النية شرط من شروط الصلاة

منذ 2008-07-18
السؤال: النية شرط من شروط الصلاة
الإجابة: قال فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى:

ومن شروط الصلاة:
النية:

فالصلاة لا تصح إلا بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" الحديث.

وقد دلَّت الآيات الكريمة على اعتبار النية في العبادات، مثل قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}، وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّه}، وقال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، والآيات في هذا كثيرة.

فالنية شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها.

وهي في الحقيقة ليست بالأمر الصعب، فكل إنسان عاقل مختار بفعل فعلاً فإنه قد نواه، فلا تحتاج إلى تعب ولا إلى نطق فمحلها القلب: "إنما الأعمال بالنيات"، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية، ولا أمر أمته بالنطق بها، ولا فعلها أحد من أصحابه فأقره على ذلك، فالنطق بالنية بدعة، هذا هو القول الراجح.

وما أظرف قصةً ذكرها لي بعض الناس عليه رحمه الله قال لي: إن شخصاً في المسجد الحرام قديماً أراد أن يصلي فأقيمت الصلاة فقال: "اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله تعالى، خلف إمام المسجد الحرام"، فلما أراد أن يكبِّر قال له: اصبر بقي عليك، قال: ما الباقي؟ قال له: قلْ في اليوم الفلاني، وفي التاريخ الفلاني، ومن الشهر والسنة حتى لا تضيع، هذه وثيقة، فتعجب الرجل، والحقيقة أنها محل التعجب... هل أنت تُعلم الله عز وجل بما تريد؟ الله يعلم ما توسوس به نفسك.

هل تُعلم الله بعدد الركعات والأوقات؟ لا داعي له، هو يعلم هذا، فالنية محلها القلب.

والصلوات تنقسم إلى أقسام نفل مطلق، ونفل معين، وفريضة.

الفرائض الخمس: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء فإذا جاء الإنسان إلى المسجد في وقت الفجر فإن من المعلوم أنه يريد الفجر.

وهناك مسألة: إذا جئت وكبَّرت وغاب عن ذهنك أي صلاة هي، وهذا يقع كثيراً إذا جاء بسرعة يخشى أن تفوته الركعة، فهنا وقوع الصلاة في وقتها دليل على أنه إنما أراد هذه الصلاة، ولهذا لو سألك أي واحد هل أردت الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء، لقلت أبداً ما أردت إلا الفجر فيكون تعيينها بالوقت، إذاً الفرائض يكون تعيينها على وجهين:

الوجه الأول: أن يعينها بعينها فينوي بقلبه أنها الظهر وهذا واضح.
الوجه الثاني: الوقت فما دمت تصلي الصلاة في هذا الوقت فهي هي الصلاة.

هذا الوجه الثاني إنما يكون في الصلاة المؤداة في وقتها، أما لو فرض أن على إنسان صلوات مقضية كما لو نام يوماً كاملاً عن الظهر والعصر والمغرب، فهنا إذا أراد أن يقضي لابد أن يعين بعينها لأنه لا يوقت لها.

ومن النوافل المعينة الوتر، وركعتي الضحى، والرواتب فهذه لابد أن تعينها بالاسم، لكن بالقلب لا باللسان، فإذا أردت أن تصلي مثلاً وكبرت، ولكن ما نويت الوتر، وفي أثناء الصلاة نويتها الوتر فهاذ لا يصح، لأن الوتر نفل معين، والنوافل المعينة لابد أن تعين بعينها.

وهنا مسألة: إذا أراد الإنسان أن ينتفل في الصلاة من نية إلى نية فهل هذا ممكن؟

فالجواب أن الانتفال أنواع:

النوع الأول: من مطلق إلى معين فلا يصح، ومثاله: إنسان قام يصلي صلاة نافلة مطلقة وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل راتبه الفجر فنواها لراتبة الفجر.

نقول لا تصح لراتبة الفجر، لأنه انتفل من مطلق إلى معين، والمعين لابد أن تنويه من أوله فراتبه الفجر من التكبير إلى التسليم.

النوع الثاني: من معين إلى معين فلا يصح، ومثاله رجل قام يصلي العصر وفي أثناء صلاته ذكر أنه لم يصل الظهر أو أنه صلاها بغير وضوء، فقال: الآن نويتها للظهر.

هنا لا تصح للظهر لأنه من معين إلى معين، ولا تصح أيضاً صلاة العصر التي ابتدأها لأنه قطعها بانتفاله إلى الظهر.

النوع الثالث: من معين إلى مطلق فإنه لا يصح مثل: إنسان شرع في صلاة راتبة الفجر، ثم ذكر أنه صلاها فنواها نفلاً مطلقاً فيصح.

فصارت الحالات ثلاث:

الحال الأولى: من مطلق إلى معين لا يصح المعين ويبقى المطلق.
الحال الثانية: من معين إلى معين يبطل الأول ولا ينعقد الثاني.
الحال الثالثة: من معين إلى مطلق.

. نية الإمامة والائتمام:

الجماعة تحتاج إلى إمام ومأموم، وأقلها اثنان إمام ومأموم، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله.

ولابد من نية المأموم الائتمام وهذا شئ متفق عليه، يعني دخلت في جماعة فلابد أن تنوي الائتمام بإمامك الذي دخلت عليه.

ولكن النية لا تحتاج إلى كبير عمل، لأن من أتى إلى المسجد فإنه نوى أن يأتم، ومن قال لشخص صلِّ بي فإنه قد نوى أن يأتم.

أما الإمام فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يجب أن تنوي أن يكون إماماً أو لا يجب؟
- فقال بعض أهل العلم: لابد أن ينوي أنه الإمام.
- وقال بعضهم: لا يشترط، وعلى هذا فلو جاء رجلان ووجدا رجلاً يصلي، ونويا أن يكون الرجل إماماً لهما فصفا خلفه وهو لا يدري بهما، فمن قال إنه لابد للإمام أن ينوي الإمامة، قال: إن صلاة الرجلين لا تصح، وذلك لأن الإمام يم ينو الإمامة، ومن قال: إنه لا يشترط، قال إن صلاة هذين الرجلين صحيحة لأنهما ائتما به.

فالأول هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والثاني هو مذهب الإمام مالك، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في رمضان وحده فدخل أناس المسجد فصلوا خلفه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول من دخل الصلاة لم ينو أن يكون إماماً، واستدلوا كذلك بأن ابن عباس رضي الله عنها بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، قام يصلي وحده، فقام ابن عباس فتوضأ ودخل معه الصلاة.

ولكن لا شك أن هذا الثاني ليس فيه دلالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة، ولكن نواها في أثناء الصلاة ولا بأس أن ينويها في أثناء الصلاة.

* وعلى كل حال الاحتياط في هذه المسألة أن نقول: إنه إذا جاء رجلان إلى شخص يصلي فلينبهاه على أنه إمام لهما، فإن سكت فقد أقرهما، وإن رفض وأشار بيده أن لا تصليا خلفي، فلا يصليا خلفه، هذا هو الأحوط والأولى.

. ثانياً: هل يشترط أن تتساوى صلاة الإمام مع صلاة المأموم في جنس المشروعة؟
بمعنى هل يصح أن يصلي الفريضة خلف من يصلي النافلة، أو أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة؟

أما الإنسان الذي يصلي نافلة خلف من يصلي فريضة فلا بأس بهذا، لأن السنة قد دلت على ذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انفلت من صلاة الفجر ذات يوم في مسجد الخيف بمنى فوجد رجلين لم يصليا فقال: "أما منعكما أن تصليا في القوم؟" قالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا -يحتمل أنهما صليا في رحالهما لظنهما أنهما لا يدركان صلاة الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب- فقال: "إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا فإنها لكما نافلة" أي الثانية، والأولى حصلت بها الفريضة وانتهت وبرئت الذمة.

- أما إذا كان الإمام يصلي النافلة والمأموم يصلي الفريضة، وأقرب مثال لذلك في أيام رمضان إذا دخل الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء ووجد الناس يصلون التراويح، فهل يدخل معهم بنية العشاء، أو يصلي الفريضة وحده ثم يصلي التراويح؟

* هذا محل خلاف بين العلماء:
- فمنهم من قال: لا يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة، لأن الفريضة أعلى، ولا يمكن أن تكون صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام.
- ومنهم من قال: بل يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة، لأن السنة وردت بذلك، وهي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فهي له نافلة ولهم فريضة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم؟

فالجواب عن ذلك أن نقول: إن كان قد علم فقد تم الاستدلال، لأن معاذ بن جبل رضي الله عنه قد شكي إلى الرسول في كونه يطول صلاة العشاء، فالظاهر أن الرسول اخبر بكل القضية وبكل القصة.

وإذا قدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن معاذاً يصلي معه ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم، فإن رب الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم، والله جل وعلا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا كان الله قد علم ولم ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم إنكاراً لهذا العمل دل ذلك على جوازه، لأن الله لا يقر عباده على شئ غير مشروع لهم إطلاقاً، فتم الاستدلال حينئذ على كل تقدير.

** إذاً فالصحيح أنه يجوز أن يصلي الإنسان صلاة الفريضة خلف من يصلي النافلة، والقياس الذي ذكر استدلالاً على المنع قياس في مقابلة نص فيكون مطروحاً فاسداً لا يعتبر.

إذاً فإذا أتيت في أيام رمضان والناس يصلون صلاة التراويح ولم تصل العشاء فادخل معهم بنية صلاة العشاء، ثم إن كنت قد خلت في أول ركعة فإذا سلم الإمام فصل ركعتين لتتم الأربع ركعات، وإن كنت دخلت في الثانية فصل إذا سلم الإمام ثلاث ركعات لأنك صليت مع الإمام ركعة.
وهذا هو منصوص الإمام أحمد مع أن مذهبه خلاف ذلكم، ولكن منصوصه الذي نص عليه شخصياً أن هذا جائز.

. إذاً تخلص الآن:
1 - من صلى فريضة خلف فريضة فجائز.
2 - فريضة خلف نافلة فيها خلاف.
3 - نافلة خلف فريضة جائزة قولاً واحداً.

المسألة الثالثة: في جنس الصلاة هل يشترط أن تتفق صلاة الإمام والمأموم في نوع الصلاة أي ظهر مع ظهر، وعصر مع عصر أو لا؟

الجواب: هذه المسألة محل خلاف:
- فمن العلماء من قال: يجب أن تتفق الصلاتان فيصلي الظهر خلف من يصلي الظهر، ويصلي العصر خلف من يصلي العصر، ويصلي المغرب خلف من يصلي المغرب، وهكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعلت الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه".
- ومن العلماء من قال: لا يشترط فيجوز أن تصلي العصر خلف من يصلي الظهر، أو الظهر خلف من يصلي العصر، أو العصر خلف من يصلي العشاء، لأن الإتمام في هذا الحال لا يتأثر، وإذا جاز أن يصلي الفريضة خلف النافلة مع اختلاف الحكم، فكذلك اختلاف الاسم لا يضر وهذا القول أصح.

فإن قال قائل: كيف يصلي الظهر خلف من يصلي العشاء؟

فنقول: يتصور ذلك بأن يحضر لصلاة العشاء بعد أن أذن ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى الظهر بغير وضوء.

فنقول له: ادخل مع الإمام أنت نيتك الظهر، والإمام نيته العشاء ولا يضر، "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"، فليس معناه فلا تختلفوا عليه في النية لأنه فصّل وبيّن فقال: "فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر"، أي تابعوه ولا تسبقوه، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً.

هذا البحث يتفرع عليه بحث آخر إذا اتفقت الصلاتان في العدد والهيئة فلا إشكال في هذا مثل ظهر خلف عصر فالعدد واحد، والهيئة واحدة، هذا لا إشكال فيه.
* لكن إذا اختلفت الصلاتان بأن كانت صلاة المأموم ركعتين والإمام أربع أو العكس، أو المأموم ثلاث، والإمام أربع، أو بالعكس.

فنقول:
أولاً: إن كانت صلاة المأموم أكثر فلا إشكال، مثل لو صلى العصر خلف من يصلي المغرب مثل رجل دخل المسجد يصلي المغرب ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فهنا صار عليه صلاة العصر.

نقول: ادخل مع الإمام بنية صلاة العصر، وإذا سلم الإمام فإنك تأتي بواحدة لتتم لك الأربع، هذا لا إشكال فيه.

- ثانياً: إذا كانت صلاة الإمام أكثر من صلاة المأموم، فهنا نقول: إن دخل المأموم في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال، وإن دخل في الركعة الأولى فحينئذ يأتي الإشكال، ولنمثل: إذا جئت والإمام يصلي العشاء وهذا يقع كثيراً في أيام الجمع، يأتي الإنسان من البيت، والمسجد جمع للمطر وما أشبه فإذا جاء وجدهم يصلون العشاء جمع تقديم، لكن وجدهم يصلون في الركعتين الأخيرتين نقول: ادخل معهم بنية المغرب، صلي الركعتين، وإذا سلم الإمام تأتي بركعة ولا إشكال.
وإذا جئت ووجدتهم يصلون العشاء الآخر لكنهم في الركعة الثانية نقول: ادخل معهم بنية المغرب وسلم مع الإمام ولا يضر لأنك ما زدت ولا نقصت هذا أيضاً لا إشكال فيه.

وعند البعض فيه إشكال ويقول: إذا دخلت معه في الركعة الثانية ثم جلست في الركعة التي هي للإمام الثانية وهي لك الأولى، فتكون جلست في الأولى للتشهد.

نقول هذا لا يضر، ألست إذا دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فالإمام سوف يجلس للتشهد وهي لك الأولى فهذا مثله ولا إشكال.

. الإشكال إذا جئت إلى المسجد ووجدتهم يصلون العشاء وهم في الركعة الأولى، ودخلت معهم فيها حينئذ ستصلي ثلاثاً مع الإمام والإمام سيقوم للرابعة فماذا تصنع؟

نقول: اجلس، وإذا كنت تريد أن تجمع فانو المفارقة وأقرأ التحيات وسلم، ثم ادخل من الإمام فيما بقي من صلاة العشاء لأنك يمكن أن تدركه.

أما إذا كنت لا تنوي الجمع، أو ممن لا يحق له الجمع فإنك في هذه الحال تخير إن شئت فاجلس للتشهد وانتظر الإمام حتى يكمل الركعة ويتشهد وتسلم معه، وإن شئت فانو الانفراد وسلم.

وهذا الذي ذكرناه هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.

ونية الانفراد هنا للضرورة، لأن الإنسان لا يمكن أن يزيد في صلاة المغرب على ثلاث فالجلوس لضرورة شرعية ولا بأس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله - الجزء الثاني عشر.

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 70
  • 8
  • 616,754

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً