ما ورد في فضل شهر شعبان
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
- التصنيفات: ملفات شهر شعبان -
السؤال: سائل يسأل عما ورد في فضل شهر شعبان من أحاديث، ويطلب بيان الصحيح
منها والضعيف؟
الإجابة: ذكر الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي في كتابه (لطائف المعارف) (1) عن
وظائف شهر شعبان أشياء مما أشرتم إليه. وقد لخصنا لكم منه ما
يلي:
- أخرج الإمام أحمد والنسائي (2) من حديث أسامة بن زيد. قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان. فقلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: " " (3).
- وفي (الصحيحين) (4) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً (5).
▪ فإن قيل: فكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: " " (6)؟
* فالجواب: أن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، ويدل على ذلك: ما أخرجه الترمذي (7) من حديث أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: " " تعظيماً لرمضان. وفي إسناده مقال.
- وفي (سنن ابن ماجه) (8) أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، فترك الأشهر الحرم، فكان يصوم شوالا حتى مات وفي إسناده إرسال. وقد روي من وجه آخر يعضده. فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم. وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل؛ لصيام النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال، فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى.
فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان، قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض. وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد منه، ويكون قوله: " "، محمولاً على التطوع المطلق بالصيام، فأما ما قبل رمضان وبعده فإنه يلتحق به في الفضل، كما أن قوله في تمام الحديث: " "، إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء، خلافاً لبعض الشافعية.
وقد (9) ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور، وفيه معان أخر، ذكر منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة معنيين، أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان -الشهر الحرام وشهر الصيام- اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان؛ لأنه شهر حرام. وليس كذلك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت (10): ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجباً، فقال: " "
وفي قوله: " " إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً، أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوّتون تحصيل فضيلةِ ما ليس بمشهور عندهم. وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.
وروي في ذلك معنى آخر: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام. وربما أخر ذلك حتى يقضيه بصوم شعبان. رواه ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيهما عن عائشة رضي الله عنها خرجه الطبراني (11). ورواه غيره، وزاد: قالت عائشة: فربما أردتُّ أن أصوم فلم أُطِق، حتى إذا صام صمتُ معه.
فكانت (12) عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ؛ لفطرها فيه بالحيض، وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه.
وقد (13) قيل في صوم شعبان معنى آخر: وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكُلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترويض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
قال ابن رجب: روينا بإسناد ضعيف عن أنس (14) قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
وقال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو ابن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن. انتهى ملخصاً من (لطائف المعارف بما لمواسم العام من الوظائف) تأليف الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله.
___________________________________________
1 - ص (236).
2 - أحمد (5/ 201)، والنسائي (4/ 201)، وفي إسناده ثابت بن قيس أبو الغصن وفيه مقال.
3 - ص (247).
4 - البخاري (1969)، ومسلم (1156).
5 - ص (248).
6 - مسلم (1163)، وأحمد (2/ 303، 329، 342، 344، 535) وبقيته: " ".
7 - الترمذي (663) وقال: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى -يعني الدقيقي- ليس عندهم بذاك القوي.
8 - (1744) وهو منقطع بين محمد بن إبراهيم التيمي وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.
9 - ص (250).
10 - (مصنف عبد الرزاق) (7858)، و(مصنف ابن أبي شيبة) (3/ 102).
11 - الطبراني في (الأوسط) (2098) وضعفه الحافظ في (الفتح) (4/ 214) لضعف ابن أبي ليلى.
12 - ص (258).
13 - ص (258).
14 - وكذا ضعفه الحافظ في (الفتح) (13/ 310).
- أخرج الإمام أحمد والنسائي (2) من حديث أسامة بن زيد. قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان. فقلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: " " (3).
- وفي (الصحيحين) (4) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً (5).
▪ فإن قيل: فكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: " " (6)؟
* فالجواب: أن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، ويدل على ذلك: ما أخرجه الترمذي (7) من حديث أنس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: " " تعظيماً لرمضان. وفي إسناده مقال.
- وفي (سنن ابن ماجه) (8) أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، فترك الأشهر الحرم، فكان يصوم شوالا حتى مات وفي إسناده إرسال. وقد روي من وجه آخر يعضده. فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم. وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل؛ لصيام النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال، فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى.
فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان، قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض. وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد منه، ويكون قوله: " "، محمولاً على التطوع المطلق بالصيام، فأما ما قبل رمضان وبعده فإنه يلتحق به في الفضل، كما أن قوله في تمام الحديث: " "، إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء، خلافاً لبعض الشافعية.
وقد (9) ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور، وفيه معان أخر، ذكر منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة معنيين، أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان -الشهر الحرام وشهر الصيام- اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان؛ لأنه شهر حرام. وليس كذلك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت (10): ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجباً، فقال: " "
وفي قوله: " " إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً، أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوّتون تحصيل فضيلةِ ما ليس بمشهور عندهم. وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.
وروي في ذلك معنى آخر: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام. وربما أخر ذلك حتى يقضيه بصوم شعبان. رواه ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيهما عن عائشة رضي الله عنها خرجه الطبراني (11). ورواه غيره، وزاد: قالت عائشة: فربما أردتُّ أن أصوم فلم أُطِق، حتى إذا صام صمتُ معه.
فكانت (12) عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ؛ لفطرها فيه بالحيض، وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه.
وقد (13) قيل في صوم شعبان معنى آخر: وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكُلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترويض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
قال ابن رجب: روينا بإسناد ضعيف عن أنس (14) قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
وقال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو ابن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن. انتهى ملخصاً من (لطائف المعارف بما لمواسم العام من الوظائف) تأليف الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله.
___________________________________________
1 - ص (236).
2 - أحمد (5/ 201)، والنسائي (4/ 201)، وفي إسناده ثابت بن قيس أبو الغصن وفيه مقال.
3 - ص (247).
4 - البخاري (1969)، ومسلم (1156).
5 - ص (248).
6 - مسلم (1163)، وأحمد (2/ 303، 329، 342، 344، 535) وبقيته: " ".
7 - الترمذي (663) وقال: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى -يعني الدقيقي- ليس عندهم بذاك القوي.
8 - (1744) وهو منقطع بين محمد بن إبراهيم التيمي وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.
9 - ص (250).
10 - (مصنف عبد الرزاق) (7858)، و(مصنف ابن أبي شيبة) (3/ 102).
11 - الطبراني في (الأوسط) (2098) وضعفه الحافظ في (الفتح) (4/ 214) لضعف ابن أبي ليلى.
12 - ص (258).
13 - ص (258).
14 - وكذا ضعفه الحافظ في (الفتح) (13/ 310).