سئل عن أبيات في الجبر
منذ 2007-03-25
السؤال: سئل عن أبيات في الجبر
الإجابة: سئل شيخ الإسلام بقية السلف الكرام، العلامة الرباني، والحجة
النوراني، أوحد عصره وفريد دهره، حلية الطالبين، ونخبة الراسخين، تقي
الدين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني رضي الله
عنه وأثابه الجنة بمنه وكرمه.
فقيل:
يأيها الحـــبر الـذي علمــــــــه ** وفضله في الناس مذكـور
كيف اختيـــار العبــد أفعالــــه ** والعبد في الأفعال مجبـور
لأنهم قد صرحـــوا أنـــــــــه ** على الإرادات لمقســـــور
ولم يكـــــــن فاعـــل أفعــاله ** حقيقة والحكــــم مشـهور
ومن هنا لم يكن للفعــــل فـي ** ما يلحق الفاعل تأثــــــير
وما تشـــــاؤون دليــــل لــــه ** في صحة المحكى تقريـــر
وكـل شيء ثم لـو سلمت لـــم ** يك للخالق تقديــــــــر
أو كان فـاللازم من كونــــــــه ** حدوثه والقول مهجـــور
ولا يقال: علم الله ما يختـــــار ** فالمختار مسطـــــــــور
والجبر ـ إن صح ـ يكن مكرها ** وعندك المكره معـــذور
نعم ذلك الجبر كنـت أمـــــرءاً ** له إلى نحوك تشمـــــير
سيقمــن الشـــوق ولكنــــني ** تقعدني عنك المقاديــــر فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، أصل هذه المسألة: أن يعلم الإنسان أن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها، من أفعال العباد وغير أفعال العباد.
وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته، لايمتنع عليه شيء شاءه، بل هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئاً إلا وهو قادر عليه.
وأنه سبحانه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدر آجالهم وأرزاقهم، و أعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون.
وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون.
وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم، وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمر ونهي، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنف، أي مستأنف.
وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وبعد إمارة معاوية بن أبي سفيان في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبين بني أمية في أواخر عصر عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهما من الصحابة، وكان أول من ظهر عنه ذلك بالبصرة.
معبد الجهني، فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرؤوا منهم، وأنكروا مقالتهم، كما قال عبد الله بن عمر لما أخبر عنهم إذا لقيت أولئك فأخبرهم: إني بريء منهم، وإنهم برآء مني، وكذلك كلام ابن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين، فيهم كثير حتى قال فيهم الأئمة: كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون.
ثم كثر خوض الناس في القدر، فصار جمهورهم يقر بالعلم المتقدم والكتاب السابق، لكن ينكرون عموم مشيئة الله، وعموم خلقه وقدرته، ويظنون أنه لا معني لمشيئته إلا أمره، فما شاءه فقد أمر به، ومالم يشأه لم يأمر به، فلزمهم أن يقولوا: إنه قد يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، وأنكروا أن يكون الله تعالى خالقاً لأفعال العباد، أو قادرا عليها.
أو أن يخص بعض عباده من النعم بما يقتضي إيمانهم به وطاعتهم له.
وزعموا أن نعمته التي يمكن بها الإيمان والعمل الصالح على الكفار كأبي لهب، وأبي جهل، مثل نعمته بذلك على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بمنزلة رجل دفع لأولاده مالا فقسمه بينهم بالسوية، لكن هؤلاء أحدثوا أعمالهم الصالحة، وهؤلاء أحدثوا أعمالهم الفاسدة، ومن غير نعمة خص الله بها المؤمنين وهذا قول باطل.
وقد قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].
وقد أمرنا الله أن نقول في صلاتنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6- 7].
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، وقال الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 4]، وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]، ونصوص الكتاب، والسنة، وسلف الأمة المبينة لهذه الأصول كثيرة، مع مافي ذلك من الدلائل العقلية الكثيرة على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
فقيل:
يأيها الحـــبر الـذي علمــــــــه ** وفضله في الناس مذكـور
كيف اختيـــار العبــد أفعالــــه ** والعبد في الأفعال مجبـور
لأنهم قد صرحـــوا أنـــــــــه ** على الإرادات لمقســـــور
ولم يكـــــــن فاعـــل أفعــاله ** حقيقة والحكــــم مشـهور
ومن هنا لم يكن للفعــــل فـي ** ما يلحق الفاعل تأثــــــير
وما تشـــــاؤون دليــــل لــــه ** في صحة المحكى تقريـــر
وكـل شيء ثم لـو سلمت لـــم ** يك للخالق تقديــــــــر
أو كان فـاللازم من كونــــــــه ** حدوثه والقول مهجـــور
ولا يقال: علم الله ما يختـــــار ** فالمختار مسطـــــــــور
والجبر ـ إن صح ـ يكن مكرها ** وعندك المكره معـــذور
نعم ذلك الجبر كنـت أمـــــرءاً ** له إلى نحوك تشمـــــير
سيقمــن الشـــوق ولكنــــني ** تقعدني عنك المقاديــــر فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، أصل هذه المسألة: أن يعلم الإنسان أن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها، من أفعال العباد وغير أفعال العباد.
وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته، لايمتنع عليه شيء شاءه، بل هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئاً إلا وهو قادر عليه.
وأنه سبحانه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدر آجالهم وأرزاقهم، و أعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون.
وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون.
وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم، وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمر ونهي، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنف، أي مستأنف.
وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وبعد إمارة معاوية بن أبي سفيان في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبين بني أمية في أواخر عصر عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وغيرهما من الصحابة، وكان أول من ظهر عنه ذلك بالبصرة.
معبد الجهني، فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرؤوا منهم، وأنكروا مقالتهم، كما قال عبد الله بن عمر لما أخبر عنهم إذا لقيت أولئك فأخبرهم: إني بريء منهم، وإنهم برآء مني، وكذلك كلام ابن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين، فيهم كثير حتى قال فيهم الأئمة: كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون.
ثم كثر خوض الناس في القدر، فصار جمهورهم يقر بالعلم المتقدم والكتاب السابق، لكن ينكرون عموم مشيئة الله، وعموم خلقه وقدرته، ويظنون أنه لا معني لمشيئته إلا أمره، فما شاءه فقد أمر به، ومالم يشأه لم يأمر به، فلزمهم أن يقولوا: إنه قد يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، وأنكروا أن يكون الله تعالى خالقاً لأفعال العباد، أو قادرا عليها.
أو أن يخص بعض عباده من النعم بما يقتضي إيمانهم به وطاعتهم له.
وزعموا أن نعمته التي يمكن بها الإيمان والعمل الصالح على الكفار كأبي لهب، وأبي جهل، مثل نعمته بذلك على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بمنزلة رجل دفع لأولاده مالا فقسمه بينهم بالسوية، لكن هؤلاء أحدثوا أعمالهم الصالحة، وهؤلاء أحدثوا أعمالهم الفاسدة، ومن غير نعمة خص الله بها المؤمنين وهذا قول باطل.
وقد قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].
وقد أمرنا الله أن نقول في صلاتنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6- 7].
وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]، وقال الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 4]، وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]، ونصوص الكتاب، والسنة، وسلف الأمة المبينة لهذه الأصول كثيرة، مع مافي ذلك من الدلائل العقلية الكثيرة على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
- التصنيف: