ليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصوراً على مجرد الخبر
منذ 2007-06-12
السؤال: ليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصوراً على مجرد الخبر
الإجابة: وليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ مقصوراً على مجرد الخبر
كما يظنه كثير، بل هم بينوا من البراهين العقلية التي بها تعلم العلوم
الإلهية ما لا يوجد عند هؤلاء البتة.
فتعليمهم صلوات الله عليهم جامع للأدلة العقلية والسمعية، جميعاً بخلاف الذين خالفوهم؛ فإن تعليمهم غير مفيد للأدلة العقلية والسمعية، مع ما في نفوسهم من الكبر الذي ما هم بالغيه،كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56]، وقال: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]، وقال: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [غافر: 83] ومثل هذا كثير في القرآن.
وقد ألفت كتاب [دفع تعارض الشرع والعقل]؛ ولهذا لما كانوا يتصورون في أذهانهم ما يظنون وجوده في الخارج كان أكثر علومهم مبنياً على ذلك في [الإلهي] و[الرياضي] وإذا تأمل الخبير بالحقائق كلامهم في أنواع علومهم، لم يجد عندهم علماً بمعلومات موجودة في الخارج إلا القسم الذي يسمونه [الطبيعي]، وما يتبعه من [الرياضي].
وأما [الرياضي] المجرد في الذهن، فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج.
والذي سموه [علم ما بعد الطبيعة] إذا تدبر لم يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج، وإنما تصوروا أموراً مقدرة في أذهانهم لا حقيقة لها في الخارج؛ ولهذا منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو الوجود المطلق الكلي، والمشروط بسلب جميع الأمور الوجودية.
والمقصود أنهم كثيراً ما يدعون في المطالب البرهانية والأمور العقلية، ما يكونون قدروه في أذهانهم.
ويقولون: نحن نتكلم في الأمور الكلية والعقليات المحضة، وإذا ذكر لهم شيء قالوا: نتكلم فيما هو أعم من ذلك، وفي الحقيقة من حيث هي هي، ونحو هذه العبارات، فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في الخارج، ويقال: بينوا هذا أي شيء هو؟ فهنالك يظهر جهلهم، وأن ما يقولونه هو أمر مقدر في الأذهان لا حقيقة له في الأعيان.
مثل أن يقال لهم: اذكروا مثال ذلك، والمثال أمر جزئي، فإذا عجزوا عن التمثيل، وقالوا: نحن نتكلم في الأمور الكلية، فاعلم أنهم يتكلمون بلا علم، وفيما لا يعلمون أن له معلوماً في الخارج، بل فيما ليس له معلوم في الخارج، وفيما يمتنع أن يكون له معلوم في الخارج، و إلا فالعلم بالأمور الموجودة إذا كان كليا كانت معلوماته ثابتة في الخارج.
وقد كان الخسروشاهي من أعيانهم ومن أعيان أصحاب الرازي، وكان يقول: ما عثرنا إلا على هذه الكليات، وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول: والله ما أدري ما أعتقد! والله ما أدري ما أعتقد! والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات، هو إذا كان علماً، فهو مما يعرف بقياس التمثيل، لا يقف على القياس المنطقي الشمولي أصلا، بل ما يدعون ثبوته بهذا القياس، تعلم أفراده التي يستدل عليها بدون هذا القياس، وذلك أيسر وأسهل، ويكون الاستدلال عليها بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالا على الأجلى بالأخفى، وهم يعيبون في صناعة الحد أن يعرف الجلي بالخفي، وهذا في صناعة البرهان أشد عيباً، فإن البرهان لا يراد به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه، فإذا كان هو أوضح وأظهر، كان بياناً للجلي بالخفي.
قال: ثم إن الفلاسفة أصحاب هذا المنطق البرهاني الذي وضعه أرسطو وما يتبعه من الطبيعي والإلهي ليسوا أمة واحدة، بل أصناف متفرقون، وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله، أعظم مما بين الملة الواحدة كاليهود والنصارى أضعافاً مضاعفة؛ فإن القوم كلما بعدوا عن إتباع الرسل والكتب كان أعظم في تفرقهم واختلافهم، فإنهم يكونون أضل، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
ثم قرأ قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، إذا لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل ونبي مرسل، كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهٌِ} الآية [البقرة: 213]، وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59] .
وقد بين الله في كتابه من الأمثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل، وأمر الله بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، فقال: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}[هود: 118- 119]؛ ولهذا يوجد أتبع الناس للرسل أقل اختلافاً من جميع الطوائف المنتسبة للسنة، وكل من قرب للسنة كان أقل اختلافاً ممن بعد عنها، كالمعتزلة والرافضة فنجدهم أكثر الطوائف اختلافاً.
وأما اختلاف الفلاسفة فلا يحصره أحد، وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات، [مقالات غير الإسلاميين]، فأتى بالجم الغفير سوى ما ذكره الفارابي وابن سينا، وكذلك القاضي أبو بكر ابن الطيب في كتاب [الدقائق] الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجمين، ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان.
وكذلك متكلمة المعتزلة والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة، وصنف الغزالي كتاب [التهافت] في الرد عليهم.
ومازال نظار المسلمين يصنفون في الرد عليهم في المنطق، ويبينون خطأهم فيما ذكروه في الحد والقياس جميعاً، كما يبينون خطأهم في الإلهيات وغيرها، ولم يكن أحد من نظار المسلمين يلتفت إلى طريقهم، بل الأشعرية والمعتزلة والكرَّامية والشيعة وسائر الطوائف من أهل النظر كانوا يعيبونها، ويبينون فسادها، وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي، وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره.
وهذا الرد عليهم مذكور في كثير من كتب الكلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.
فتعليمهم صلوات الله عليهم جامع للأدلة العقلية والسمعية، جميعاً بخلاف الذين خالفوهم؛ فإن تعليمهم غير مفيد للأدلة العقلية والسمعية، مع ما في نفوسهم من الكبر الذي ما هم بالغيه،كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56]، وقال: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]، وقال: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [غافر: 83] ومثل هذا كثير في القرآن.
وقد ألفت كتاب [دفع تعارض الشرع والعقل]؛ ولهذا لما كانوا يتصورون في أذهانهم ما يظنون وجوده في الخارج كان أكثر علومهم مبنياً على ذلك في [الإلهي] و[الرياضي] وإذا تأمل الخبير بالحقائق كلامهم في أنواع علومهم، لم يجد عندهم علماً بمعلومات موجودة في الخارج إلا القسم الذي يسمونه [الطبيعي]، وما يتبعه من [الرياضي].
وأما [الرياضي] المجرد في الذهن، فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج.
والذي سموه [علم ما بعد الطبيعة] إذا تدبر لم يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج، وإنما تصوروا أموراً مقدرة في أذهانهم لا حقيقة لها في الخارج؛ ولهذا منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو الوجود المطلق الكلي، والمشروط بسلب جميع الأمور الوجودية.
والمقصود أنهم كثيراً ما يدعون في المطالب البرهانية والأمور العقلية، ما يكونون قدروه في أذهانهم.
ويقولون: نحن نتكلم في الأمور الكلية والعقليات المحضة، وإذا ذكر لهم شيء قالوا: نتكلم فيما هو أعم من ذلك، وفي الحقيقة من حيث هي هي، ونحو هذه العبارات، فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في الخارج، ويقال: بينوا هذا أي شيء هو؟ فهنالك يظهر جهلهم، وأن ما يقولونه هو أمر مقدر في الأذهان لا حقيقة له في الأعيان.
مثل أن يقال لهم: اذكروا مثال ذلك، والمثال أمر جزئي، فإذا عجزوا عن التمثيل، وقالوا: نحن نتكلم في الأمور الكلية، فاعلم أنهم يتكلمون بلا علم، وفيما لا يعلمون أن له معلوماً في الخارج، بل فيما ليس له معلوم في الخارج، وفيما يمتنع أن يكون له معلوم في الخارج، و إلا فالعلم بالأمور الموجودة إذا كان كليا كانت معلوماته ثابتة في الخارج.
وقد كان الخسروشاهي من أعيانهم ومن أعيان أصحاب الرازي، وكان يقول: ما عثرنا إلا على هذه الكليات، وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول: والله ما أدري ما أعتقد! والله ما أدري ما أعتقد! والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات، هو إذا كان علماً، فهو مما يعرف بقياس التمثيل، لا يقف على القياس المنطقي الشمولي أصلا، بل ما يدعون ثبوته بهذا القياس، تعلم أفراده التي يستدل عليها بدون هذا القياس، وذلك أيسر وأسهل، ويكون الاستدلال عليها بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالا على الأجلى بالأخفى، وهم يعيبون في صناعة الحد أن يعرف الجلي بالخفي، وهذا في صناعة البرهان أشد عيباً، فإن البرهان لا يراد به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه، فإذا كان هو أوضح وأظهر، كان بياناً للجلي بالخفي.
قال: ثم إن الفلاسفة أصحاب هذا المنطق البرهاني الذي وضعه أرسطو وما يتبعه من الطبيعي والإلهي ليسوا أمة واحدة، بل أصناف متفرقون، وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله، أعظم مما بين الملة الواحدة كاليهود والنصارى أضعافاً مضاعفة؛ فإن القوم كلما بعدوا عن إتباع الرسل والكتب كان أعظم في تفرقهم واختلافهم، فإنهم يكونون أضل، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
ثم قرأ قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، إذا لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل ونبي مرسل، كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهٌِ} الآية [البقرة: 213]، وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: 59] .
وقد بين الله في كتابه من الأمثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل، وأمر الله بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون، فقال: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}[هود: 118- 119]؛ ولهذا يوجد أتبع الناس للرسل أقل اختلافاً من جميع الطوائف المنتسبة للسنة، وكل من قرب للسنة كان أقل اختلافاً ممن بعد عنها، كالمعتزلة والرافضة فنجدهم أكثر الطوائف اختلافاً.
وأما اختلاف الفلاسفة فلا يحصره أحد، وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات، [مقالات غير الإسلاميين]، فأتى بالجم الغفير سوى ما ذكره الفارابي وابن سينا، وكذلك القاضي أبو بكر ابن الطيب في كتاب [الدقائق] الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجمين، ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان.
وكذلك متكلمة المعتزلة والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة، وصنف الغزالي كتاب [التهافت] في الرد عليهم.
ومازال نظار المسلمين يصنفون في الرد عليهم في المنطق، ويبينون خطأهم فيما ذكروه في الحد والقياس جميعاً، كما يبينون خطأهم في الإلهيات وغيرها، ولم يكن أحد من نظار المسلمين يلتفت إلى طريقهم، بل الأشعرية والمعتزلة والكرَّامية والشيعة وسائر الطوائف من أهل النظر كانوا يعيبونها، ويبينون فسادها، وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي، وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره.
وهذا الرد عليهم مذكور في كثير من كتب الكلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.
- التصنيف: