فصـل في: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
ابن تيمية
- التصنيفات: التفسير -
السؤال: فصـل في: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
الإجابة:
وقوله:{بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، وقوله: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4- 5]، يدل على إثبات أفعاله وأقواله.
فالخلق فعلـه، والتعليم يتنـاول تعليم مـا أنزلـه، كما قـال: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 - 4]، وقولـه: {بِالْقَلَمِ} يتناول تعليم كلامه الذي يكتب بالقلم.
ونزولـه في أول السـورة التي أنزل فيها كـلامـه، وعلم نبيـه كلامه الذي يكتب بالقلم دليل على شمول الآية لذلك، فإن سبب اللفظ المطلق والعام لابد أن يكون مندرجًا فيه.
وإذا دل على أنه خلق وتكلم.
وقد قال: {خَلَقَ الْإِنسَانَ}.
ومعلوم بالعقل وبالخطاب أن الإنسان المخلوق غير خلق الرب له، وكذلك خلقه لغيره.
والذين نازعوا في ذلك إنما نازعوا لشبهة عرضت لهم، كما قد ذكر بعد هذا وفي مواضع.
وإلا فهم لا يتنازعون أن [خلق] فعل له مصدر يقال: خلق يخلق خلقًا.
والإنسان مفعول المصدر [المخلوق] ليس هو المصدر.
ولكن قـد يطلق لفظ المصدر على المفعول، كما يقال: [درهم ضرب الأمير].
ومنه قولـه: {هذا خلق الله} [لقمان: 11]، والمراد هناك: هـذا مخلـوق الله.
وليس الكلام في لفـظ [خلـق] المـراد بـه [المخلـوق]، بـل في لفــظ [الخـلق] المـراد بــه [الفعــل] الـذي يسمي المصـدر، كما يقال: خلق يخلق خلقًا، وكقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقـمان: 28]، وقـولـه:{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6]، وقولـه: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف:51].
وإذا كان الخلق فعله فهو بمشيئته، إذ يمتنع أن يكون فعله بغير مشيئة.
وما كان بالمشيئة، امتنع قدم عينه، بل يجوز قدم نوعه.
وإذا كان الخلق للحادث لابد له من مؤثر تام أوجب حدوثه لزم أنه لم يزل متصفًا بما يقوم به من الأمور الاختيارية، لكن إن يثبت أنه كان قبل هذا المخلوق مخلوق آخر ثبت أنه متصف بخلق بعد خلق.
وكذلك الكـلام، هـو متكلم بمشيئته.
ويمتنع ألا يكون متكلمًا ثم يصير متكلمًا لوجهين:
أحدهما: أنه سلب لكماله، والكلام صفة كمال.
والثاني: أنه يمتنع حدوث ذلك.
فإن من لا يكون متكلمًا يمتنع أن يجعل نفسه متكلمًا، ومن لا يكون عالمًا يمتنع أن يجعل نفسه عالمًا، ومن لا يكون حيًا يمتنع أن يجعل نفسه حيًا.
فهذه الصفات من لوازم ذاته.
وكذلك من لا يكون خالقًا يمتنع أن يجعل نفسه خالقًا.
فإنه إذا لم يكن قادرًا على أن يخلق فجعله نفسه خالقة أعظم؛ فيكون هذا ممتنعًا بطريق الأولى، فإن جعل نفسه خالقة يستلزم وجود المخلوق.
ولهذا لما كان قادرًا على جعل الإنسان فاعلًا، كان هو الخالق لما يفعله الإنسان.
فلو جعل نفسه خالقة كان هو الخالق لما جعلها تخلقه.
فإذا فرض أنه يمتنع أن يكون خالقًا في الأزل امتنع أن يجعل نفسه خالقة بوجه من الوجوه.
ويلزم من القول بامتناع الفعل عليه في الأزل امتناعه دائمًا.
وقد دلت الآية على أنه خلق.
فعلم أنه ما زال قادرًا على الخلْق، ما زال يمكنه أن يَخْلُقَ، وما زال الخلْق ممكنًا مقدورًا. وهذا يبطل أصل الجهمية.
بل وإذا كان قادرًا عليه فالموجب له ليس شيئًا بائنًا من خارج، بل هو من نفسه.
فيمتنع أن يجعل نفسه مريدة بعد أن لم تكن، فيلزم أنه ما زال مريدًا قادرًا.
وإذا حصلت القدرة والإرادة، وجب وجود المقدور.
وأهل الكلام الذين ينازعون في هذا يقولون: لم يزل قادرًا على ما سيكون.
فيقال لهم: القدرة لا تكون إلا مع إمكان المقدور، إذا كانت القدرة دائمة، فهل كان يمكنه أن يفعل المقدور دائمًا؟ وهم يقولون: لا، بل الإمكان إمكان الفعل حادث.
وهذا يناقض إثبات القدرة، وإن قالوا: بل الإمكان حاصل، تبين أنه لم يزل الفعل ممكنا فثبت إمكان وجود ما لا يتناهي من مقدور الرب.
وحينئذ، فإذا كان لم يزل قادرًا، والفعل ممكنًا، وهذا الممكن قد وجد، فما لا يزال، فالموجب لوجود جنس المقدور، كالإرادة مثلا، إما أن يكون وجودها في الأزل ممتنعًا، فيلزم امتناع الفعل، وقد بينا أنه ممكن.
وأيضًا، إذا كان وجودها ممتنعًا، لم يزل ممتنعًا؛ لأنه لا شيء هناك يجعلها ممكنة، فضلًا عن أن تكون موجودة.
ومعلوم أن وجودها بعد أن لم تكن، لابد له من موجب.
وإذا كان وجودها في الأزل ممكنًا، فوجود هذا الممكن لا يتوقف على غير ذاته، وذاته كافية في حصوله.
فيلزم أنه لم يزل مريدًا.
وهكذا في جميع صفات الكمال متي ثبت إمكانها في الأزل، لزم وجودها في الأزل.
فإنها لو لم توجد لكانت ممتنعة، إذ ليس في الأزل شيء سوي نفسه يوجب وجودها.
فإذا كانت ممكنة والمقتضي التام لها نفسه لزم وجوبها في الأزل.
وهذا مما يدل على أنه لم يزل حيًا، عليمًا، قديرًا، مريدًا، متكلمًا فاعلًا؛ إذ لا مقتضي لهذه الأشياء إلا ذاته، وذاته وحدها كافية في ذلك.
فيلزم قدم النوع، وأنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، لكن أفراد النوع تحصل شيئًا بعد شيء بحسب الإمكان والحكمة.
ولهـذا قد بين في مواضـع أنه ليس في نفس الأمر ممكن يستوي طرفًا وجوده وعدمه، بل إمـا أن يحصـل المقتضي لوجـوده فيجب، أو لا يحصـل فيمتنـع.
فما اتصف بـه الرب، فاتصافه به واجب.
وما لم يتصف به،فاتصافه به ممتنع.
وما شاء،كان ووجب وجوده.
وما لم يشأ، لم يكن وامتنع وجوده.
فالممكن مع مرجحه التام واجب وبدونه ممتنع.
ففي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} وفي قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 ـ 4]، دلالة على ثبوت صفات الكمال له، وأنه لم يزل متصفًا بها.
وأقـوال السلف في ذلك كثـيرة.
وبهذا فسـروا قولـه: {وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:158]، ونحوه كما ذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس ورواه ابن أبي حاتم من عدة طرق لما قيل له: قوله: {وَكَانَ اللّهُ..}، كأنه كان شيء ثم مضى؟ فقال ابن عباس: هو سمى نفسه بذلك ولم يزل كذلك.
هذا لفظ ابن أبي حاتم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
فقال ابن عباس: كذلك كان ولم يزل.
ومن رواية عمرو بن أبي قيس، عن مُطرَّف، عن المِنْهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: أتاه رجل فقال: سمعت الله يقول: {وَكَانَ اللّهُ...}، كأنه شيء كان؟ فقال ابن عباس: أما قوله: {كَانَ}، فإنه لم يزل ولا يزال، و {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
ومن رواية عبد الرحمن بن مَغْراء عن مُجَمّع بن يحيي، عن عمه، عن ابن عباس.
قال، قال يهودي: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزًا حكيمًا، فكيف هو اليوم؟ فقال ابن عباس: إنه كان في نفسه عزيزًا حكيمًا.
وهذه أقوال ابن عباس تبين أنه لم يزل متصفًا بخبر [كان]، ولا يزال كذلك، وأن ذلك حصل له من نفسه.
فلم يزل متصفًا في نفسه إذا كان من لوازم نفسه، ولهذا لا يزال لأنه من نفسه.
وقال أحمد بن حنبل: لم يزل الله عالمًا، متكلمًا، غفورًا.
وقال أيضًا : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء.
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية
وقوله:{بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، وقوله: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4- 5]، يدل على إثبات أفعاله وأقواله.
فالخلق فعلـه، والتعليم يتنـاول تعليم مـا أنزلـه، كما قـال: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 - 4]، وقولـه: {بِالْقَلَمِ} يتناول تعليم كلامه الذي يكتب بالقلم.
ونزولـه في أول السـورة التي أنزل فيها كـلامـه، وعلم نبيـه كلامه الذي يكتب بالقلم دليل على شمول الآية لذلك، فإن سبب اللفظ المطلق والعام لابد أن يكون مندرجًا فيه.
وإذا دل على أنه خلق وتكلم.
وقد قال: {خَلَقَ الْإِنسَانَ}.
ومعلوم بالعقل وبالخطاب أن الإنسان المخلوق غير خلق الرب له، وكذلك خلقه لغيره.
والذين نازعوا في ذلك إنما نازعوا لشبهة عرضت لهم، كما قد ذكر بعد هذا وفي مواضع.
وإلا فهم لا يتنازعون أن [خلق] فعل له مصدر يقال: خلق يخلق خلقًا.
والإنسان مفعول المصدر [المخلوق] ليس هو المصدر.
ولكن قـد يطلق لفظ المصدر على المفعول، كما يقال: [درهم ضرب الأمير].
ومنه قولـه: {هذا خلق الله} [لقمان: 11]، والمراد هناك: هـذا مخلـوق الله.
وليس الكلام في لفـظ [خلـق] المـراد بـه [المخلـوق]، بـل في لفــظ [الخـلق] المـراد بــه [الفعــل] الـذي يسمي المصـدر، كما يقال: خلق يخلق خلقًا، وكقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقـمان: 28]، وقـولـه:{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6]، وقولـه: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف:51].
وإذا كان الخلق فعله فهو بمشيئته، إذ يمتنع أن يكون فعله بغير مشيئة.
وما كان بالمشيئة، امتنع قدم عينه، بل يجوز قدم نوعه.
وإذا كان الخلق للحادث لابد له من مؤثر تام أوجب حدوثه لزم أنه لم يزل متصفًا بما يقوم به من الأمور الاختيارية، لكن إن يثبت أنه كان قبل هذا المخلوق مخلوق آخر ثبت أنه متصف بخلق بعد خلق.
وكذلك الكـلام، هـو متكلم بمشيئته.
ويمتنع ألا يكون متكلمًا ثم يصير متكلمًا لوجهين:
أحدهما: أنه سلب لكماله، والكلام صفة كمال.
والثاني: أنه يمتنع حدوث ذلك.
فإن من لا يكون متكلمًا يمتنع أن يجعل نفسه متكلمًا، ومن لا يكون عالمًا يمتنع أن يجعل نفسه عالمًا، ومن لا يكون حيًا يمتنع أن يجعل نفسه حيًا.
فهذه الصفات من لوازم ذاته.
وكذلك من لا يكون خالقًا يمتنع أن يجعل نفسه خالقًا.
فإنه إذا لم يكن قادرًا على أن يخلق فجعله نفسه خالقة أعظم؛ فيكون هذا ممتنعًا بطريق الأولى، فإن جعل نفسه خالقة يستلزم وجود المخلوق.
ولهذا لما كان قادرًا على جعل الإنسان فاعلًا، كان هو الخالق لما يفعله الإنسان.
فلو جعل نفسه خالقة كان هو الخالق لما جعلها تخلقه.
فإذا فرض أنه يمتنع أن يكون خالقًا في الأزل امتنع أن يجعل نفسه خالقة بوجه من الوجوه.
ويلزم من القول بامتناع الفعل عليه في الأزل امتناعه دائمًا.
وقد دلت الآية على أنه خلق.
فعلم أنه ما زال قادرًا على الخلْق، ما زال يمكنه أن يَخْلُقَ، وما زال الخلْق ممكنًا مقدورًا. وهذا يبطل أصل الجهمية.
بل وإذا كان قادرًا عليه فالموجب له ليس شيئًا بائنًا من خارج، بل هو من نفسه.
فيمتنع أن يجعل نفسه مريدة بعد أن لم تكن، فيلزم أنه ما زال مريدًا قادرًا.
وإذا حصلت القدرة والإرادة، وجب وجود المقدور.
وأهل الكلام الذين ينازعون في هذا يقولون: لم يزل قادرًا على ما سيكون.
فيقال لهم: القدرة لا تكون إلا مع إمكان المقدور، إذا كانت القدرة دائمة، فهل كان يمكنه أن يفعل المقدور دائمًا؟ وهم يقولون: لا، بل الإمكان إمكان الفعل حادث.
وهذا يناقض إثبات القدرة، وإن قالوا: بل الإمكان حاصل، تبين أنه لم يزل الفعل ممكنا فثبت إمكان وجود ما لا يتناهي من مقدور الرب.
وحينئذ، فإذا كان لم يزل قادرًا، والفعل ممكنًا، وهذا الممكن قد وجد، فما لا يزال، فالموجب لوجود جنس المقدور، كالإرادة مثلا، إما أن يكون وجودها في الأزل ممتنعًا، فيلزم امتناع الفعل، وقد بينا أنه ممكن.
وأيضًا، إذا كان وجودها ممتنعًا، لم يزل ممتنعًا؛ لأنه لا شيء هناك يجعلها ممكنة، فضلًا عن أن تكون موجودة.
ومعلوم أن وجودها بعد أن لم تكن، لابد له من موجب.
وإذا كان وجودها في الأزل ممكنًا، فوجود هذا الممكن لا يتوقف على غير ذاته، وذاته كافية في حصوله.
فيلزم أنه لم يزل مريدًا.
وهكذا في جميع صفات الكمال متي ثبت إمكانها في الأزل، لزم وجودها في الأزل.
فإنها لو لم توجد لكانت ممتنعة، إذ ليس في الأزل شيء سوي نفسه يوجب وجودها.
فإذا كانت ممكنة والمقتضي التام لها نفسه لزم وجوبها في الأزل.
وهذا مما يدل على أنه لم يزل حيًا، عليمًا، قديرًا، مريدًا، متكلمًا فاعلًا؛ إذ لا مقتضي لهذه الأشياء إلا ذاته، وذاته وحدها كافية في ذلك.
فيلزم قدم النوع، وأنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، لكن أفراد النوع تحصل شيئًا بعد شيء بحسب الإمكان والحكمة.
ولهـذا قد بين في مواضـع أنه ليس في نفس الأمر ممكن يستوي طرفًا وجوده وعدمه، بل إمـا أن يحصـل المقتضي لوجـوده فيجب، أو لا يحصـل فيمتنـع.
فما اتصف بـه الرب، فاتصافه به واجب.
وما لم يتصف به،فاتصافه به ممتنع.
وما شاء،كان ووجب وجوده.
وما لم يشأ، لم يكن وامتنع وجوده.
فالممكن مع مرجحه التام واجب وبدونه ممتنع.
ففي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} وفي قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 ـ 4]، دلالة على ثبوت صفات الكمال له، وأنه لم يزل متصفًا بها.
وأقـوال السلف في ذلك كثـيرة.
وبهذا فسـروا قولـه: {وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:158]، ونحوه كما ذكره البخاري في صحيحه عن ابن عباس ورواه ابن أبي حاتم من عدة طرق لما قيل له: قوله: {وَكَانَ اللّهُ..}، كأنه كان شيء ثم مضى؟ فقال ابن عباس: هو سمى نفسه بذلك ولم يزل كذلك.
هذا لفظ ابن أبي حاتم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
فقال ابن عباس: كذلك كان ولم يزل.
ومن رواية عمرو بن أبي قيس، عن مُطرَّف، عن المِنْهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: أتاه رجل فقال: سمعت الله يقول: {وَكَانَ اللّهُ...}، كأنه شيء كان؟ فقال ابن عباس: أما قوله: {كَانَ}، فإنه لم يزل ولا يزال، و {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
ومن رواية عبد الرحمن بن مَغْراء عن مُجَمّع بن يحيي، عن عمه، عن ابن عباس.
قال، قال يهودي: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزًا حكيمًا، فكيف هو اليوم؟ فقال ابن عباس: إنه كان في نفسه عزيزًا حكيمًا.
وهذه أقوال ابن عباس تبين أنه لم يزل متصفًا بخبر [كان]، ولا يزال كذلك، وأن ذلك حصل له من نفسه.
فلم يزل متصفًا في نفسه إذا كان من لوازم نفسه، ولهذا لا يزال لأنه من نفسه.
وقال أحمد بن حنبل: لم يزل الله عالمًا، متكلمًا، غفورًا.
وقال أيضًا : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء.
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية