فصــل في تفسير {أفمن كان على بينة من ربه}
منذ 2008-02-02
السؤال: فصــل في تفسير قوله تعالى {أفمن كان على بينة من ربه}
الإجابة:
فى قوله تعالى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} الآية،وما بعدها إلى قوله:{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [هود:17ـ24]، ذكر سبحانه الفرق بين أهل الحق والباطل،وما بينهما من التباين والاختلاف مرة بعد مرة،ترغيبًا فى السعادة وترهيبًا من الشقاوة.
وقد افتتح السورة بذلك فقال: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1- 2]، فذكر أنه نذير وبشير، نذير ينذر بالعذاب لأهل النار، وبشير يبشر بالسعادة لأهل الحق.
ثم ذكر حال الفريقين فى السراء والضراء، فقال:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 9 ـ 11] ثم ذكر بعد هذا قصص الأنبياء، وحال من اتبعهم ومن كذبهم ، كيف سعد هؤلاء فى الدنيا والآخرة، و شقى هؤلاء فى الدنيا والآخرة، فذكر ما جرى لهم، إلى قوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} إلى قوله: {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 100ـ103] .
<<br> ثم ذكر حال الذين سعدوا، والذين شقوا، ثم قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} [هود: 103]، فإنه قد يقال: غاية ما أصاب هؤلاء أنهم ماتوا والناس كلهم يموتون، وإما كونهم أُهْلِكُوا كلهم وصارت بيوتهم خاوية، وصاروا عِبْرَةَ يذكرون بالشر ويلعنون، إنما يخاف ذلك من آمن بالآخرة، فإن لعنة المؤمنين لهم بالآخرة، وبغضهم لهم كما جرى لآل فرعون هو مما يزيدهم عذابًا، كما أن لسان الصدق وثناء الناس ودعاءهم للأنبياء، واتباعهم لهم هو مما يزيدهم ثوابًا.
فمن استدل بما أصاب هؤلاء على صدق الأنبياء فآمن بالآخرة خاف عذاب الآخرة،وكان ذلك له آية،وأما من لم يؤمن بالآخرة ويظن أن من مات لم يبعث،فقد لا يبالى بمثل هذا، وإن كان يخاف هذا من لا يخاف الآخرة، لكن كل من خاف الآخرة كان هذا حاله وذلك له آية.
وقد ختم السورة بقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
إلى آخرها [هود: 121 -123]، كما افتتحها بقوله {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ} [هود: 2]، فذكر التوحيد والإيمان بالرسل، فهذا دين الله فى الأولين والآخرين، قال أبو العالية: كلمتان يُسْأَلُ عنهما الأولون والآخرون، ماذا كنتم تعبدون، وماذا أَجَبْتُم المرسلين؟ ولهذا قال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، و {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62]، هو الشرك فى العبادة، وهذان هما الإيمان والإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ تارة فى ركعتي الفجر سورتي الإخلاص، وتارة بآيتي الإيمان والإسلام،فيقرأ قوله:{آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة:136]، فأولها الإيمان، و آخرها الإسلام، ويقرأ فى الثانية:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ} [آل عمران:64]، فأولها إخلاص العبادة لله وآخرها الإسلام له.
وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46]، ففيها الإيمان والإسلام فى آخرها، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف69-70].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر.
فى قوله تعالى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} الآية،وما بعدها إلى قوله:{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [هود:17ـ24]، ذكر سبحانه الفرق بين أهل الحق والباطل،وما بينهما من التباين والاختلاف مرة بعد مرة،ترغيبًا فى السعادة وترهيبًا من الشقاوة.
وقد افتتح السورة بذلك فقال: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1- 2]، فذكر أنه نذير وبشير، نذير ينذر بالعذاب لأهل النار، وبشير يبشر بالسعادة لأهل الحق.
ثم ذكر حال الفريقين فى السراء والضراء، فقال:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 9 ـ 11] ثم ذكر بعد هذا قصص الأنبياء، وحال من اتبعهم ومن كذبهم ، كيف سعد هؤلاء فى الدنيا والآخرة، و شقى هؤلاء فى الدنيا والآخرة، فذكر ما جرى لهم، إلى قوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} إلى قوله: {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 100ـ103] .
<<br> ثم ذكر حال الذين سعدوا، والذين شقوا، ثم قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ} [هود: 103]، فإنه قد يقال: غاية ما أصاب هؤلاء أنهم ماتوا والناس كلهم يموتون، وإما كونهم أُهْلِكُوا كلهم وصارت بيوتهم خاوية، وصاروا عِبْرَةَ يذكرون بالشر ويلعنون، إنما يخاف ذلك من آمن بالآخرة، فإن لعنة المؤمنين لهم بالآخرة، وبغضهم لهم كما جرى لآل فرعون هو مما يزيدهم عذابًا، كما أن لسان الصدق وثناء الناس ودعاءهم للأنبياء، واتباعهم لهم هو مما يزيدهم ثوابًا.
فمن استدل بما أصاب هؤلاء على صدق الأنبياء فآمن بالآخرة خاف عذاب الآخرة،وكان ذلك له آية،وأما من لم يؤمن بالآخرة ويظن أن من مات لم يبعث،فقد لا يبالى بمثل هذا، وإن كان يخاف هذا من لا يخاف الآخرة، لكن كل من خاف الآخرة كان هذا حاله وذلك له آية.
وقد ختم السورة بقوله: {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
إلى آخرها [هود: 121 -123]، كما افتتحها بقوله {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ} [هود: 2]، فذكر التوحيد والإيمان بالرسل، فهذا دين الله فى الأولين والآخرين، قال أبو العالية: كلمتان يُسْأَلُ عنهما الأولون والآخرون، ماذا كنتم تعبدون، وماذا أَجَبْتُم المرسلين؟ ولهذا قال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، و {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62]، هو الشرك فى العبادة، وهذان هما الإيمان والإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ تارة فى ركعتي الفجر سورتي الإخلاص، وتارة بآيتي الإيمان والإسلام،فيقرأ قوله:{آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة:136]، فأولها الإيمان، و آخرها الإسلام، ويقرأ فى الثانية:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ} [آل عمران:64]، فأولها إخلاص العبادة لله وآخرها الإسلام له.
وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46]، ففيها الإيمان والإسلام فى آخرها، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف69-70].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر.
- التصنيف: