ما حكم وضع مكبر الصوت في المنارة للتأذين به؟
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: ما حكم وضع مكبر الصوت في المنارة للتأذين به؟
الإجابة: لا نرى بأساً بوضع مكبر الصوت الذي يسمى: (الميكرفون) في المنارة
للتأذين به، وذلك لما يشتمل عليه من المصالح الكثيرة، وسلامته من
المحذور، ويدل على ذلك أمور:
الأول: أنه مما خلق الله تعالى لنا في هذه الأرض، وقد قال الله تعالى ممتناً على عباده بإباحته لهم جميع ما في الأرض، وتسخيره لهم ما في السماوات والأرض: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}، ولا ينبغي للعبد أن يرد نعمة الله عليه فيحرم نفسه منها بغير موجب شرعي، فإن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول راداً على من يحللون ويحرمون بأهوائهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، ويقول ناهياً عن ذلك: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عنه في صحيح مسلم في شأن البصل والكراث: " "، فكيف يجوز لغيره أن يحرم ما أحل الله؟!
فإن قال قائل: إن الميكرفون حرام.
قلنا له: ليس لك أن تحرِّم شيئاً إلا بدليل، ولا دليل لك على تحريمه، بل الدليل كما أثبتنا يدل على حله لأنه مما خلق الله لنا في الأرض وقد أحله لنا كما تفيده الآية السابقة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}.
الثاني: أن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن: "الأصل في الأعيان والمنافع الحل والإباحة، إلا ما قام الدليل على تحريمه"، وهذه القاعدة مستمدة من نصوص الكتاب، والسنة.
أما الكتاب: فمن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا}.
وأما السنة فمن قوله صلى الله عليه وسلم: " "، وأخبر أن: "ما سكت عنه فهو عفو"، والميكرفون مما خلق الله تعالى في الأرض، وسكت عنه فيكون عفواً مباحاً.
الثالث: أن قاعدة الشرع الأساسية جلب المصالح ودفع المفاسد، والميكرفون يشتمل على مصالح كالمبالغة برفع الصوت بتكبير الله تعالى وتوحيده، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والدعوة إلى الله خصوصاً، وإلى الفلاح عموماً، ومن مصالحه تنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، ومع هذه المصالح ليس فيه مفسدة تقابل أو تقارب هذه المصالح بل ليس فيه مفسدة مطلقاً فيما نعلم.
الرابع: أن من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والميكرفون وسيلة ظاهرة إلى إسماع الناس الأذان والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم ما يلقى فيه من خطب ومواعظ، وإسماع الناس الأذان، والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم المواعظ والخطب من الأمور المأمور بها بإجماع أهل العلم، فما كان وسيلة إلى تعميمها وإيصالها إلى الناس كان مأموراً بها أيضاً.
الخامس: أن أهل العلم قالوا: ينبغي أن يكون المؤذن صيِّتاً أي: رفيع الصوت ليكون أشمل لإبلاغ الأذان، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأي في المنام من يعلمه الأذان: " "، فدل هذا على طلب علو الصوت في الأذان، والميكرفون من وسائله بلا شك فيكون مطلوباً.
السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى من كان عالي الصوت في إبلاغ الناس كما أمر أبي طلحة أن ينادي عام خيبر: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس"، وكما أمر العباس أن ينادي في الناس بأعلى صوته حين انصرفوا في حنين يقول مستحثاً لهم على الرجوع: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب صورة البقرة، أو يا أهل..."، وهذا يدل على التماس ما هو أبلغ في إيصال الأحكام الشرعية والدعوة إلى الله تعالى، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على راحلته ليكون أبلغ في إيصال صوته.
السابع: أن الميكرفون آلة لتكبير الصوت وتقويته، فكيف نقول إنه محرم ولا نقول إن نظارة العين التي تقوي النظر وتكبر الحرف إنها محرمة؟! هذه تكبر الحرف وتقوي نظر العين، وذاك يقوي الصوت ويضخم الكلمات ولا فرق بين الأمرين.
وأما توهم بعض الناس أن الميكرفون لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فنقول: ما أكثر الأشياء التي وجدت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون على جوازها، فإن تدوين السنة وتصنيفها في الكتب لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارض في جواز ذلك إلا نفر قليل من الصدر الأول خوفاً من اختلاطها بالقرآن، ثم انعقد الإجماع على الجواز بعد ذلك، وبناء المدارس لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع المسلمون على جوازه، وتصنيف الكتب في علم التوحيد والفقه وغيرها لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون على جوازه، والمطابع التي تطبع الكتب لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون من بعد حدوثها على جواز طباعة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أهل العلم في التفسير وشرح السنة، وعلم التوحيد، والفقه وغيرها بهذه المطابع، ولم يقل أحد إنا لا نطبع بها لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامن: أن الميكروفون يُستعمل في أفضل المساجد: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحداً ممن يُقتدي به من أهل العلم عارض ذلك أو أنكر على ولاة الأمور، وهذا أمر واضح ولله الحمد، ولا حرج عليكم في استعمال الميكروفون في المنارة للتأذين به، وإذا كان أحد من الإخوان يكرهه فلا ينبغي أن يحرِّمه على غيره، كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه لمن قال إنه يكره أن يكون في أذن الأضحية أو قرنها نقص فقال له البراء: "ما كرهتَ فدعه ولا تحرِّمه على غيرك". والله الموفق. في 13/6/1399 هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة.
الأول: أنه مما خلق الله تعالى لنا في هذه الأرض، وقد قال الله تعالى ممتناً على عباده بإباحته لهم جميع ما في الأرض، وتسخيره لهم ما في السماوات والأرض: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}، ولا ينبغي للعبد أن يرد نعمة الله عليه فيحرم نفسه منها بغير موجب شرعي، فإن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول راداً على من يحللون ويحرمون بأهوائهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، ويقول ناهياً عن ذلك: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عنه في صحيح مسلم في شأن البصل والكراث: " "، فكيف يجوز لغيره أن يحرم ما أحل الله؟!
فإن قال قائل: إن الميكرفون حرام.
قلنا له: ليس لك أن تحرِّم شيئاً إلا بدليل، ولا دليل لك على تحريمه، بل الدليل كما أثبتنا يدل على حله لأنه مما خلق الله لنا في الأرض وقد أحله لنا كما تفيده الآية السابقة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}.
الثاني: أن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن: "الأصل في الأعيان والمنافع الحل والإباحة، إلا ما قام الدليل على تحريمه"، وهذه القاعدة مستمدة من نصوص الكتاب، والسنة.
أما الكتاب: فمن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا}.
وأما السنة فمن قوله صلى الله عليه وسلم: " "، وأخبر أن: "ما سكت عنه فهو عفو"، والميكرفون مما خلق الله تعالى في الأرض، وسكت عنه فيكون عفواً مباحاً.
الثالث: أن قاعدة الشرع الأساسية جلب المصالح ودفع المفاسد، والميكرفون يشتمل على مصالح كالمبالغة برفع الصوت بتكبير الله تعالى وتوحيده، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والدعوة إلى الله خصوصاً، وإلى الفلاح عموماً، ومن مصالحه تنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، ومع هذه المصالح ليس فيه مفسدة تقابل أو تقارب هذه المصالح بل ليس فيه مفسدة مطلقاً فيما نعلم.
الرابع: أن من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والميكرفون وسيلة ظاهرة إلى إسماع الناس الأذان والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم ما يلقى فيه من خطب ومواعظ، وإسماع الناس الأذان، والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم المواعظ والخطب من الأمور المأمور بها بإجماع أهل العلم، فما كان وسيلة إلى تعميمها وإيصالها إلى الناس كان مأموراً بها أيضاً.
الخامس: أن أهل العلم قالوا: ينبغي أن يكون المؤذن صيِّتاً أي: رفيع الصوت ليكون أشمل لإبلاغ الأذان، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأي في المنام من يعلمه الأذان: " "، فدل هذا على طلب علو الصوت في الأذان، والميكرفون من وسائله بلا شك فيكون مطلوباً.
السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى من كان عالي الصوت في إبلاغ الناس كما أمر أبي طلحة أن ينادي عام خيبر: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس"، وكما أمر العباس أن ينادي في الناس بأعلى صوته حين انصرفوا في حنين يقول مستحثاً لهم على الرجوع: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب صورة البقرة، أو يا أهل..."، وهذا يدل على التماس ما هو أبلغ في إيصال الأحكام الشرعية والدعوة إلى الله تعالى، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على راحلته ليكون أبلغ في إيصال صوته.
السابع: أن الميكرفون آلة لتكبير الصوت وتقويته، فكيف نقول إنه محرم ولا نقول إن نظارة العين التي تقوي النظر وتكبر الحرف إنها محرمة؟! هذه تكبر الحرف وتقوي نظر العين، وذاك يقوي الصوت ويضخم الكلمات ولا فرق بين الأمرين.
وأما توهم بعض الناس أن الميكرفون لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فنقول: ما أكثر الأشياء التي وجدت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون على جوازها، فإن تدوين السنة وتصنيفها في الكتب لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارض في جواز ذلك إلا نفر قليل من الصدر الأول خوفاً من اختلاطها بالقرآن، ثم انعقد الإجماع على الجواز بعد ذلك، وبناء المدارس لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع المسلمون على جوازه، وتصنيف الكتب في علم التوحيد والفقه وغيرها لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون على جوازه، والمطابع التي تطبع الكتب لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون من بعد حدوثها على جواز طباعة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أهل العلم في التفسير وشرح السنة، وعلم التوحيد، والفقه وغيرها بهذه المطابع، ولم يقل أحد إنا لا نطبع بها لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامن: أن الميكروفون يُستعمل في أفضل المساجد: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحداً ممن يُقتدي به من أهل العلم عارض ذلك أو أنكر على ولاة الأمور، وهذا أمر واضح ولله الحمد، ولا حرج عليكم في استعمال الميكروفون في المنارة للتأذين به، وإذا كان أحد من الإخوان يكرهه فلا ينبغي أن يحرِّمه على غيره، كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه لمن قال إنه يكره أن يكون في أذن الأضحية أو قرنها نقص فقال له البراء: "ما كرهتَ فدعه ولا تحرِّمه على غيرك". والله الموفق. في 13/6/1399 هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة.