حكم الوضوء بفضل طَهور المرأة
هذه المسألة فيها قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد.
▪ فالمشهور أنه لا يرفع حدث الرجل، مع كونه يرفع حدث المرأة وحدث الصبي الذي لم يبلغ. ويزيل النجاسات كلها مطلقاً، سواء ما تعلق منها بالرجل، وغيره. واحتجوا بحديث ورد في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة (1) رواه أبو داود وغيره، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.
وهذا من مفردات المذهب. قالوا: ويشترط لذلك أن يكون الماء يسيًرا، وأن تخلو به المرأة عند استعماله، فلا يحضرها أحد حتى تنتهي، وأن تكون المرأة مكلفة، وأن تتطهر منه طهارة كاملة عن حدث. فإن اختل شرط منها فلا بأس به للرجل، ويرتفع به حدثه.
▪ والقول الآخر أنه يرفع حدث الرجل، كغيره؛ لأنه طَهورٌ لم يغيره شيء، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تميمة وشيخنا ابن سعدي.
والحديث الذي استدل به الأولون فيه مقال، وعلى فرض صحته فيحمل على التنزيه. وأيضاً فهو معارض بما هو أقوى منه، وهو حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة (أخرجه مسلم) (2).
ولأصحاب السنن: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء -أي النبي صلى الله عليه وسلم- ليغتسل منها فقالت: إني كنت جنباً، فقال: " " وصححه الترمذي وابن خزيمة (3).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بعض أجوبته: ومن ذلك فضلة المرأة، زعم بعضهم أنه لا يرفع الحدث، يعني حدث الرجل، وولدوا عليه من المسائل ما يشغل الأذهان. وقال كثير من أهل العلم أو أكثرهم: إنه مطهر، رافع للحدث. فإن لم يصح الحديث، يعني حديث النهي، فلا كلام، كما يقوله البخاري، وغيره. وإن قلنا بصحة الحديث فنقول: في (صحيح مسلم) حديث أصح منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة.
وهذا الماء داخل في عموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (4) قطعاً، وداخل في عموم حديث: " " (5).
وإنما نهي الرجل عن استعماله نهي تنزيه، إذا قدر على غيره، للأدلة التي ذكرنا. انتهى ملخصاً، والله أعلم.
___________________________________________
1 - أحمد (5/ 66)، وأبو داود (82)، والترمذي (64) وحسنه. وابن ماجه (373)، وابن حبان (260) من حديث أبي حاجب سوادة بن عاصم العنزي عن الحكم بن عمرو الغفاري مرفوعاً، وفيه اضطراب، وقد قال الترمذي في (علله الكبير): سألت محمداً -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ.أ.هـ. وقد صحح وقفه على عبد الله بن سرجس أيضاً الدارقطني في (سننه) (1/192)، وقال: هو أولى بالصواب، وقد أشار البخاري في (التاريخ الكبير) (4/185) إلى الاختلاف في إسناده ومتنه.
2 - مسلم (323).
3 - أبو داود (68)، والترمذي (65)، والنسائي (1 /173)، وابن ماجه (370)، وابن خزيمة (109) من طريق سماك عن عكرمة، قال الحافظ في (الفتح) (1/300): وقد أعله قوم بسماك بن حرب؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم.أ.هـ.
4 - سورة النساء: الآية (43)، وسورة المائدة: الآية (6).
5 - أخرجه أحمد (3 /31)، وأبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (1/174) من حديث أبي سعيد الخدري، وهو حديث بئر بضاعة، وقد صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم وغير واحد، وضعفه آخرون، راجع (التلخيص الحبير) (1/13).
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .
- التصنيف:
- المصدر: