خلود أهل الجنة خلود لا انقطاع فيه
عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
يقول الله تبارك وتعالى: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ}، ما المقصود بالاستثناء في الآيتين؟ وهل الاستثناء في الآية الثانية يعني الاستثناء من الخلود بذاته، بمعنى أنه لن يكون هناك خلود في الجنة لبعض المؤمنين أم أنه يعني أن كل شيء يندرج تحت مشيئة الله تبارك وتعالى بما فيها الخلود بعينه؟
معنى الآية أن الله سبحانه وتعالى يخبر بأن مصير الناس يوم القيامة إلى فريقين، قال هذا في سورة هود بعد أن قص الله تبارك وتعالى مصارع الغابرين من قوم نوح وثمود وعاد وقوم لوط وقوم فرعون، حيث قال: {إن في هذا لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأتِ لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد}، إذا جاء هذا اليوم لا أحد سيتكلم إلا بإذن الله، فمنهم شقي وسعيد، ثم قال جل وعلا: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} يعني أن النار تحرقه ولكنه يتنفس عياذاً بالله: {خالدين فيها} خلوداً دائماً، {ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك }، قال أهل العلم {إلا ما شاء ربك} قد شاء الله تبارك وتعالى أن يكون هذا خلوداً لا انقطاع له، وأن هذا الاستثناء ليس معناه أن الله يقطع عنهم العذاب في يوم من الأيام، لا بل أخبر سبحانه وتعالى أن عذابهم هذا لا ينتهي وليست له نهاية ينتهي بها.
أما: {ما دامت السماوات والأرض} فبعض أهل العلم يقول مدة دوام السماوات والأرض لا نعلمها، وبعضهم يقول: {ما دامت السماوات والأرض} أن الوجود حتى يوم القيامة يكون هناك سماوات وأرض، هناك علو وسفل كما قال الله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} يعني ما دام هناك علو وسفل، فهم خالدون إذن لا انقطاع لهذا.
{إلا ما شاء ربك} أن هذه المشيئة قد بينها الله تبارك وتعالى في الآيات الأخرى، فبيّن أن خلودهم خلود دائم لا انقطاع له، ثم قال: {إن ربك فعال لما يريد}، وقد أراد هذا كوناً وقدراً، فسيكون، ثم قال جل وعلا: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة}.
ونتوقف عند: {شقوا}، و{سعدوا}: {شقوا}: البناء هنا للفاعل هم شقوا، وأما: {سعدوا}: البناء هنا للمفعول، الإسناد للمفعول هنا: {سُعِدوا}، وذلك أن السعادة إنما هي فعل الله سبحانه وتعالى، وأما الشقاوة هو فعل العبد، هو الذي سار في طريق الشقوة فشقي، {وأما الذين سعدوا} يعني أسعدهم الله تبارك وتعالى لأن الهدى هداه سبحانه وتعالى، {ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك}، علقه بالمشيئة ثم بيّن سبحانه وتعالى أن هذه المشيئة إنما هي الخلود الدائم، قال: {عطاءً غير مجذوذ} والجذ هو القطع والنهاية، يعني عطاء لا ينقطع، ومعنى لا ينقطع يعني عطاء دائم، فخلود أهل الجنة خلود لا انقطاع فيه، وخلود أهل النار عياذاً بالله تبارك وتعالى خلود لا انقطاع فيه، وقد جاء بهذا من الأحاديث الصريحة والواضحة كقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون فينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيقال: يا أهل النار: هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون فينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ويقال: يا أهل الجنة: خلود لا موت، ويا أهل النار: خلود لا موت"، فيزداد أهل الجنة فرح بفرحهم وأهل النار عياذاً بالله غماً على غمهم.