فصــل في : {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}
ابن تيمية
- التصنيفات: التفسير -
السؤال: فصــل في قوله تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا
يَحْيَى}
الإجابة:
وقوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13]، وقد ذكر في سورة الليل قوله: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 14 - 16].
وهذا الصلي قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" . فقال رجل من القوم: كأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية.
وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم فقال: ذكر عن عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خطب، فأتى على هذه: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الصلي لأهل النار الذين هم أهلها، وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم، وأن اللّه يميتهم فيها حتى يصيروا فحمًا، ثم يشفع فيهم فيخرجون ويؤتى بهم إلى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
وهذا المعنى مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم بل متواتر في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهما.
وفيها الرد على طائفتين: على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: (إن أهل التوحيد يخلدون فيها)، وهذه الآية حجة عليهم، وعلى من حكى عنه من غلاة المرجئة: (أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد).
فإن إخباره بأن أهل التوحيد يخرجون منها بعد دخولها تكذيب لهؤلاء وأولئك.
وفيه رد على من يقول: [يجوز ألا يُدْخِل اللّه من أهل التوحيد أحدًا النار] كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم كالقاضي أبي بكر وغيره.
فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم.
والقول بـ [أن أحدًا لا يدخلها من أهل التوحيد]، ما أعلمه ثابتًا عن شخص معين فأحكيه عنه، لكنْ حكى عن مقاتل بن سليمان،وقال: احتج من قال ذلك بهذه الآية.
وقد أُجِيبُوا بجوابين:
أحدهما: جواب طائفة، منهم الزجاج، قالوا: هذه نار مخصوصة.
لكن قوله بعدها: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17]، لا يبقى فيه كبير وعد، فإنه إذا جُنِّبَ تلك النار جاز أن يدخل غيرها.
وجواب آخرين قالوا: لا يصلونها صلى خلود.
وهذا أقرب.
وتحقيقه أن الصلي هنا هو الصلي المطلق، وهو المكث فيها، والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائمًا.
فأمـا مـن دخـل وخـرج فـإنه نـوع مـن الصلي، ليس هو الصلي المطلق لا سيما إذا كان قد مـات فيها والنار لم تأكله كله، فـإنه قـد ثبت أنها لا تأكـل مواضـع السجـود.
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية
وقوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13]، وقد ذكر في سورة الليل قوله: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 14 - 16].
وهذا الصلي قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" . فقال رجل من القوم: كأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية.
وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم فقال: ذكر عن عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خطب، فأتى على هذه: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الصلي لأهل النار الذين هم أهلها، وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم، وأن اللّه يميتهم فيها حتى يصيروا فحمًا، ثم يشفع فيهم فيخرجون ويؤتى بهم إلى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
وهذا المعنى مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم بل متواتر في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهما.
وفيها الرد على طائفتين: على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: (إن أهل التوحيد يخلدون فيها)، وهذه الآية حجة عليهم، وعلى من حكى عنه من غلاة المرجئة: (أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد).
فإن إخباره بأن أهل التوحيد يخرجون منها بعد دخولها تكذيب لهؤلاء وأولئك.
وفيه رد على من يقول: [يجوز ألا يُدْخِل اللّه من أهل التوحيد أحدًا النار] كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم كالقاضي أبي بكر وغيره.
فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم.
والقول بـ [أن أحدًا لا يدخلها من أهل التوحيد]، ما أعلمه ثابتًا عن شخص معين فأحكيه عنه، لكنْ حكى عن مقاتل بن سليمان،وقال: احتج من قال ذلك بهذه الآية.
وقد أُجِيبُوا بجوابين:
أحدهما: جواب طائفة، منهم الزجاج، قالوا: هذه نار مخصوصة.
لكن قوله بعدها: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17]، لا يبقى فيه كبير وعد، فإنه إذا جُنِّبَ تلك النار جاز أن يدخل غيرها.
وجواب آخرين قالوا: لا يصلونها صلى خلود.
وهذا أقرب.
وتحقيقه أن الصلي هنا هو الصلي المطلق، وهو المكث فيها، والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائمًا.
فأمـا مـن دخـل وخـرج فـإنه نـوع مـن الصلي، ليس هو الصلي المطلق لا سيما إذا كان قد مـات فيها والنار لم تأكله كله، فـإنه قـد ثبت أنها لا تأكـل مواضـع السجـود.
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية