فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه
ابن تيمية
- التصنيفات: التفسير -
السؤال: فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه
الإجابة: فصــل:
فإذا تدبر العبد علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله، فشكر الله، فزاده الله من فضله عملا صالحاً، ونعماً يفيضها عليه.
وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه بذنوبه استغفر وتاب،فزال عنه سبب الشر.
فيكون العبد دائماً شاكراً مستغفراً، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشر يندفع عنه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبته فيشكر الله، ثم يقول نستعينه على الطاعة، ونستغفره من المعصية، ثم يقول فيستعيذ به من الشر الذي فى النفس، ومن عقوبة عمله، فليس الشر إلا من نفسه ومن عمل نفسه، فيستعيذ الله من شر النفس؛ أن يعمل بسبب سيئاته الخطايا، ثم إذا عمل استعاذ بالله من سيئات عمله ومن عقوبات عمله، فاستعانه على الطاعة وأسبابها، واستعاذ به من المعصية وعقابها.
فعِلْمُ العبد بأن ما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة فمن نفسه يوجب له هذا وهذا، فهو سبحانه فرق بينهما هنا، بعد أن جمع بينهما فى قوله: {كُلًّ مِّنْ عِندِ الله} [النساء:78].
فبين أن الحسنات والسيئات: النعم والمصائب، والطاعات والمعاصي، على قول من أدخلها فى: {مٌَنً عٌندٌ بلَّهٌ}.
ثم بين الفرق الذي ينتفعون به، وهو أن هذا الخير من نعمة الله، فاشكروه يزدكم، وهذا الشر من ذنوبكم، فاستغفروه، يدفعه عنكم.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]،وقال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:1ـ 3].
والمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه، فقد تَأَسَّى بالسعداء من الأنبياء والمؤمنين، كآدم وغيره.وإذا أصر، واحتج بالقدر، فقد تأسى بالأشقياء، كإبليس ومن اتبعه من الغاوين.
فكان من ذكره: أن السيئة من نفس الإنسان بذنوبه، بعد أن ذكر: أن الجميع من عند الله تنبيهاً على الاستغفار والتوبة، والاستعاذة بالله من شر نفسه وسيئات عمله، والدعاء بذلك فى الصباح والمساء، وعند المنام، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أبا بكر الصديق، أفضل الأمة، حيث علمه أن يقول .
فيستغفر مما مضى، ويستعيذ مما يستقبل، فيكون من حزب السعداء. وإذا علم أن الحسنة من الله الجزاء والعمل سأله أن يعينه على فعل الحسنات، بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وبقوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة:6 ]، وقوله: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8 ] ونحو ذلك.
وأما إذا أخبر أن الجميع من عند الله فقط، ولم يذكر الفرق، فإنه يحصل من هذا التسوية، فأعرض العاصي والمذنب عن ذم نفسه وعن التوبة من ذنوبها، والاستعاذة من شرها، بل وقام فى نفسه أن يحتج على الله بالقدر. وتلك حجة داحضة لا تنفعه، بل تزيده عذاباً وشقاء، كما زادت إبليس لما قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، وقال:{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39].
وكالذين يقولون يوم القيامة:{لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57]، وكالذين قالوا: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام:148].
فمن احتج بالقدر على ما فعله من ذنوبه، وأعرض عما أمر الله به، من التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله، والاستعاذة به، واستهدائه كان من أخسر الناس فى الدنيا والآخرة.
فهذا من فوائد ذكر الفرق بين الجمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.
فإذا تدبر العبد علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله، فشكر الله، فزاده الله من فضله عملا صالحاً، ونعماً يفيضها عليه.
وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه بذنوبه استغفر وتاب،فزال عنه سبب الشر.
فيكون العبد دائماً شاكراً مستغفراً، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشر يندفع عنه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبته فيشكر الله، ثم يقول نستعينه على الطاعة، ونستغفره من المعصية، ثم يقول فيستعيذ به من الشر الذي فى النفس، ومن عقوبة عمله، فليس الشر إلا من نفسه ومن عمل نفسه، فيستعيذ الله من شر النفس؛ أن يعمل بسبب سيئاته الخطايا، ثم إذا عمل استعاذ بالله من سيئات عمله ومن عقوبات عمله، فاستعانه على الطاعة وأسبابها، واستعاذ به من المعصية وعقابها.
فعِلْمُ العبد بأن ما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة فمن نفسه يوجب له هذا وهذا، فهو سبحانه فرق بينهما هنا، بعد أن جمع بينهما فى قوله: {كُلًّ مِّنْ عِندِ الله} [النساء:78].
فبين أن الحسنات والسيئات: النعم والمصائب، والطاعات والمعاصي، على قول من أدخلها فى: {مٌَنً عٌندٌ بلَّهٌ}.
ثم بين الفرق الذي ينتفعون به، وهو أن هذا الخير من نعمة الله، فاشكروه يزدكم، وهذا الشر من ذنوبكم، فاستغفروه، يدفعه عنكم.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]،وقال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:1ـ 3].
والمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه، فقد تَأَسَّى بالسعداء من الأنبياء والمؤمنين، كآدم وغيره.وإذا أصر، واحتج بالقدر، فقد تأسى بالأشقياء، كإبليس ومن اتبعه من الغاوين.
فكان من ذكره: أن السيئة من نفس الإنسان بذنوبه، بعد أن ذكر: أن الجميع من عند الله تنبيهاً على الاستغفار والتوبة، والاستعاذة بالله من شر نفسه وسيئات عمله، والدعاء بذلك فى الصباح والمساء، وعند المنام، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أبا بكر الصديق، أفضل الأمة، حيث علمه أن يقول .
فيستغفر مما مضى، ويستعيذ مما يستقبل، فيكون من حزب السعداء. وإذا علم أن الحسنة من الله الجزاء والعمل سأله أن يعينه على فعل الحسنات، بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وبقوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة:6 ]، وقوله: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8 ] ونحو ذلك.
وأما إذا أخبر أن الجميع من عند الله فقط، ولم يذكر الفرق، فإنه يحصل من هذا التسوية، فأعرض العاصي والمذنب عن ذم نفسه وعن التوبة من ذنوبها، والاستعاذة من شرها، بل وقام فى نفسه أن يحتج على الله بالقدر. وتلك حجة داحضة لا تنفعه، بل تزيده عذاباً وشقاء، كما زادت إبليس لما قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، وقال:{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39].
وكالذين يقولون يوم القيامة:{لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57]، وكالذين قالوا: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام:148].
فمن احتج بالقدر على ما فعله من ذنوبه، وأعرض عما أمر الله به، من التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله، والاستعاذة به، واستهدائه كان من أخسر الناس فى الدنيا والآخرة.
فهذا من فوائد ذكر الفرق بين الجمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.