الأدلة الشرعية على تحريم محاصرة قطاع غزة وإغلاق معبر رفح من السلطات المصرية

منذ 2016-01-15
السؤال:

ما قولكم فيما يحدث من حصار لقطاع غزة وإغلاق لمعبر رفح من قِبل السلطات المصرية؟ 

الإجابة:

يقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة الآية 71]، ويقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات الآية 10]. ويقول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء الآية 92]، ويقول الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [سورة المؤمنون الآية 52]، وأين أنتم من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالمِينْ} [سورة المائدة الآية51].

 

ويقول الرَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» (رواه البخاري ومسلم)، قال القاضي عياض: "فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً. وقال ابن أبي جمرة: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب" (فتح الباري 10/540). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ} (رواه البخاري ومسلم). وأين أنتم من قوله صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم» (رواه البخاري ومسلم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره … كل المسلم على المسلم حرام،دمُه وعرضُه ومالُه» (رواه البخاري). ويقول صلى الله عليه وسلم: «كم من جارٍ متعلقٍ بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فَمنع معروفه» (أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحسنه العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد). وورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضررَ ولا ضرار» (رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال العلامة الألباني: صحيح). إرواء الغليل 3/408.

وقد قرر فقهاء الإسلام قاعدةً شرعيةً مأخوذةً من الحديث النبوي السابق تقول: لا ضرر ولا ضرار، فمن حق الإنسان أن يتصرف فيما يملك، ولكن بشرط أن لا يلحق الضرر بغيره، وإذا طبقنا هذه القاعدة على واقع الحصار يعرف الجواب بأدنى تأمل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عُذبت امرأةٌ في هرةٍ سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار،لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها،ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» (رواه البخاري ومسلم). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته» (رواه البخاري ومسلم). وقد عدَّ العلماء ما ورد في هذا الحديث والذي قبله من كبائر الذنوب. انظر الكبائر للإمام الذهبي.

 

وإن من عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه القضية، أن كل مسلم يفهم حقيقة هذا الدين فهماً صحيحاً، لا بد أن يقدم ما يستطيع لنصرة المسلمين المستضعفين الذين يتعرضون لأشرس الحروب وأقذرها، ومن لم يفعل فعليه أن يراجع نفسه، لأن منهج أهل السنة والجماعة يقضي أن يقف المسلم مع أخيه المسلم، وأن يكون عوناً له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة والجماعة: "ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء" (العقيدة الواسطية).

 

وأما من يخذل المسلمين ويسهم في حصارهم ويمنع العون عنهم، فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئٍ يخذل امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 5690).

 

وخلاصة الأمر أن حصار قطاع غزة وإغلاق معبر رفح محرمٌ شرعاً، ومن أكبر الكبائر لما يشتمل عليه من المنكرات والمفاسد وداخل في باب التعاون على الإثم والعدوان، ويتناقض مع أبسط قواعد الدين الإسلامي، ويتنافى مع عقيدة المسلم بوجوب نصرة أخيه المسلم، ويتعارض مع أبسط القواعد الإنسانية في تقديم الطعام والشراب والدواء لمن يحتاجه، ويتعارض مع قواعد الرفق بالحيوان فضلاً عن الرفق بالإنسان. كما أن فيه ظلماً للمسلمين ومظاهرةً للكافرين ضد المسلمين. وسيكون هذا الحصار وصمة عارٍ في جبين من صدر عنه وأمر به وشارك فيه ولو بشطر كلمة.

 

اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، اجعل لأهل قطاع غزة  من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية.

اللهم انصر المسلمين في قطاع غزة بنصر من عندك، وأيدهم بتأييد من لدنك، وأمدهم بجند من جندك، واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم واحفظهم يا رب العالمين .

اللهم انتقم لهم من الظالمين الطاغين.. وانتقم من كل من والاهم أو شايعهم أو أعانهم.

اللهم انتقم من كل من يحاصر القطاع ويضيق عليه ولو بشطر كلمة.

اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، وأعنا على قهرهم ودحرهم وانصرنا عليهم يا أرحم الراحمين.

اللهم عليك بأعداءك فإنهم طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم يا ربنا سوط عذاب، وكن لهم بالمرصاد.. وأرنا فيهم بطشك الذي لا يرد على القوم المجرمين.

اللهم اخسف بهم الأرض واجعلهم عبرة للمعتبرين.

اللهم عجل بهلاكهم. اللهم عجل بهلاكهم. اللهم عجل بهلاكهم.

يآآآآآآآآآآآآآآآرب، ليس لأهل قطاع غزة المستضعفين غيرك.

اللهم كن لهم حافظا وحاميا وعوناً ونصيراً.

يآآآآآآآآآآآآآرب، أنت أعلم بحالهم. فالطف بهم يا الله. الطف بهم يا الله. الطف بهم يا الله.

اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم، وببأسك الذي لا يرد، نسألك يا قيوم السماوات والأرض، يا قاصم ظهور الجبابرة، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يا ناصر المظلومين، يا قوي، يا متين، أن ترينا في الظلمة ومن أعانهم عجائب قدرتك، اللهم جمد الدم في عروقهم، وألبسهم ثوب الخزي والهزيمة والعار.

اللهم نكل بهم كما نكلوا بالأطفال المساكين وبالمواطنين الآمنين، اللهم نكل بهم كما نكلوا بالشيوخ والنساء والرجال، وافتك بهم كما فتكوا بشعبنا يا رب يا منتقم يا جبار.

اللهم لقد أصبحنا مغلوبين، ولسان حالنا يقول: يا رب إني مغلوب فانتصر.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة. اللهم آمين.

حسبنا الله ونعم الوكيل. حسبنا الله ونعم الوكيل. حسبنا الله ونعم الوكيل.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

والحمد لله رب العالمين.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 6
  • 0
  • 17,182

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً