هل قول: (الصلاة خير من النوم) في الفجر مشروع؟
منذ 2006-12-15
السؤال: ما رأي فضيلتكم في قول المؤذن في أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم)
هل هو مشروع؟
الإجابة: قول المؤذن: (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر يقال له: (التثويب)،
وقد اختلف أهل العلم في مشروعيته:
فمنهم من قال: إنه مشروع، ومنهم من قال إنه بدعة.
والصواب: أنه مشروع في الأذان لصلاة الفجر لكثرة الأحاديث الواردة فيه، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال فمجموعها يلحق الحديث بالحجة والاستدلال، وقد ورد التثويب في أذان بلال، وأذان أبي محذورة: فأما حديث بلال فرواه الإمام أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه أن بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة إلى الفجر فقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: " "، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
وأما حديث أبي محذورة فرواه أبو داود عنه أنه قال: يا رسول الله! علمني الأذان فذكر الحديث، وفيه بعد ذكر حي على الفلاح، " "، وفي رواية في هذا الحديث: " "، وفي أخرى: " "، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم".
فهذه الأحاديث تبين أن التثويب مشروع في الأذان لصلاة الفجر، والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها وحضورها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: " "، وعلى هذا فالأذان لصلاة الصبح لا يكون إلا بعد دخول وقتها، أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال رضي الله عنه أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " " (رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)، فبيَّن صلى الله عليه وسلم بنصه الصريح أن الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر، وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت؛ لأنه هو أذان صلاة الفجر، أما ما كان قبل وقتها فليس أذاناً لها وإن سمَّاه بعض الناس الأذان الأول للفجر.
وأما تقييد الأذان بالأول أو بالأولي في بعض روايات حديث أبي محذورة رضي الله عنه فلا يتعين أن المراد به ما قبل الفجر؛ لأنه يحتمل أنه وصف بكونه أولاً بالنسبة إلى الإقامة، فإن الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " "، أي بين كل أذان وإقامة، أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغةً كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة" الحديث، وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام لغة، فإن الأذان في اللغة الإعلام، والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة.
ويؤيد هذا الاحتمال أنه لم ينقل أن أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرتين مرة قبله ومرة بعده، ثم رأيت في صحيح البخاري في: (باب من انتظر الإقامة) حديث عائشة رضي الله عنها رقم 626 / 109 فتح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة، وهذا يؤيد ما ذكرته من الاحتمال، وفي صحيح مسلم في: (باب صلاة الفجر) عنها رضي الله عنها قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، وفيه: فإذا كان عند النداء الأول، قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين، صحيح مسلم 1/ 510، والمراد بالنداء الأول أذان الفجر كما دلت عليه روايات أخرى لمسلم 1/508 -509.
وبسلوك هذا الاحتمال تجتمع الأدلة ويحصل الائتلاف بينها حيث يكون حديث أبي محذورة موافقاً لحديث مالك بن الحويرث الدال على أنه لا يؤذن للصلاة إلا عند حضورها بدخول وقتها، ولحديث ابن مسعود الدال على الأذان قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الفجر، ولظاهر حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في أذان بلال ودعائه النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الغداة حيث لا يكون دعاؤه لها إلا بعد دخول وقتها، وعلى هذا فتكون السنة دالة على أن التثويب في أذان الفجر، وأذان الفجر لا يكون إلا بعد دخول وقت صلاة الفجر، فالأذان قبل الفجر لا تثويب فيه وهو عمل الناس عندنا من قديم، وأما كلام فقهائنا رحمهم الله فظاهره أن التثويب في أذان الفجر سواء أذن بعذ الفجر أم قبله ولكن ما دلت عليه السنة أولى.
وأما استنباط بعض الناس كون التثويب في الأذان الذي قبل الفجر بقول المثوِّب: (الصلاة خير من النوم)، والخيرية ترغيب في الشيء ولا تقتضي الإلزام به، وهذا إنما يكون في النداء الذي قبل الفجر؛ لأن النداء بعد الفجر ملزم بصلاة الفجر، فليس هذا الاستنباط بشيء، وذلك لأن الخير في الواجب الملزم به أبلغ منه في المندوب إليه من غير إلزام؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: " "، وخيرية الشيء وردت في القرآن في الأمور الواجبة والمندوب إليها من غير إيجاب، فقال تعالى في سورة الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فقد وردت الخيرية في أوجب الأمور وهي العقيدة وحمايتها، وقال تعالى في سورة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، والسعي إلى الجمعة وترك البيع بعد ندائها واجب، وقال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
والخيرية هنا واردة فيما هو مندوب وليس بواجب.
وبهذا تبين أن الاستنباط المذكور ليس بشيء والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة.
فمنهم من قال: إنه مشروع، ومنهم من قال إنه بدعة.
والصواب: أنه مشروع في الأذان لصلاة الفجر لكثرة الأحاديث الواردة فيه، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال فمجموعها يلحق الحديث بالحجة والاستدلال، وقد ورد التثويب في أذان بلال، وأذان أبي محذورة: فأما حديث بلال فرواه الإمام أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه أن بلالاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة إلى الفجر فقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: " "، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
وأما حديث أبي محذورة فرواه أبو داود عنه أنه قال: يا رسول الله! علمني الأذان فذكر الحديث، وفيه بعد ذكر حي على الفلاح، " "، وفي رواية في هذا الحديث: " "، وفي أخرى: " "، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم".
فهذه الأحاديث تبين أن التثويب مشروع في الأذان لصلاة الفجر، والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها وحضورها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: " "، وعلى هذا فالأذان لصلاة الصبح لا يكون إلا بعد دخول وقتها، أما الأذان قبل الفجر الذي حصل من بلال رضي الله عنه أيام الصيام فليس أذاناً لصلاة الفجر بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " " (رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)، فبيَّن صلى الله عليه وسلم بنصه الصريح أن الأذان قبل الفجر ليس لصلاة الفجر وإنما هو لإرجاع القائم وتنبيه النائم، فلا ينبغي أن ينسب لصلاة الفجر، وعلى هذا فالتثويب في أذان صلاة الفجر إنما يكون في الأذان الذي بعد دخول الوقت؛ لأنه هو أذان صلاة الفجر، أما ما كان قبل وقتها فليس أذاناً لها وإن سمَّاه بعض الناس الأذان الأول للفجر.
وأما تقييد الأذان بالأول أو بالأولي في بعض روايات حديث أبي محذورة رضي الله عنه فلا يتعين أن المراد به ما قبل الفجر؛ لأنه يحتمل أنه وصف بكونه أولاً بالنسبة إلى الإقامة، فإن الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " "، أي بين كل أذان وإقامة، أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغةً كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كثر أهل المدينة" الحديث، وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام لغة، فإن الأذان في اللغة الإعلام، والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة.
ويؤيد هذا الاحتمال أنه لم ينقل أن أبا محذورة كان يؤذن للفجر مرتين مرة قبله ومرة بعده، ثم رأيت في صحيح البخاري في: (باب من انتظر الإقامة) حديث عائشة رضي الله عنها رقم 626 / 109 فتح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة، وهذا يؤيد ما ذكرته من الاحتمال، وفي صحيح مسلم في: (باب صلاة الفجر) عنها رضي الله عنها قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، وفيه: فإذا كان عند النداء الأول، قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين، صحيح مسلم 1/ 510، والمراد بالنداء الأول أذان الفجر كما دلت عليه روايات أخرى لمسلم 1/508 -509.
وبسلوك هذا الاحتمال تجتمع الأدلة ويحصل الائتلاف بينها حيث يكون حديث أبي محذورة موافقاً لحديث مالك بن الحويرث الدال على أنه لا يؤذن للصلاة إلا عند حضورها بدخول وقتها، ولحديث ابن مسعود الدال على الأذان قبل الفجر ليس أذاناً لصلاة الفجر، ولظاهر حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في أذان بلال ودعائه النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الغداة حيث لا يكون دعاؤه لها إلا بعد دخول وقتها، وعلى هذا فتكون السنة دالة على أن التثويب في أذان الفجر، وأذان الفجر لا يكون إلا بعد دخول وقت صلاة الفجر، فالأذان قبل الفجر لا تثويب فيه وهو عمل الناس عندنا من قديم، وأما كلام فقهائنا رحمهم الله فظاهره أن التثويب في أذان الفجر سواء أذن بعذ الفجر أم قبله ولكن ما دلت عليه السنة أولى.
وأما استنباط بعض الناس كون التثويب في الأذان الذي قبل الفجر بقول المثوِّب: (الصلاة خير من النوم)، والخيرية ترغيب في الشيء ولا تقتضي الإلزام به، وهذا إنما يكون في النداء الذي قبل الفجر؛ لأن النداء بعد الفجر ملزم بصلاة الفجر، فليس هذا الاستنباط بشيء، وذلك لأن الخير في الواجب الملزم به أبلغ منه في المندوب إليه من غير إلزام؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: " "، وخيرية الشيء وردت في القرآن في الأمور الواجبة والمندوب إليها من غير إيجاب، فقال تعالى في سورة الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فقد وردت الخيرية في أوجب الأمور وهي العقيدة وحمايتها، وقال تعالى في سورة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، والسعي إلى الجمعة وترك البيع بعد ندائها واجب، وقال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
والخيرية هنا واردة فيما هو مندوب وليس بواجب.
وبهذا تبين أن الاستنباط المذكور ليس بشيء والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: