور الباطلة، مثل دعواهم أن لفظ اسم الذي هو ‏[‏أ س م‏]‏ معناه:‏ ذات الشيء ونفسه، وأن الأسماء التي هي الأسماء مثل:‏ زيد وعمرو هي التسميات، ليست هي أسماء المسميات، وكلاهما باطل مخالف لما يعلمه جميع الناس من جميع الأمم ولما يقولونه.

‏‏ فإنهم يقولون:‏ إن زيداً وعمراً ونحو ذلك هي أسماء الناس، و التسمية:‏ جعل الشيء اسماً لغيره هي مصدر سميته تسمية إذا جعلت له اسماً، والاسم:‏ هو القول الدال على المسمى، ليس الاسم الذي هو لفظ اسم هو المسمى، بل قد يراد به المسمى؛ لأنه حكم عليه ودليل عليه.‏

وأيضاً، فهم تكلفوا هذا التكليف ليقولوا:‏ إن اسم الله غير مخلوق، ومرادهم أن الله غير مخلوق، وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة.‏ فإن أولئك ما قالوا الأسماء مخلوقة إلا لما قال هؤلاء:‏ هي التسميات، فوافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى، ووافقوا أهل السنة في اللفظ، ولكن أرادوا به ما لم يسبقهم أحد إلى القول به من أن لفظ اسم وهو ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ معناه:‏ إذا أطلق هو الذات المسماه، بل معنى هذا اللفظ هي الأقوال التي هي أسماء الأشياء، مثل زيد وعمرو، وعالم وجاهل.‏

فلفظ الاسم لا يدل على أن هذه الأسماء هي مسماه.‏

ثم قد عرف أنه إذا أطلق الاسم في الكلام المنظوم فالمراد به المسمى، فلهذا يقال:‏ ما اسم هذا؟ فيقال:‏ زيد.

‏‏ فيجاب باللفظ، ولا يقال:‏ ما اسم هذا؟ فيقال:‏ هو هو، وما ذكروه من الشواهد حجة عليهم.‏

أما قوله:‏‏{إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً‏}‏‏ ‏[‏مريم:‏7‏]‏، ثم قال:‏ ‏{‏‏يَا يَحْيَى‏}‏‏ فالاسم الذى هو يحيى هو هذا اللفظ المؤلف من ‏(‏يا و حا و يا‏)‏ هذا هو اسمه، ليس اسمه هو ذاته؛ بل هذا مكابرة.‏

ثم لما ناداه فقال:‏‏{‏‏يَا يَحْيَى‏}‏‏.

‏‏فالمقصود المراد بنداء الاسم هو نداء المسمى، لم يقصد نداء اللفظ، لكن المتكلم لا يمكنه نداء الشخص المنادى إلا بذكر اسمه وندائه، فيعرف حينئذ أن قصده نداء الشخص المسمى، وهذا من فائدة اللغات وقد يدعى بالإشارة، وليست الحركة هي ذاته، ولكن هي دليل على ذاته.‏

وأما قوله:‏ ‏{‏‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏}‏‏ ‏[‏الرحمن:‏78‏]‏، ففيها قراءتان:‏ الأكثر ون يقرؤون:‏‏{‏‏ذِي الْجَلَالِ‏}‏‏ فالرب المسمى:‏ هو ذو الجلال والإكرام.‏

وقرأ ابن عامر:‏ ‏{‏‏ذو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏}‏‏، وكذلك هي في المصحف الشامي؛ وفي مصاحف أهل الحجاز والعراق هي بالياء.‏

وأما قوله:‏ ‏{‏‏وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ‏}‏‏ ‏[‏الرحمن:‏ 27‏]‏، فهي بالواو باتفاقهم، قال ابن الأنباري وغيره:‏‏{‏‏تَبَارَك‏}‏‏ تفاعل من البركة، والمعنى:‏ أن البركة تكتسب وتنال بذكر اسمه، فلو كان لفظ الاسم معناه المسمى، لكان يكفي قوله:{‏‏تبارك ربك‏}‏‏ فإن نفس الاسم عندهم هو نفس الرب، فكان هذا تكريراً.‏

وقد قال بعض الناس:‏ إن ذكر الاسم هنا صلة، والمراد:‏ تبارك ربك، ليس المراد الإخبار عن اسمه بأنه تبارك، وهذا غلط، فإنه على هذا يكون قول المصلى:‏ تبارك اسمك أي:‏ تباركت أنت، و نفس أسماء الرب لا بركة فيها.‏

ومعلوم أن نفس أسمائه مباركة وبركتها من جهة دلالتها على المسمى.‏

ولهذا فرقت الشريعة بين ما يذكر اسم الله عليه، وما لا يذكر اسم الله عليه في مثل قوله:‏ ‏{‏‏فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ}‏‏ ‏[‏الأنعام:‏118‏]‏، وقوله:‏{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ} ‏[‏الأنعام119‏]‏، وقوله:‏ ‏{‏‏وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ‏}‏‏ ‏[‏المائدة:‏4‏]‏، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعَدِيِّ بن حاتم "وإن خالط كلبك كلاب أخرى فلا تأكل، فإنك إنما سَمّيت على كلبك ولم تُسَمِّ على غيره‏"‏‏.

‏‏ وأما قوله تعالى:‏ ‏{‏‏مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم‏}‏‏ ‏[‏يوسف:‏40‏]‏، فليس المراد كما ذكروه:‏ أنكم تعبدون الأوثان المسماة، فإن هذا هم معترفون به.‏

والرب تعالى نفى ما كانوا يعتقدونه، وأثبت ضده، ولكن المراد:‏ أنهم سموها آلهة، واعتقدوا ثبوت الإلهية فيها، وليس فيها شيء من الإلهية.‏

فإذا عبدوها معتقدين إلهيتها مسمين لها آلهة لم يكونوا قد عبدوا إلا أسماء ابتدعوها هم، ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن الله لم يأمر بعبادة هذه ولا جعلها آلهة كما قال:‏ ‏{‏‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}‏‏ ‏[‏الزخرف:‏ 45‏]‏، فتكون عبادتهم لما تصوروه في أنفسهم من معنى الإلهية، وعبروا عنه بألسنتهم، وذلك أمر موجود في أذهانهم وألسنتهم، لا حقيقة له في الخارج، فما عبدوا إلا هذه الأسماء التي تصوروها في أذهانهم، وعبروا عن معانيها بألسنتهم، وهم لم يقصدوا عبادة الصنم إلا لكونه إلهاً عندهم، وإلهيته هي في أنفسهم، لا في الخارج، فما عبدوا في الحقيقة إلا ذلك الخيال الفاسد الذي عبر عنه.‏

ولهذا قال في الآية الأخرى:‏‏{‏‏وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ}‏‏ ‏[‏الرعد:‏33‏]‏، يقول:‏ سموهم بالأسماء التي يستحقونها، هل هي خالقة رازقة محيية مميتة أم هي مخلوقة لا تملك ضراً ولا نفعاً؟ فإذا سموها فوصوفها بما تستحقه من الصفات تبين ضلالهم، قال تعالى:‏‏{‏‏أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ‏}‏‏، وما لا يعلم أنه موجود فهو باطل لا حقيقة له، ولو كان موجوداً لعلمه موجوداً ‏{‏‏أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ‏}‏‏ أم بقول ظاهر باللسان لا حقيقة له في القلب، بل هو كذب وبهتان.‏

وأما قولهم:‏ إن الاسم يراد به التسمية وهو القول، فهذا الذي جعلوه هم تسمية هو الاسم عند الناس جميعهم، والتسمية جعله اسما والإخبار بأنه اسم ونحو ذلك، وقد سلموا أن لفظ الاسم أكثر ما يراد به ذلك، وادعوا أن لفظ الاسم الذي هو ‏[‏ألف سين ميم‏]‏:‏هو في الأصل ذات الشيء، ولكن التسمية سميت اسما لدلالتها على ذات الشيء، تسمية للدال باسم المدلول، ومثلوه بلفظ القدرة، و ليس الأمر كذلك، بل التسمية مصدر سمى يسمى تسمية، والتسمية نطق بالاسم وتكلم به، ليست هي الاسم نفسه، وأسماء الأشياء:‏ هي الألفاظ الدالة عليها، ليست هي أعيان الأشياء.‏

وتسمية المقدور قدرة، هو من باب تسمية المفعول باسم المصدر، وهذا كثير شائع في اللغة، كقولهم للمخلوق:‏ خلق، وقولهم:‏ درهم ضرب الأمير، أي:‏ مضروب الأمير، ونظائره كثيرة.‏

وابن عطية سلك مسلك هؤلاء وقال:‏ الاسم الذي هو ‏[‏ألف وسين وميم‏]‏ يأتي في مواضع من الكلام الفصيح يراد به المسمى، ويأتي في مواضع يراد به التسمية، نحو قوله صلى الله عليه وسلم "إن لله تسْعَة وتسعين اسماً‏"‏‏ وغير ذلك، ومتى أريد به المسمى فإنما هو صلة كالزائد، كأنه قال في هذه الآية، سبح ربك الأعلى، أي:‏ نزهه.‏

قال:‏ وإذا كان الاسم واحد والأسماء كزيد وعمرو، فيجىء في الكلام على ما قلت لك.‏

تقول:‏ زيد قائم، تريد المسمى، وتقول:‏ زيد ثلاثة أحرف، تريد التسمية نفسها، على معنى:‏ نزه اسم ربك عن أن يسمى به صَنَم أو وَثَن ‏[‏قيل:‏ الصنم هو الوثن، وقيل:‏ الصنم المتخذ من الجواهر المعدنية التي تذوب، والوثن هو المتخذ من حجر أو خشب، وقيل غير ذلك‏ انظر:‏ المصباح المنير، مادة:‏ صنم‏]‏.‏ فيقال له:‏ إله أو رب.‏

قلت:‏ هذا الذي ذكروه لا يعرف له شاهد، لا من كلام فصيح ولا غير ذلك، ولا يعرف أن لفظ اسم ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ يراد به المسمى، بل المراد به الاسم الذي يقولون هو التسمية.‏

وأما قوله:‏ تقول:‏ زيد قائم، تريد المسمى.

‏‏ فزيد ليس هو ‏(‏ألف سين ميم‏)‏ بل زيد مسمى هذا اللفظ، فزيد يراد به المسمى، ويراد به اللفظ.‏

وكذلك اسم ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ يراد به هذا اللفظ، ويراد به معناه، وهو لفظ زيد وعمرو وبكر، فتلك هي الأسماء التي تراد بلفظ اسم؛ لا يراد بلفظ اسم نفس الأشخاص؛ فهذا ما أعرف له شاهداً صحيحاً، فضلاً عن أن يكون هو الأصل، كما ادعاه هؤلاء.

‏‏ قال تعالى:‏‏{‏‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ‏}‏‏ ‏[‏الأعراف:‏180‏]‏، فأسماؤه الحسنى مثل:‏ ‏{‏‏الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏‏ ‏[‏الحشر:‏22‏]‏ و‏{‏‏الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}‏‏ ‏[‏يوسف:‏98‏]‏، فهذه الأقوال هي أسماؤه الحسنى، وهي إذا ذكرت في الدعاء والخبر يراد بها المسمى.‏

إذا قال:‏ ‏{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ‏}‏‏ ‏[‏الشعراء:‏217‏]‏، فالمراد المسمى، ليس المراد أنه يتوكل على الأسماء التي هي أقوال؛ كما في سائر الكلام؛ كلام الخالق، وكلام المخلوقين.‏

وما ذكروه من أن القائل إذا قال:‏ ما اسم معبودكم؟ قلنا:‏ الله،فنجيب في الاسم بما نجيب به في المعبود، فدل على أن اسم المعبود هو المعبود حجة باطلة، وهي عليهم لا لهم.

‏‏ فإن القائل إذا قال:‏ ما اسم معبودكم؟ فقلنا:‏الله، فالمراد أن اسمه هو هذا القول، ليس المراد أن اسمه هو ذاته وعينه الذي خلق السموات والأرض، فإنه إنما سأل عن اسمه لم يسأل عن نفسه، فكان الجواب بذكر اسمه.‏

وإذا قال:‏ ما معبودكم؟ فقلنا:‏ الله، فالمراد هناك المسمى، ليس المراد أن المعبود هو القول، فلما اختلف السؤال في الموضعين اختلف المقصود بالجواب، وإن كان في الموضعين قال:‏ الله، لكنه في أحدهما أريد هذا القول الذي هو من الكلام، وفي الآخر أريد به المسمى بهذا القول.‏

كما إذا قيل:‏ ما اسم فلان؟ فقيل:‏ زيد أو عمرو، فالمراد هو القول.

‏‏ وإذا قال:‏ من أميركم أو من أنكحت؟ فقيل:‏ زيد أو عمرو، فالمراد به الشخص، فكيف يجعل المقصود في الموضعين واحداً.‏

ولهذا قال تعالى:‏ ‏{‏‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏ ‏[‏الأعراف:‏180‏]‏، كان المراد:‏ أنه نفسه له الأسماء الحسنى، ومنها اسمه الله.‏

كما قال:‏ ‏{‏‏قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏ ‏[‏الإسراء:‏110‏]‏، فالذي له الأسماء الحسنى هو المسمى بها؛ ولهذا كان في كلام الإمام أحمد:‏ أن هذا الاسم من أسمائه الحسنى، وتارة يقول:‏ الأسماء الحسنى له، أي:‏المسمى ليس من الأسماء، ولهذا في قوله:‏‏{‏‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏ لم يقصد أن هذا الاسم له الأسماء الحسنى، بل قصد أن المسمى له الأسماء الحسنى.‏

وفي حديث أنس الصحيح:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نَقْشُ خاتمه:‏‏{محمد رسول الله}‏‏ ‏[‏محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر‏]‏، ويراد الخط المكتوب الذي كتب به ذلك؛ فالخط الذي كتب به ‏[‏محمد‏]‏ سطر، والخط الذي كتب به ‏[‏رسول‏]‏ سطر و الخط الذي كتب به ‏[‏الله‏]‏ سطر.‏

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم"يقول الله تعالى:‏ أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"‏‏ ، فمعلوم أن المراد:‏ تحرك شفتاه بذكر اسم الله، وهو القول، ليس المراد:‏ أن الشفتين تتحرك بنفسه تعالى.‏

وأما احتجاجهم بقوله:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}‏‏ ‏[‏الأعلى:‏1‏]‏، وأن المراد:‏ سبح ربك الأعلى، وكذلك قوله:‏ ‏{‏‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}‏‏ ‏[‏الرحمن:‏78‏]‏، وما أشبه ذلك، فهذا للناس فيه قولان معروفان، وكلاهما حجة عليهم.‏

منهم من قال:‏ ‏[‏الاسم‏]‏ هنا صلة والمراد:‏ سبح ربك، وتبارك ربك.‏

وإذا قيل:‏ هو صلة فهو زائد لا معنى له، فيبطل قولهم أن مدلول لفظ اسم ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ هو المسمى، فإنه لو كان له مدلول مراد لم يكن صلة.‏

ومن قال:‏ إنه هو المسمى وأنه صلة، كما قاله ابن عطية، فقد تناقض، فإن الذي يقول:‏ هو صلة، لا يجعل له معنى، كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد، كقوله:‏ ‏{‏‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ}‏‏ ‏[‏آل عمران:‏159‏]‏، و{‏‏عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ‏}‏‏ ‏[‏المؤمنون:‏40‏]‏ ونحو ذلك.‏

ومن قال:‏ إنه ليس بصلة، بل المراد تسبيح الاسم نفسه، فهذا مناقض لقولهم مناقضة ظاهرة.

‏‏ والتحقيق أنه ليس بصلة، بل أمر الله بتسبيح اسمه، كما أمر بذكر اسمه.‏

والمقصود بتسبيحه وذكره:‏ هو تسبيح المسمى وذكره، فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه ويذكر اسمه، فيقول:‏ سبحان ربي الأعلى، فهو نطق بلفظ:‏ ‏[‏ربي الأعلى‏]‏، والمراد هو المسمى بهذا اللفظ، فتسبيح الاسم هو تسبيح المسمى، ومن جعله تسبيحاً للاسم يقول:‏ المعنى:‏ أنك لا تسم به غير الله، ولا تلحد في أسمائه، فهذا مما يستحقه اسم الله، لكن هذا تابع للمراد بالآية ليس هو المقصود بها القصد الأول.‏

وقد ذكر الأقوال الثلاثة غير واحد من المفسرين، كالبغوي، قال:‏ قوله:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}‏‏ ‏[‏الأعلى:‏1‏]‏ أي:‏ قل:‏ سبحان ربي الأعلى.‏

وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة، وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:‏ ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏‏ فقال "سبحان ربي الأعلى‏"‏‏.

‏ قلت في ذلك حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ ‏"‏أنه لما نزل" ‏{‏‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏‏ ‏[‏الواقعة:‏74‏]‏ "قال:‏ ‏‏اجعلوها في ركوعكم‏‏ ولما نزل"‏:‏‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏‏، " قال:‏ ‏اجعلوها في سجودكم‏‏"، والمراد بذلك:‏ أن يقولوا في الركوع:‏ سبحان ربي العظيم، وفي السجود:‏ سبحان ربي الأعلى، كما ثبت في الصحيح عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ ‏"‏ أنه قام بالبقرة والنساء وآل عمران، ثم ركع نحواً من قيامه يقول:‏ ‏‏سبحان ربي العظيم‏‏ وسجد نحواً من ركوعه يقول:‏ ‏‏سبحان ربي الأعلى‏"‏‏.‏

وفي السنن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا قال العبد في ركوعه:‏ سبحان ربي العظيم ثلاثاً، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه،وإذا قال في سجوده:‏ سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، فقد تم سجوده،وذلك أدناه‏"، وقد أخذ بهذا جمهور العلماء.‏

قال البغوي:‏ وقال قوم:‏ معناه:‏ نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون.‏

وجعلوا الاسم صلة‏‏ قال:‏ ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحداً؛ لأن أحداً لا يقول:‏ سبحان اسم الله وسبحان اسم ربنا؛ إنما يقولون:‏ سبحان الله، وسبحان ربنا.‏ وكان معنى ‏{‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏‏ ‏[‏الأعلى:‏ 1‏]‏، سبح ربك.‏

قلت:‏ قد تقدم الكلام على هذا، والذي:‏ يقول:‏ سبحان الله، وسبحان ربنا، إنما نطق بالاسم الذي هو الله، والذي هو ربنا فتسبيحه إنما وقع على الاسم، لكن مراده هو المسمى، فهذا يبين أنه ينطق باسم المسمى والمراد المسمى، وهذا لا ريب فيه، لكن هذا لا يدل على أن لفظ اسم الذي هو ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ المراد به المسمى.‏

لكن يدل على أن ‏[‏أسماء الله‏]‏ مثل:‏ الله، وربنا، وربي الأعلى ونحو ذلك، يراد بها المسمى، مع أنها هي في نفسها ليست هي المسمى، لكن يراد بها المسمى، فأما اسم هذه الأسماء ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ فلا هو المسمى الذي هو الذات، ولا يراد به المسمى الذي هو الذات، ولكن يراد به مسماه الذي هو الأسماء، كأسماء الله الحسنى، في قوله:‏ ‏{‏‏وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏‏ ‏[‏الأعراف:‏ 180‏]‏، فلها هذه الأسماء الحسنى التي جعلها هؤلاء هي التسميات، وجعلوا التعبير عنها بالأسماء توسعاً، فخالفوا إجماع الأمم كلهم من العرب وغيرهم، وخالفوا صريح المعقول وصحيح المنقول.‏

والذين شاركوهم في هذا الأصل وقالوا:‏ الأسماء ثلاثة، قد تكون هي المسمى، وقد تكون غيره، وقد تكون لا هي هو ولا غيره، وجعلوا الخالق والرازق ونحوهما غير المسمى، وجعلوا العليم والحكيم ونحوهما للمسمى غلطوا من وجه آخر؛ فإنه إذا سلم لهم أن المراد بالاسم الذي هو ‏[‏ألف سين ميم‏]‏ هو مسمى الأسماء، فاسمه الخالق هو الرب الخالق نفسه، ليس هو المخلوقات المنفصلة عنه، واسمه العليم هو الرب العليم الذي العلم صفة له، فليس العلم هو المسمى، بل المسمى هو العليم، فكان الواجب أن يقال على أصلهم:‏الاسم هنا هو المسمى وصفته، وفي الخالق الاسم هو المسمى وفعله.‏

ثم قولهم إن الخلق هو المخلوق، وليس الخلق فعلاً قائماً بذاته، قول ضعيف، مخالف لقول جمهور المسلمين، كما قد بسط في موضعه.‏

فتبين أن هؤلاء الذين قالوا:‏ ‏[‏الاسم هو المسمى‏]‏، إنما يسلم لهم أن أسماء الأشياء إذا ذكرت في الكلام أريد به المسمى، وهذا ما لا ينازع فيه أحد من العقلاء، لا أن لفظ اسم ‏[‏ألف، سين، ميم‏]‏ يراد به الشخص.‏

وما ذكروه من قول لبيد:‏

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

فمراده:‏ ثم النطق بهذا الاسم وذكره وهو التسليم المقصود، كأنه قال:‏ ثم سلام عليكم، ليس مراده أن السلام يحصل عليهما بدون أن ينطق به، ويذكر اسمه.

‏‏ فإن نفس السلام قول، فإن لم ينطق به ناطق ويذكره لم يحصل.‏

وقد احتج بعضهم بقول سيبويه:‏ إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنى لما مضى ولما لم يكن بعد، وهذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه مقصوده بذكر الاسم والفعل ونحو ذلك الألفاظ.‏

وهذا اصطلاح النحويين، سموا الألفاظ بأسماء معانيها؛ فسموا قام ويقوم وقم فعلا؛ والفعل هو نفس الحركة؛ فسموا اللفظ الدال عليها باسمها.‏

وكذلك إذا قالوا:‏ اسم معرب ومبني، فمقصودهم اللفظ، ليس مقصودهم المسمى، وإذا قالوا:‏ هذا الاسم فاعل فمرادهم أنه فاعل في اللفظ، أي أسند إليه الفعل، ولم يرد سيبويه بلفظ الأسماء المسميات كما زعموا، ولو أراد ذلك فسدت صناعته.‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - المجلد السادس.
  • 6
  • 1
  • 59,440

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً