من أدرك الإمامَ راكعا هل يعتد بتلك الركعة؟

منذ 2008-08-08
السؤال: إذا دخل المأموم فوجد الإمام راكعا، فدخل معه، هل يعتد بتلك الركعة، ولو لم يقرأ الفاتحة؟ وإذا كان مع الإمام فلم يتمكن من تكميل قراءة الفاتحة، وركع الإمام، هل يتابعه، ويكون مدركا للركعة؟ أرجو الجواب مفصلا؛ نظرا لوجود خلاف بين العلماء في ذلك.
الإجابة: الذي عليه الجماهير: أنه يعتد بتلك الركعة. وفيه قول آخر: أنه لا يعتد بها.

ويحكى هذا القول عن أبي هريرة، واختاره ابن خزيمة، والصبغي، وقواه السبكي في (فتاواه)، واحتج لهذا الرأي بما في (الطبراني) (1)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صل ما أدركت واقض ما سُبقت"، وبما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه، وليعد تلك الركعة" (2). وبحديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" (3).

▪ والصواب -الذي عليه الجمهور- الاعتداد بتلك الركعة.

قال الموفق ابن قدامة في (المغني) (4): ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" (رواه أبو داود) (5).

وقال النووي في (المجموع) (6): والاعتداد بتلك الركعة هو الصواب الذي نص عليه الشافعي. وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء، وتظاهرت به الأحاديث، وأطبق عليه الناس.أ.هـ.

ومن الأحاديث الثابتة فيه:

حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصا، ولا تَعُد" (رواه البخاري وأبو داود والنسائي) (7)، فقد أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على اعتداده بتلك الركعة، ونهاه عن العودة إلى الدخول قبل الانتهاء إلى الصف.

وقد جاء عن الصحابة ما يقوي هذا الاستدلال، فأخرج الطبراني في (الكبير)، بسند رجاله ثقات، من حديث زيد بن وهب. أنه قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد، والإمام راكع فركعنا، ثم مضينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمام قمت أقضي. فقال لي ابن مسعود: قد أدركتَه (8)، وأخرج فيه أيضا عن علي وابن مسعود أنهما قالا: من لم يدرك الركعة فلا يعتد بالسجدة (9).

وأما ما عند الطبراني في قصة أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "صلّ ما أدركت، واقض ما سبقت"، ففي إسناده عبد الله ابن عيسى الخزاز، وهو ضعيف، كما نص عليه الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (10).

وأما حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه، وليعد الركعة"، فقد رواه البخاري في جزء «القراءة خلف الإمام»، عن أبي هريرة أنه قال: إن أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة. قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (11) قال الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفا، وأما المرفوع فلا أصل له.

وأما حديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، فعمومه مخصص بحديث أبي بكرة، فلا تعارض بينهما.

ومن هنا يتبين ضعف القول بعدم الاعتداد بركعة من أدرك الإمام في الركوع، بل جزم النووي في (المجموع) (12)، والحافظ العراقي في (طرح التثريب) (13) بأن القول بذلك قول منكر شاذّ. وذكر أن المعروف من مذاهب الأئمة، وغيرهم، وعليه الناس -قديمًا وحديثًا- إدراك الركعة.

ونقل النووي عن صاحب (التتمة) أنه تعقب قول ابن خزيمة، والصبغي بعدم الاعتداد بالركعة بقوله: هذا ليس بصحيح؛ لأن أهل الأعصار اتفقوا على الإدراك به. فخلاف مَنْ بَعْدهم لا يعتد به.

▪ والخلاصة: أن الاعتداد بركعة من أدرك الإمام في الركوع هو الصحيح الذي عليه الجمهور، ودلت عليه الأحاديث، والله أعلم.

___________________________________________

1 - رواه الطبراني في (الكبير)، وأشار الهيثمي إلى ضعفه في (المجمع) (2/ 76) ولكن الحديث رواه مسلم في (الصحيح) (602/154) بهذا اللفظ عن أبي هريرة. وفي الباب حديث أبي قتادة عند البخاري (635)، ومسلم (602/ 152) بلفظ: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
2 - البخاري في جزء «القراءة خلف الإمام» وهذا حديث لا يصح من جهة سنده، ولكن جمهور الصحابة والسلف على ذلك. عزاه الحافظ ابن حجر في (التلخيص) (2/ 41) إلى البخاري في «القراءة خلف الإمام» من قول أبي هريرة: إذا أدركت القوم ركوعا لم يعتد بتلك الركعة. وقال الحافظ: وهذا هو المعروف: موقوف. وأما المرفوع فلا أصل له، وعزاه الرافعي تبعا للإمام أن أبا عاصم العبادي حكى عن ابن خزيمة أنه احتج بذلك، قلت: وراجعت (صحيح ابن خزيمة) فوجدته أخرج عن أبي هريرة: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه"، وترجم له: ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركا للركعة إذا ركع إمامه قبل، وهذا مغاير لما نقلوه عنه. وبحديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" البخاري (756)، ومسلم (394).
3 - البخاري (756)، ومسلم (394).
4 - (2/ 182).
5 - سبق في الفتوى (107) تخريج هذا الحديث والكلام عنه.
6 - (4/ 100).
7 - البخاري (783)، وأبو داود (683)، والنسائي (2/ 118).
8 - الطبراني في (الكبير) (9/ 312)، والبيهقي (2/90، 91).
9 - الطبراني في (الكبير) (9/ 311)، وعبد الرزاق (2 / 281)، والبيهقي (2/ 90).
10 - (2/ 76).
11 - (2/ 512).
12 - (4/ 100).
13 - (2/ 364).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .

  • 4
  • 2
  • 39,278

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً