قراءة المختصرات الفقهية
منذ 2007-01-23
السؤال: هل تجوز قراءة: "مختصر الأخضري"، و"مختصر خليل" مع أنه ليس فيه أحاديث
متوافرة؟
الإجابة: إن الدراسة يرجع فيها إلى المقررات التي تقرر، فمثلاً إذا كان الإنسان
يدرس أحكامه يريد دراسة الفقه فله طرق، لذلك منها أن يدرس كتاباً ليس
فيه أدلة وإنما مأخوذ من الأدلة من الأحكام فقط، ثم يبين له بعد ذلك
أدلتها في مستوى أعلى، كالصبي الذي يدرس القرآن خالياً من التجويد ثم
يدرس التجويد بعد ذلك، أو كالذي يحفظ القرآن يحفظ متنه دون دراسة
تفسيره، ثم يدرس التفسير بعد ذلك، فهذا من مقررات الدراسة ومن الأمور
المنهجية.
وقد سلك الناس في التأليف في الفقه ست طرائق:
الطريقة الأولى: الاقتصار على قولٍ واحدٍ هو الراجح لدى المؤلف دون ذكر للدليل ولا التعليل ودون ذكر للخلاف، وهي التي جرى عليها المختصرون، فأكثر أصحاب المختصرات لا يذكرون الخلاف في المسائل إنما يذكرون قولاً واحداً هو الراجح عندهم، ولا يذكرون معه دليلاً ولا تعليلاً ولا يذكرون الخلاف.
الطريقة الثانية: ذكر الخلاف من غير ذكر دليل، أن يذكروا الخلاف في المسائل الخلافية دون أن يتعرضوا للدليل ولا للتعليل ولا للترجيح، كالكتب المقارنة التي تذكر أقوال الأئمة ككتاب ابن جزي مثلاً: "القوانين الفقهية"، يذكر مسألة فيقول: اختلف فيها الناس على أربعة أقوال، قول الحنفية كذا، وقول الشافعية كذا، وقول المالكية كذا، وقول الحنابلة كذا ويتجاوزها، فهذه طريقة ثانية في التأليف في الفقه.
الطريقة الثالثة: هي ذكر الأقوال والأدلة في داخل المذهب الواحد، أن يقتصر على مذهب واحد، فتذكر الأقوال فيه مقرونة بالدليل والترجيح، ويختار الراجح منها كما فعل أبو عمر بن عبد البر في كتاب: "الكافي في المذهب المالكي"، وكما فعل ابن قدامة في كتاب: "الكافي في المذهب الحنبلي"، وكما فعل الشيرازي في كتاب: "المهذب في المذهب الشافعي" وهكذا.
الطريقة الرابعة: أن تذكر الأقوال في داخل المذهب من غير ذكر دليل، يذكر الخلاف المذهبي داخل المذهب من غير دليل، وهذا هو حال الشروح والحواشي تذكر الأقوال في المذهب، وتحاول استقصاءها من غير ذكر الأدلة، ونظير هذا ما فعل ابن مفلح في كتاب: "الإنصاف"، يحصر أقوال الحنابلة جميعاً في كلِّ مسألة من غير ذكر الأدلة.
الطريقة الخامسة: هي ذكر أقوال أهل العلم، أي مقارنة المذاهب مع ذكر الأدلة والترجيح، أن يذكر الأقوال مقترنة بأدلتها ويرجح هو، كما فعل ابن قدامة في: "المغني" وكما فعل أبو عمر في: "الاستذكار" وعدد من أهل العلم هكذا يفعلون، يذكرون المذاهب وأدلتها ويختارون هم، كما فعل الشوكاني مثلاً في: "نيل الأوطار".
والطريقة السادسة: هي اختيار قول واحد مرتبط بالدليل وبيان دليله، وهذه طريقة المبتدئين وهي أيسر شيء لهم، أن يقرن لهم كل فرعٍ بدليله، ويُختار لهم مذهب واحد في كل مسألة كما فعل الشوكاني مثلا في: "الدرر البهيَّة"، وعدد من أهل العلم يأتون بقولٍ واحد مع دليله، سواء كان الدليل مرتبطاً بالقول كما فعل الشوكاني، أو غير مرتبط به كما فعل الشيخ الداه الشنقيطي رحمه الله في كتاب: "فتح الرحيم"، فإنه يذكر أولاً مختصراً في الأحكام ثم يأتي بالأدلة بعده، وقد سُئل عن ذلك رحمه الله: لِم لمْ يذكر الأدلة مقترنة بالفروع؟ فقال: أردت احترام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخلله بكلامي، فكلُّ باب يذكر فيه كلام النبي صلى الله عليه وسلم في آخره ليكون سراجاً يضيء على ما قبله.
وعموماً فهذه الطرق كلها اجتهادية، وكلها وسائل تعليم، ونظيرها أيضاً التعليم عن طريق المحاضرات أو عن طريق الجامعات أو عن طريق الدراسة في الكتب، أو عن طريق الحفظ والشرح...إلخ، فكل هذه أمور اجتهادية لا حرج فيها.
فلذلك يجوز دراسة هذه الكتب جميعاً، ولابد للدارس المبتدئ من دراسة الفروع، ولابد له من مرحلة تقليدية، لابد أن يكون مقلداً في مرحلة من المراحل لمدرسة من المدارس ومذهب من المذاهب، يأخذ برأي يستمليه عن غيره لأنه في ذلك الوقت لا يصلح للاستنباط، لم يتعلم بعد دلالات الألفاظ، ولم يدرس الأدلة، ثم إذا درس الأدلة وجب عليه العمل بالراجح لأن العمل بالراجح واجب لا راجح، فهي مرحلة فقط من مراحل التعلم، وإذا تجاوزها الإنسان لا ينبغي له أن يقتصر عليها، وإذا تجاوزها أيضاً لم يُعذر كما كان معذوراً من قبل، كان معذوراً في صباه عندما كان يدرس فقط هذا المتن الذي لديه ولا يعرف دليله ولا يعرف ما زاد عليه من الأحكام، وهذا يختلف باختلاف نباهة الطلاب وذكائهم.
وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أنه درس وهو صغير على أبيه كتاب: "الأزهار" وهو مختصر في الفقه الزيدي، فقال له: "فرائض الوضوء خمسة: غسل المخرجين، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى معقدي الشراكين، ودليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} بقراءة ابن كثير فقال: قلت لأبي: لم يقل الله تعالى: فاغسلوا المخرجين واليدين إلى المرفقين، بل قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، فما دليل غسل المخرجين في الوضوء، فقال: يا بني أنت صغير، وعندما تكبر ستعرف دليل ذلك"، فلما تعلَّم هو ألَّف كتابه المشهور: "السيل الجرَّار على حدائق الأزهار" فجاء بهذا السيل الذي اجترف الكتاب وأزال عنه كل ما لا دليل عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
وقد سلك الناس في التأليف في الفقه ست طرائق:
الطريقة الأولى: الاقتصار على قولٍ واحدٍ هو الراجح لدى المؤلف دون ذكر للدليل ولا التعليل ودون ذكر للخلاف، وهي التي جرى عليها المختصرون، فأكثر أصحاب المختصرات لا يذكرون الخلاف في المسائل إنما يذكرون قولاً واحداً هو الراجح عندهم، ولا يذكرون معه دليلاً ولا تعليلاً ولا يذكرون الخلاف.
الطريقة الثانية: ذكر الخلاف من غير ذكر دليل، أن يذكروا الخلاف في المسائل الخلافية دون أن يتعرضوا للدليل ولا للتعليل ولا للترجيح، كالكتب المقارنة التي تذكر أقوال الأئمة ككتاب ابن جزي مثلاً: "القوانين الفقهية"، يذكر مسألة فيقول: اختلف فيها الناس على أربعة أقوال، قول الحنفية كذا، وقول الشافعية كذا، وقول المالكية كذا، وقول الحنابلة كذا ويتجاوزها، فهذه طريقة ثانية في التأليف في الفقه.
الطريقة الثالثة: هي ذكر الأقوال والأدلة في داخل المذهب الواحد، أن يقتصر على مذهب واحد، فتذكر الأقوال فيه مقرونة بالدليل والترجيح، ويختار الراجح منها كما فعل أبو عمر بن عبد البر في كتاب: "الكافي في المذهب المالكي"، وكما فعل ابن قدامة في كتاب: "الكافي في المذهب الحنبلي"، وكما فعل الشيرازي في كتاب: "المهذب في المذهب الشافعي" وهكذا.
الطريقة الرابعة: أن تذكر الأقوال في داخل المذهب من غير ذكر دليل، يذكر الخلاف المذهبي داخل المذهب من غير دليل، وهذا هو حال الشروح والحواشي تذكر الأقوال في المذهب، وتحاول استقصاءها من غير ذكر الأدلة، ونظير هذا ما فعل ابن مفلح في كتاب: "الإنصاف"، يحصر أقوال الحنابلة جميعاً في كلِّ مسألة من غير ذكر الأدلة.
الطريقة الخامسة: هي ذكر أقوال أهل العلم، أي مقارنة المذاهب مع ذكر الأدلة والترجيح، أن يذكر الأقوال مقترنة بأدلتها ويرجح هو، كما فعل ابن قدامة في: "المغني" وكما فعل أبو عمر في: "الاستذكار" وعدد من أهل العلم هكذا يفعلون، يذكرون المذاهب وأدلتها ويختارون هم، كما فعل الشوكاني مثلاً في: "نيل الأوطار".
والطريقة السادسة: هي اختيار قول واحد مرتبط بالدليل وبيان دليله، وهذه طريقة المبتدئين وهي أيسر شيء لهم، أن يقرن لهم كل فرعٍ بدليله، ويُختار لهم مذهب واحد في كل مسألة كما فعل الشوكاني مثلا في: "الدرر البهيَّة"، وعدد من أهل العلم يأتون بقولٍ واحد مع دليله، سواء كان الدليل مرتبطاً بالقول كما فعل الشوكاني، أو غير مرتبط به كما فعل الشيخ الداه الشنقيطي رحمه الله في كتاب: "فتح الرحيم"، فإنه يذكر أولاً مختصراً في الأحكام ثم يأتي بالأدلة بعده، وقد سُئل عن ذلك رحمه الله: لِم لمْ يذكر الأدلة مقترنة بالفروع؟ فقال: أردت احترام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخلله بكلامي، فكلُّ باب يذكر فيه كلام النبي صلى الله عليه وسلم في آخره ليكون سراجاً يضيء على ما قبله.
وعموماً فهذه الطرق كلها اجتهادية، وكلها وسائل تعليم، ونظيرها أيضاً التعليم عن طريق المحاضرات أو عن طريق الجامعات أو عن طريق الدراسة في الكتب، أو عن طريق الحفظ والشرح...إلخ، فكل هذه أمور اجتهادية لا حرج فيها.
فلذلك يجوز دراسة هذه الكتب جميعاً، ولابد للدارس المبتدئ من دراسة الفروع، ولابد له من مرحلة تقليدية، لابد أن يكون مقلداً في مرحلة من المراحل لمدرسة من المدارس ومذهب من المذاهب، يأخذ برأي يستمليه عن غيره لأنه في ذلك الوقت لا يصلح للاستنباط، لم يتعلم بعد دلالات الألفاظ، ولم يدرس الأدلة، ثم إذا درس الأدلة وجب عليه العمل بالراجح لأن العمل بالراجح واجب لا راجح، فهي مرحلة فقط من مراحل التعلم، وإذا تجاوزها الإنسان لا ينبغي له أن يقتصر عليها، وإذا تجاوزها أيضاً لم يُعذر كما كان معذوراً من قبل، كان معذوراً في صباه عندما كان يدرس فقط هذا المتن الذي لديه ولا يعرف دليله ولا يعرف ما زاد عليه من الأحكام، وهذا يختلف باختلاف نباهة الطلاب وذكائهم.
وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أنه درس وهو صغير على أبيه كتاب: "الأزهار" وهو مختصر في الفقه الزيدي، فقال له: "فرائض الوضوء خمسة: غسل المخرجين، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى معقدي الشراكين، ودليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} بقراءة ابن كثير فقال: قلت لأبي: لم يقل الله تعالى: فاغسلوا المخرجين واليدين إلى المرفقين، بل قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، فما دليل غسل المخرجين في الوضوء، فقال: يا بني أنت صغير، وعندما تكبر ستعرف دليل ذلك"، فلما تعلَّم هو ألَّف كتابه المشهور: "السيل الجرَّار على حدائق الأزهار" فجاء بهذا السيل الذي اجترف الكتاب وأزال عنه كل ما لا دليل عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
محمد الحسن الددو الشنقيطي
أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.
- التصنيف: