لا أستطيع الحياة بدون زوج وأولاد

منذ 2007-06-14
السؤال: أنا فتاة متحصلة على ماجستير وأعمل كأستاذة بالجامعة، أسأل الله تعالى ليلاً نهاراً أن يرزقني زوجاً صالحاً، وأكرر في دعائي أن "ربي ارزقني العفة والستر والرحمة والمودة والسكينة"، لكن الإجابة تأخرت سنوات عديدة لحكمة يعلمها الله، أعلم أنها مشكلة شائعة وتمس الكثير من الأخوات، لكن صدقوني فأنا لا أقوى على العيش دون زوج وأولاد، إحساسي مرير رغم إيماني وصلتي الدائمة بربي، أريد حلاً عاجلاً ومخرجاً عملياً ونصيحة مجدية، لقد قررت أن أطرح مشكلتي في كل المواقع الإسلامية وعند باب كل العلماء والدعاة لأنني أعتقد أن هناك حلقة مفقودة سأجدها إن شاء الله باللجوء إلى دينه وسنة نبيه، أنتظر ردكم ودعاءكم وشكراً.
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يرزقك زوجاً صالحاً، وأبناء بررة، وأن يبدل بالبلاء عافية بلا كفران، واعلمي أيتها الأخت الكريمة أنّ الدنيا دار ابتلاء وامتحان، لا تصفو من الأكدار، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، فهذا مصاب بكثرة الأوجاع والأسقام، وهذا مبتلى بنقص المال والأولاد، إلى غير ذلك من الآلام.

وعلى المسلم أن يعلم أن الابتلاء سنة الحياة، وأنه يكون بالسراء كما يكون بالضراء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35].

وكم من الناس لما ابتلي بالمرض رجع إلى الله وتضرع بين يديه، ولما رزقه الله الصحة، تنكر لمولاه العظيم رب السموات والأرض، وأقبل على المعاصي والسيئات.

والمؤمن الذي يعلم أن الدنيا دار زوال، وأنه منتقل منها، وأن الدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، المؤمن الذي يعلم أن الدنيا غرارة مكارة لا يحزن على ما فاته منها، لأنها ليست داره ولا قراره، ودار المؤمن وقراره هي جنات النعيم في صحبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي رضى الرب الرحيم.

ولا يحصل على السعادة إلاّ المؤمن بالقضاء والقدر الذي يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار"، ويقول: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" (رواه مسلم).

وعلى الإنسان أن يتذكر نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعد، وأن ما أصيب به من البلاء في مقابل ما أسبغ الله عليه من النعماء لا يساوي شيئاً يذكر، فكم من الناس يتضجر ويتسخط للفقر الذي نزل به، أو المرض الذي ألمَّ به، وينسى حين ذاك أنه غارق في نعم الله عليه، فهو يتمتع بنعمة الحياة، ونعمة البصر، وإلاَّ لكان أعمى يقاد في الطرقات لا يهتدي سبيلاً، ونعمة السمع وإلا لكان أصم يتحدث الناس بجواره ولا يعقل ما يقولون، ونعمة العقل وإلا لكان مجنوناً يقذره الأقربون، ويلعب به الأطفال، ونعمة اللسان وإلا لكان أبكم لا يفصح عما يريد، ونعمة الهواء والماء والطعام والمسكن والأولاد وكل شيء حوله، وصدق الله إذ يقول: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20].

فإذا تذكر الإنسان هذه النعم هان عليه الخطب، وسهل عليه ما يجد من البلاء.

وعليك أيتها الأخت أن تطرقي باب الكريم سبحانه في كل وقت وحين، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3]، وإياك والتعجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول قد دعوت فلا أو فلم يستجب لي" (متفق عليه من حديث أبي هريرة).

وجاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب" (رواه أبو داود).

وعليك بالدعاء الذي يذهب الهموم والغموم وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم، لا إله إلا الله الحليم الكريم" (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: "دعوة ذي النون عليه السلام إذ هو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له" (رواه أحمد).

وتذكري أن الذي يكشف البلوى هو الله فاعتصمي به، وتوكلي عليه، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:84]، والله أعلم.

ولاشك أن صاحبة الفطرة السليمة هي التي تبغي العفاف، وتجد أن سعادتها في بيتها ومع زوجها وبين أولادها، ولكن قد يكون قضاء الله وقدره على خلاف ما يتمناه الشخص، ومن هنا كانت حقيقة الابتلاء بفقد بعض المرغوبات، ولله في ذلك حكم عظيمات، منها أن يتعلق قلب المرء بدار الخلد التي فيها كل ما يشتهيه ابن آدم، من غير نصب ولا وصب، ومن الحكم أيضاً أن يرفع العبد أكف الضراعة لله أن يكشف عنه البلاء وأن يرزقه ما يتمناه.

واعلمي أن الذنوب من أسباب وقوع المصائب وحرمان الخير، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير} [الشورى:30]، وكان من دعاء العباس: "اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة"، فاعقدي العزم على الاستقامة والتمسك بدين الله، والندم على ما فرطت في جنبه تعالى، والله نسأل أن يعجل لك الفرج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 28,638

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً