فصل قول القائل: كيف يكون العبد مختاراً لأفعاله وهو مجبور عليها؟
منذ 2007-03-25
السؤال: فصل قول القائل: كيف يكون العبد مختاراً لأفعاله وهو مجبور عليها؟
الإجابة: فصــل:
إذا عرف هذا فنقول:
أما قول القائل كيف يكون العبد مختاراً لأفعاله وهو مجبور عليها ؟ إنما يتوجه على الجهمية الذين يقولون: بإطلاق الجبر، ونفي قدرة العبد واختياره، وتأثير قدرته في الفعل، وقد بينا أن إطلاق الجبر مما أنكره أئمة السنة، كالأوزاعي والزبيدي والثوري وعبد الرحمن ابن مهدي، وأحمد بن حنبل وغيرهم، وما علمت أحداً من الأئمة أطلقه، بل ما علمت أحداً من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أطلقوه في مسائل القدر والجبر.
ولا قال أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، لا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا الشافعي، ولا أحمد بن حنبل ولا الأوزاعي، ولا الثوري، ولا الليث، ولا أمثال هؤلاء إن الله يكلف العباد ما لا يطيقونه، ولا قال أحد منهم: إن العبد ليس بفاعل لفعله حقيقة، بل هو فاعل مجازاً، ولا قال أحد منهم: إن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله، أو لا تأثير لها في كسبه، ولا قال أحد منهم: إن العبد لا يكون قادراً إلى حين الفعل، وأن الاستطاعة على الفعل لا تكون إلا معه، وأن العبد لا استطاعة له على الفعل قبل أن يفعله.
بل نصوصهم مستفيضة بما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات استطاعة لغير الفاعل.
كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، وقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين" .
واتفقوا على أن العبادات لا تجب إلا على مستطيع، وأن المستطيع يكون مستطيعاً مع معصيته وعدم فعله، كمن استطاع ما أمر به من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولم يفعله.
فإنه مستطيع باتفاق سلف الأمة وأئمتها، وهو مستحق للعقاب على ترك المأمور الذي استطاعه ولم يفعله، لا على ترك ما لم يستطعه.
وصرحوا بما صرح به أبو حنيفة، وأبو العباس بن سريج، وغيرهما من أن الاستطاعة المتقدمة على الفعل تصلح للضدين، وإن كان العبد حين الفعل مستطيعاً أيضاً عندهم. فهو مستطيع عندهم قبل الفعل ومع الفعل، وهو حين الفعل لا يمكنه أن يكون فاعلا تاركاً، فلا يقولون: إن الاستطاعة لا تكون إلا قبل الفعل. كقول المعتزلة، ولا بأنها لا تكون إلا مع الفعل كقول المجبرة، بل يكون مستطيعاً قبل الفعل، وحين الفعل.
وأما قوله: العلماء قد صرحوا بأن العبد يفعلها قسراً.
يقال له: لم يصرح بهذا أحد من علماء السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، ولا أحد من أكابر أتباع الأئمة الأربعة، وإنما يصرح بهذا بعض المتأخرين الذين سلكوا مسلك جهم ومن وافقه وليس هو لأهل علماء السنة، بل ولا جمهورهم ولا أئمتهم، بل هم عند أئمة السلف من أهل البدع المنكرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
إذا عرف هذا فنقول:
أما قول القائل كيف يكون العبد مختاراً لأفعاله وهو مجبور عليها ؟ إنما يتوجه على الجهمية الذين يقولون: بإطلاق الجبر، ونفي قدرة العبد واختياره، وتأثير قدرته في الفعل، وقد بينا أن إطلاق الجبر مما أنكره أئمة السنة، كالأوزاعي والزبيدي والثوري وعبد الرحمن ابن مهدي، وأحمد بن حنبل وغيرهم، وما علمت أحداً من الأئمة أطلقه، بل ما علمت أحداً من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أطلقوه في مسائل القدر والجبر.
ولا قال أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، لا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا الشافعي، ولا أحمد بن حنبل ولا الأوزاعي، ولا الثوري، ولا الليث، ولا أمثال هؤلاء إن الله يكلف العباد ما لا يطيقونه، ولا قال أحد منهم: إن العبد ليس بفاعل لفعله حقيقة، بل هو فاعل مجازاً، ولا قال أحد منهم: إن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله، أو لا تأثير لها في كسبه، ولا قال أحد منهم: إن العبد لا يكون قادراً إلى حين الفعل، وأن الاستطاعة على الفعل لا تكون إلا معه، وأن العبد لا استطاعة له على الفعل قبل أن يفعله.
بل نصوصهم مستفيضة بما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات استطاعة لغير الفاعل.
كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، وقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين" .
واتفقوا على أن العبادات لا تجب إلا على مستطيع، وأن المستطيع يكون مستطيعاً مع معصيته وعدم فعله، كمن استطاع ما أمر به من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولم يفعله.
فإنه مستطيع باتفاق سلف الأمة وأئمتها، وهو مستحق للعقاب على ترك المأمور الذي استطاعه ولم يفعله، لا على ترك ما لم يستطعه.
وصرحوا بما صرح به أبو حنيفة، وأبو العباس بن سريج، وغيرهما من أن الاستطاعة المتقدمة على الفعل تصلح للضدين، وإن كان العبد حين الفعل مستطيعاً أيضاً عندهم. فهو مستطيع عندهم قبل الفعل ومع الفعل، وهو حين الفعل لا يمكنه أن يكون فاعلا تاركاً، فلا يقولون: إن الاستطاعة لا تكون إلا قبل الفعل. كقول المعتزلة، ولا بأنها لا تكون إلا مع الفعل كقول المجبرة، بل يكون مستطيعاً قبل الفعل، وحين الفعل.
وأما قوله: العلماء قد صرحوا بأن العبد يفعلها قسراً.
يقال له: لم يصرح بهذا أحد من علماء السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، ولا أحد من أكابر أتباع الأئمة الأربعة، وإنما يصرح بهذا بعض المتأخرين الذين سلكوا مسلك جهم ومن وافقه وليس هو لأهل علماء السنة، بل ولا جمهورهم ولا أئمتهم، بل هم عند أئمة السلف من أهل البدع المنكرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
- التصنيف: