ما القول الراجح في الهوي إلى الأرض بعد الركوع؟

منذ 2007-03-12
السؤال: ما القول الراجح في الهوي إلى الأرض بعد الركوع؟
الإجابة: القول الراجح في الهوي إلى الأرض بعد الركوع: أن الإنسان يبدأ بركبتيه ثم يديه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البداءة باليدين حيث قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"، فنهى أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير، وبروك البعير كما هو معلوم لكل من شاهدها وهي تبرك أنها تقدم اليدين، وقد ظن بعض أهل العلم رحمهم الله من السابقين ومن المعاصرين أن هذا نهي عن البروك على الركب، وقال: إن ركبة البعير في يديه، وإن نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير معناه: النهي أن يبرك على ركبتيه.

وولكن من تأمل الحديث وجد أنه لا يدل على هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: "فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير"، فلو قال: "لا يبرك على ما يبرك عليه البعير" لقلنا: نعم، لا تبدأ بالركبتين قبل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولكنه قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير"، فجعل النهي منصباً على الهيئة، ولاشك أن البعير ينزل مقدم جسمه قبل مؤخره فيهبط على يديه وهذا شيء معلوم لمن شاهده وتأمله.

وقد بحث ابن القيم رحمه الله هذا في كتابه: "زاد المعاد" بحثاً وافياً شافياً، وبين أن آخر الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه" مناقض لأوله، وحكم رحمه الله بأنه منقلب على الراوي، وأن الصواب: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لأجل أن يوافق آخر الحديث أوله، لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناقض، ومن المعلوم أن الإنسان منهي عن التشبه بالحيوان ولاسيما في أجل العبادات البدنية وهي الصلاة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا يبسط أحدكم ذراعية انبساط الكلب"، ولم يرد فيما أعلم في النصوص تشبيه الإنسان بالحيوان إلا على سبيل الذم، كما قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يتكلم والإمام يخطب: "كمثل الحمار يحمل أسفاراً"، وقال في الذي يعود في هبته: "كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه".

فإذا كان كذلك فإننا نقول: إن البعير إذا برك يقدم يديه، فإذا كان كذلك كان الحديث كما قال ابن القيم فيه انقلاب على الراوي.

وهذه المسألة وإن كنت أنا أعتقد أن هذا هو الصواب، وأنه ينهى أن يقدم الإنسان يديه قبل ركبتيه لحديث أبي هريرة هذا، فأنا لا أحب أن تكون مثل هذه المسألة مثاراً للجدل، أو العداوة، أو البغضاء أو التضليل وما أشبه ذلك، لا هذه ولا غيرها من مسائل الاجتهاد، فكل المسائل الاجتهادية التي يعذر فيها الإنسان باجتهاده يجب أن يعذر الإنسان أخاه فيها، فكما أنه هو ينتصر لما يرى أن النصوص دلت عليه، فكذلك أيضاً يجب عليك أن تعامله بمثل ما تحب أن يعاملك به، كما أنه لو انتقدك لرأيته مخطئاً عليك، فأنت إذا انتقدته تكون مخطئاً عليه، أما ما لا يقبل الاجتهاد فلا تسكت عنه وأنكره وبين الحق، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل أعظم من هذه، ومع ذلك فالقلوب واحدة، والهدف واحد، والتآلف موجود، والله الموفق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثالث عشر - كتاب السجود.

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 2
  • 0
  • 20,106

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً