فصل في قولهم: إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: فصل في قولهم: إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن
الإجابة: فصــل:
وقد احتجوا بما ذكروه من أن الاستقراء دون القياس الذي هو قياس الشمول، وأن قياس التمثيل دون الاستقراء، فقالوا: إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن، وأن المحكوم عليه قد يكون جزئياً، بخلاف الاستقراء، فإنه قد يفيد اليقين والمحكوم عليه لا يكون إلا كلياً، قالوا: وذلك أن الاستقراء هو الحكم على كلي بما تحقق في جزئياته.
فإن كان في جميع الجزئيات، كان الاستقراء تاما كالحكم على المتحرك بالجسمية؛ لكونها محكوماً بها على جميع جزئيات المتحرك من الجماد والحيوان والنبات، والناقص كالحكم على الحيوان بأنه إذا أكل تحرك فكه الأسفل عند المضغ لوجود ذلك في أكثر جزئياته، ولعله فيما لم يستقرأ على خلافه كالتمساح، والأول ينتفع به في اليقينيات بخلاف الثاني، وإن كان منتفعاً به في الجدليات.
وأما قياس التمثيل: فهو الحكم على شيء بما حكم به على غيره بناء على جامع مشترك بينهما، كقولهم: العالم موجود، فكان قديما كالباري.
أو هو جسم فكان محدثَا كالإنسان، وهو مشتمل على فرع وأصل وعلة وحكم، فالفرع ما هو مثل العالم في هذا المثال، والأصل ما هو مثل الباري أو الإنسان، والعلة الموجودة أو الجسم، والحكم القديم أو المحدث.
قالو: ويفارق الاستقراء من جهة أن المحكوم عليه فيه قد يكون جزئياً، والمحكوم عليه في الاستقراء لا يكون إلا كليا.
قالوا: وهو غير مفيد لليقين؛ فإنه ليس من ضرورة اشتراك أمرين فيما يعمهما اشتراكهما فيما حكم به على أحدهما، إلا أن يبين أن ما به الاشتراك علة لذلك الحكم، وكل ما يدل عليه فظني، فإن المساعد على ذلك في العقليات عند القائلين به لا يخرج عن الطرد والعكس والسبر والتقسيم.
أما الطرد والعكس، فلا معنى له غير تلازم الحكم والعلة وجوداً وعدما، ولابد في ذلك من الاستقراء، ولا سبيل إلى دعواه في الفرع؛ إذ هو غير المطلوب، فيكون الاستقراء ناقصا، لا سيما و يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل مركبة من أوصاف المشترك ومن غيرها، ويكون وجودها في الأوصاف متحققاً فيها، فإذا وجد المشترك في الأصل ثبت الحكم لكمال علته، وعند انتفائه فينتفي لنقصان العلة، وعند ذلك فلا يلزم من وجود المشترك في الفرع، ثبوت الحكم، لجواز تخلف باقي الأوصاف أو بعضها.
وأما السبر والتقسيم، فحاصله يرجع إلى دعوى حصر أوصاف الأصل في جملة معينة، وإبطال كل ما عدا المستبقى. وهو أيضا غير يقيني لجواز أن يكون الحكم ثابتاً في الأصل لذات الأصل لا لخارج، و إلا لزم التسلسل، وإن ثبت لخارج فمن الجائز أن يكون لغيرها أبداً، وإن لم يطلع عليه مع البحث عنه، وليس الأمر كذلك في العاديات، فإنا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم بحر زئبق وجبل من ذهب بين أيدينا، ونحن لا نشاهده، وإن كان منحصراً فمن الجائز أن يكون معللا بالمجموع أو بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع، وثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تخلف غيره من الأوصاف المقارنة له في الأصل مما لا يوجب استقلاله بالتعليل، لجواز أن يكون في تلك معللا بعلة أخرى، ولا امتناع فيه، وإن كان لا علة له سواه، فجائز أن يكون علة لخصوصه لا لعمومه، وإن بين أن ذلك الوصف يلزم لعموم ذاته الحكم، فمع بعده يستغنى عن التمثيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.
وقد احتجوا بما ذكروه من أن الاستقراء دون القياس الذي هو قياس الشمول، وأن قياس التمثيل دون الاستقراء، فقالوا: إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن، وأن المحكوم عليه قد يكون جزئياً، بخلاف الاستقراء، فإنه قد يفيد اليقين والمحكوم عليه لا يكون إلا كلياً، قالوا: وذلك أن الاستقراء هو الحكم على كلي بما تحقق في جزئياته.
فإن كان في جميع الجزئيات، كان الاستقراء تاما كالحكم على المتحرك بالجسمية؛ لكونها محكوماً بها على جميع جزئيات المتحرك من الجماد والحيوان والنبات، والناقص كالحكم على الحيوان بأنه إذا أكل تحرك فكه الأسفل عند المضغ لوجود ذلك في أكثر جزئياته، ولعله فيما لم يستقرأ على خلافه كالتمساح، والأول ينتفع به في اليقينيات بخلاف الثاني، وإن كان منتفعاً به في الجدليات.
وأما قياس التمثيل: فهو الحكم على شيء بما حكم به على غيره بناء على جامع مشترك بينهما، كقولهم: العالم موجود، فكان قديما كالباري.
أو هو جسم فكان محدثَا كالإنسان، وهو مشتمل على فرع وأصل وعلة وحكم، فالفرع ما هو مثل العالم في هذا المثال، والأصل ما هو مثل الباري أو الإنسان، والعلة الموجودة أو الجسم، والحكم القديم أو المحدث.
قالو: ويفارق الاستقراء من جهة أن المحكوم عليه فيه قد يكون جزئياً، والمحكوم عليه في الاستقراء لا يكون إلا كليا.
قالوا: وهو غير مفيد لليقين؛ فإنه ليس من ضرورة اشتراك أمرين فيما يعمهما اشتراكهما فيما حكم به على أحدهما، إلا أن يبين أن ما به الاشتراك علة لذلك الحكم، وكل ما يدل عليه فظني، فإن المساعد على ذلك في العقليات عند القائلين به لا يخرج عن الطرد والعكس والسبر والتقسيم.
أما الطرد والعكس، فلا معنى له غير تلازم الحكم والعلة وجوداً وعدما، ولابد في ذلك من الاستقراء، ولا سبيل إلى دعواه في الفرع؛ إذ هو غير المطلوب، فيكون الاستقراء ناقصا، لا سيما و يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل مركبة من أوصاف المشترك ومن غيرها، ويكون وجودها في الأوصاف متحققاً فيها، فإذا وجد المشترك في الأصل ثبت الحكم لكمال علته، وعند انتفائه فينتفي لنقصان العلة، وعند ذلك فلا يلزم من وجود المشترك في الفرع، ثبوت الحكم، لجواز تخلف باقي الأوصاف أو بعضها.
وأما السبر والتقسيم، فحاصله يرجع إلى دعوى حصر أوصاف الأصل في جملة معينة، وإبطال كل ما عدا المستبقى. وهو أيضا غير يقيني لجواز أن يكون الحكم ثابتاً في الأصل لذات الأصل لا لخارج، و إلا لزم التسلسل، وإن ثبت لخارج فمن الجائز أن يكون لغيرها أبداً، وإن لم يطلع عليه مع البحث عنه، وليس الأمر كذلك في العاديات، فإنا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم بحر زئبق وجبل من ذهب بين أيدينا، ونحن لا نشاهده، وإن كان منحصراً فمن الجائز أن يكون معللا بالمجموع أو بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع، وثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تخلف غيره من الأوصاف المقارنة له في الأصل مما لا يوجب استقلاله بالتعليل، لجواز أن يكون في تلك معللا بعلة أخرى، ولا امتناع فيه، وإن كان لا علة له سواه، فجائز أن يكون علة لخصوصه لا لعمومه، وإن بين أن ذلك الوصف يلزم لعموم ذاته الحكم، فمع بعده يستغنى عن التمثيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء التاسع.