حكم زيارة النساء للقبور
منذ 2008-05-19
السؤال: هل زيارة النساء للقبور مُحرمة؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:
فقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
فمنهم من قال: يجوز للنساء زيارة القبور إذا أمن منهن الافتتان والجزع والصياح وشق الجيوب، وما شابه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد، حكاها ابن قدامة، وهو وجه عند الشافعية حكاه الروياني في البحر وصححه؛ كما في "المجموع" للنووي، واستدلوا بأدلة، منها: حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه مسلم)، وزاد (أبو داود والنسائي) من حديث أنس: " "، زاد (الحاكم) من حديث أنس أيضًا: " "، وهو خطاب عام يعم الرجال والنساء؛ لتساويهم في علة الزيارة وهو تذكر الآخرة.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): واختلف في النساء؛ فقيل: "دخلن في عموم الإذن، وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة"، وقال أبو العباس القرطبي في (المفهم): "ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك؛ فقد يقال: "إذا أمن جميع ذلك، فلا مانع من الإذن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء".
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال " " الحديث (متفق عليه)، ومنها ما رواه (مسلم) عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله: كيف أقول إذا زرت المقابر، قال: " ".
ومنها ما أخرجه (الأثرم والحاكم) عن عبدالله بن أبي مليكة أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر؛ فقلت لها: "يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، ثم أمر بزيارتها"، صححه العراقي والألباني في الإرواء.
ومن أهل العلم من قال بكراهة زيارة النساء للقبور، واحتجوا بحديث أبي هريرة عند أحمد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (صححه الألباني)، وبأن النساء فيهن رقة قلب وكثرة جزع وقلة احتمال للمصائب، وهذا مظنة لبكائهن ورفع أصواتهن.
وقد فصَّل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذه المسالة في (الشرح الممتع)، فقال: "في المسألة خمسة أقوال:
فقيل: إنها سنة للنساء، كالرجال.
وقيل: تكره.
وقيل: تباح.
وقيل: تحرم.
وقيل: من الكبائر.
والمشهور من المذهب عند الحنابلة: أنها تكره، والكراهة عندهم للتنـزيه، أي لو زارت المرأة القبور، فإنه لا إثم عليها. والصحيح: أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب، ودليل ذلك ما يلي:
أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن زائرات القبور"، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا وعيد شديد.
ومن جهة النظر، فلأنَّ المرأة ضعيفة التحمل، قوية العاطفة، سريعة الانفعال فلا تتحمل أن تزور القبر، وإذا زارته حصل لها من البكاء، والعويل، وربما شق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك . وأيضاً إذا ذهبت وحدها إلى المقابر، فالغالب أن المقابر تكون في مكان خال، يخشى عليها من الفتنة أو العدوان عليها، فكان النظر الصحيح موافقاً للأثر.
واستثنى الأصحاب من فقهاء الحنابلة: قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه، وقالوا: إن زيارة النساء لهذه القبور الثلاثة لا بأس بها، وعللوا ذلك: بأن زيارتهن لهذه القبور الثلاثة لا يصدق عليها أنها زيارة؛ لأن بينهن وبين هذه القبور ثلاثة جدر، كما قال ابن القيم: " فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجدران ".
والذي يترجح عندي: أنه لا استثناء؛ لأن وصولهن إلى القبور إما أن يكون زيارة، أو لا يكون، فإن كان زيارة وقعن في الكبيرة، وإن لم تكن زيارة فلا فرق بين أن يحضرن إلى مكان القبر، أو أن يسلمن على النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد، وحينئذٍ يكون مجيئهن للقبور لغواً لا فائدة منه، بل في زماننا هذا قد يكون هناك مزاحمة للرجال، وأعمال لا تليق بالمرأة المسلمة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: ما تقولون في حديث عائشة -: "أنها زارت قبر أخيها" ؟
فالجواب: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقول أحد كائناً من كان، وها هي عائشة تقول: "شبَّهتمونا بالحمير والكلاب" ، أي في قطع الصلاة إذا مرت المرأة من بين يدي المصلي مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن: "الكلب الأسود، والحمار، والمرأة تقطع الصلاة" ، فهي غير معصومة، ولا يمكن أن يستدل بفعلها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: ما تقولون في الحديث الثابت في صحيح مسلم "حيث فقدت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وطلبته، ثم أدركته في البقيع يسلم عليهم، ثم رجع من البقيع ورجعت هي قبله حتى أدركها في البيت،.... قالت يا رسول الله: أرأيت إن خرجت ماذا أقول قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين...." إلخ؟
فالجواب: يفرق بين المرأة إذا خرجت بقصد الزيارة، وإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فلا حرج أن تسلم على أهل القبور، وأن تدعو لهم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، وأما إذا خرجت لقصد الزيارة فهذه زائرة للمقبرة فيصدق عليها اللعن.
فإن قيل: ما تقولون في اللفظ الوارد في الحديث: " " بصيغة المبالغة؟
فالجواب: الحديث ورد بلفظين: "زائرات"، و"زوارات"، فإن كانت "زوارات" للنسبة فلا إشكال، وإن كانت للمبالغة فإن لفظ "زائرات" فيه زيادة علم، فيؤخذ به؛ لأن "زائرات" يصدق بزيارة واحدة، و"زوارات" في الكثير للمبالغة، ومعلوم أن الوعيد إذا جاء معلقاً بزيارة واحدة، ومعلقاً بزيارات متعددة؛ فإن مع المعلق بزيارة واحدة زيادة علم؛ لأنه يحق الوعيد على من زار مرة واحدة على لفظ "زائرات"، دون لفظ: "زوارات"، ولو أخذنا "بزوارات" ألغينا دلالة "زائرات".
وقد تكلم "شيخ الإسلام" رحمه الله على هذه المسألة في (مجموع الفتاوى) كلاماً جيداً ينبغي لطالب العلم أن يراجعه وذكر عدة أوجه في الرد على من قال: إن النساء يسن لهن زيارة القبور، وللشيخ "بكر أبو زيد" جزء مطبوع فصل فيه في أحكام هذه المسألة، تحسن مراجعته،، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع الألوكة
فقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
فمنهم من قال: يجوز للنساء زيارة القبور إذا أمن منهن الافتتان والجزع والصياح وشق الجيوب، وما شابه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد، حكاها ابن قدامة، وهو وجه عند الشافعية حكاه الروياني في البحر وصححه؛ كما في "المجموع" للنووي، واستدلوا بأدلة، منها: حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه مسلم)، وزاد (أبو داود والنسائي) من حديث أنس: " "، زاد (الحاكم) من حديث أنس أيضًا: " "، وهو خطاب عام يعم الرجال والنساء؛ لتساويهم في علة الزيارة وهو تذكر الآخرة.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): واختلف في النساء؛ فقيل: "دخلن في عموم الإذن، وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة"، وقال أبو العباس القرطبي في (المفهم): "ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك؛ فقد يقال: "إذا أمن جميع ذلك، فلا مانع من الإذن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء".
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال " " الحديث (متفق عليه)، ومنها ما رواه (مسلم) عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله: كيف أقول إذا زرت المقابر، قال: " ".
ومنها ما أخرجه (الأثرم والحاكم) عن عبدالله بن أبي مليكة أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر؛ فقلت لها: "يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، ثم أمر بزيارتها"، صححه العراقي والألباني في الإرواء.
ومن أهل العلم من قال بكراهة زيارة النساء للقبور، واحتجوا بحديث أبي هريرة عند أحمد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (صححه الألباني)، وبأن النساء فيهن رقة قلب وكثرة جزع وقلة احتمال للمصائب، وهذا مظنة لبكائهن ورفع أصواتهن.
وقد فصَّل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذه المسالة في (الشرح الممتع)، فقال: "في المسألة خمسة أقوال:
فقيل: إنها سنة للنساء، كالرجال.
وقيل: تكره.
وقيل: تباح.
وقيل: تحرم.
وقيل: من الكبائر.
والمشهور من المذهب عند الحنابلة: أنها تكره، والكراهة عندهم للتنـزيه، أي لو زارت المرأة القبور، فإنه لا إثم عليها. والصحيح: أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب، ودليل ذلك ما يلي:
أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن زائرات القبور"، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا وعيد شديد.
ومن جهة النظر، فلأنَّ المرأة ضعيفة التحمل، قوية العاطفة، سريعة الانفعال فلا تتحمل أن تزور القبر، وإذا زارته حصل لها من البكاء، والعويل، وربما شق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك . وأيضاً إذا ذهبت وحدها إلى المقابر، فالغالب أن المقابر تكون في مكان خال، يخشى عليها من الفتنة أو العدوان عليها، فكان النظر الصحيح موافقاً للأثر.
واستثنى الأصحاب من فقهاء الحنابلة: قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه، وقالوا: إن زيارة النساء لهذه القبور الثلاثة لا بأس بها، وعللوا ذلك: بأن زيارتهن لهذه القبور الثلاثة لا يصدق عليها أنها زيارة؛ لأن بينهن وبين هذه القبور ثلاثة جدر، كما قال ابن القيم: " فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجدران ".
والذي يترجح عندي: أنه لا استثناء؛ لأن وصولهن إلى القبور إما أن يكون زيارة، أو لا يكون، فإن كان زيارة وقعن في الكبيرة، وإن لم تكن زيارة فلا فرق بين أن يحضرن إلى مكان القبر، أو أن يسلمن على النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد، وحينئذٍ يكون مجيئهن للقبور لغواً لا فائدة منه، بل في زماننا هذا قد يكون هناك مزاحمة للرجال، وأعمال لا تليق بالمرأة المسلمة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: ما تقولون في حديث عائشة -: "أنها زارت قبر أخيها" ؟
فالجواب: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقول أحد كائناً من كان، وها هي عائشة تقول: "شبَّهتمونا بالحمير والكلاب" ، أي في قطع الصلاة إذا مرت المرأة من بين يدي المصلي مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن: "الكلب الأسود، والحمار، والمرأة تقطع الصلاة" ، فهي غير معصومة، ولا يمكن أن يستدل بفعلها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: ما تقولون في الحديث الثابت في صحيح مسلم "حيث فقدت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وطلبته، ثم أدركته في البقيع يسلم عليهم، ثم رجع من البقيع ورجعت هي قبله حتى أدركها في البيت،.... قالت يا رسول الله: أرأيت إن خرجت ماذا أقول قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين...." إلخ؟
فالجواب: يفرق بين المرأة إذا خرجت بقصد الزيارة، وإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فلا حرج أن تسلم على أهل القبور، وأن تدعو لهم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، وأما إذا خرجت لقصد الزيارة فهذه زائرة للمقبرة فيصدق عليها اللعن.
فإن قيل: ما تقولون في اللفظ الوارد في الحديث: " " بصيغة المبالغة؟
فالجواب: الحديث ورد بلفظين: "زائرات"، و"زوارات"، فإن كانت "زوارات" للنسبة فلا إشكال، وإن كانت للمبالغة فإن لفظ "زائرات" فيه زيادة علم، فيؤخذ به؛ لأن "زائرات" يصدق بزيارة واحدة، و"زوارات" في الكثير للمبالغة، ومعلوم أن الوعيد إذا جاء معلقاً بزيارة واحدة، ومعلقاً بزيارات متعددة؛ فإن مع المعلق بزيارة واحدة زيادة علم؛ لأنه يحق الوعيد على من زار مرة واحدة على لفظ "زائرات"، دون لفظ: "زوارات"، ولو أخذنا "بزوارات" ألغينا دلالة "زائرات".
وقد تكلم "شيخ الإسلام" رحمه الله على هذه المسألة في (مجموع الفتاوى) كلاماً جيداً ينبغي لطالب العلم أن يراجعه وذكر عدة أوجه في الرد على من قال: إن النساء يسن لهن زيارة القبور، وللشيخ "بكر أبو زيد" جزء مطبوع فصل فيه في أحكام هذه المسألة، تحسن مراجعته،، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع الألوكة
- التصنيف: